هل تصبح مسودة المقترحات الاميركية تسوية فعلية؟


بقلم : العميد منذر الايوبي*

لم يكن لافتآ في التوقيت على اعتياد تكرار اشاعة رمادية تفاؤل، إحتمالية عبور الى وقف اطلاق النار والعودة الى تطييق القرار الاممي 1701 بمندرجاته الكافية والوافية حقن دماء وحفظ سيادة وطنية، فيما واصل على دأب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ممارسة خداع سياسي معهود صنو تعامي شبه تواطؤ مع مستشار الرئيس الاميركي عاموس هوكشتاين في ظل عدوان همجي لا يهدأ بالأبعاد الثلاث جوآ برآ وبحرآ مفتوح بالحد الادنى على توقيت دخول الرئيس ترامب المكتب البيضاوي مجددآ..!

بعد لأي وتعثر اتت مسودة المقترحات الاميركية للتسوية هذه المرة بالبريد الديبلوماسي تسلمها من السفيرة ليزا جونسون الرئيس نبيه بري خطيآ واطلع عليها الرئيس نجيب ميقاتي شفهيآ.. واذ يبدو للوهلة الاولى ان البنود 13 التي تضمنتها غير مرفوضة بالمطلق معلقة على استمهال تدقيق وقراءة ما بين الفواصل فاللائحة الجوابية ستنجز بعد تشاور الاسبوع القادم..
مؤَكَدَآ ستكون التعديلات صوغ افكار بأسلوب مقترحات تسقط شروطآ وحي هزيمة صنف خضوع وإذعان تطاول الكرامة الانسانية والسيادة الوطنية ..! فيما لحظت آليات تطبيق القرار إعادة إحياء لجنة المراقبة الثلاثية الدولية التي تشكلت غداة عدوان تموز 2006 برعاية قيادة قوات الطوارئ الدولية UNIFIL وبعضوية ضابط من اركان الجيش اللبناني وآخر يمثل العدو الإسرائيلي هدف معالجة الخروقات وضبط اي تصعيد او توتر مع إمكانية توسيعها لتشمل أميركا، فرنسا وربما المملكة العربية السعودية ضمان حسن سير وجدية تنفيذ…!

في السياق، حظي النقاش حول ما يُطرح تحليلات صح غربلتها مؤداها ان الورقة المقترحة نسخة اشد صرامة منقحة عن المبادرة الاميركية- الفرنسية السابقة، محاولة متجددة لاختبار منسوب قدرة صمود المقاومة عسكريآ، كما مدى تحمل البلد الخسائر الهائلة في الارواح والممتلكات، مع ربط الاشتباك السياسي الداخلي والشلل المؤسساتي بأزمة نزوح ينوء تحتها اكثر من مليون مواطن ضمن ابتزاز بالنار اجتماعي واقتصادي قد يفرض تنازلات في السياسة والميدان وفق معادلة استراتيجية (الهزيمة او الفتنة)، تصب في خانة المشروع الاستراتيجي الاميركي-الاسرائيلي الهادف الى تغيير وجه المنطقة، يُصَفِر حل الدولتين مكرسآ بالعصا الغليظة نقل تطبيع من ضمني الى علني لدى الدول الرافضة او المتحفظة، فارضآ على ايران التزام التبريد النووي ووقف التخصيب اضافة الى تحجيم اذرعها مع منحها ضمن قيود دورآ مميزآ في الاقليم..!

ثم ان افراغ جيش العدو بنك اهدافه دفع سلاحه الجوي الى مرحلة القصف الاستراتيجي بالقنابل الثقيلة الذكية والعالية الدقة عبر تدمير ممنهج متدرج جغرافيآ يتساوى مع اضعاف الروح المعنوية غير آبه بالضحايا رافعآ عداد الشهداء بوتيرة متسارعة قاربت المئة يوميآ بين شهيد وجريح؛ مراهنآ على سببيتين: فقدان المقاومة عناصر قوتها ومَدَدَها العسكري كذلك انعدام قدرة الحكومة على الصمود في لملمة اشلاء الوطن عَلَّ الضغوطات تثمر بداية استسلام مغلف بتسوية يقدمها رئيس حكومة العدو هدية للرئيس الاميركي دونالد ترامب فور دخوله البيت الابيض..! في هذا الصدد سجلت زيارة سريعة للرئيس المنتخب من وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة العدو رون ديرمر مؤشر كسب ود واعلان تجاوب مع طروحاته ورغباته.. فيما اكدت صحيفة الواشنطن بوست نقلآ عن مسؤولين اسرائيليين تبَلُغ جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه في الولاية الرئاسة الاولى: “ان اسرائيل تسارع للمضي قدمآ في اتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان مقرونآ بالتعاون الغربي- الروسي هدف تقديم فوز مبكر لترامب في السياسة الخارجية”..!

من السذاجة رسم المشهد الميداني على بيكار انتصار، واذ تقوم السذاجة على فشل في الذكاء الاجتماعي سياق تصرفات بعيدة عن تمحيص وَرَشاد فهي في عصر الذكاء الاصطناعي اشد وبالآ، وإذ أُسقِطنا تدريجًا في هوة مؤامرة صنف (عمى الوان) ضاعف وهجها ضعف بصيرة ولو غير جينية او متجذرة دفعنا ولا نزال نسدد فاتورتها اثمانآ باهظة من دماء ودموع..!
هنا تبرز الحكمة في السؤال عن الحقيقة، مواصلة القتال من عدمه..؟ وإذ أفتى المرشد الاعلى للثورة الايرانية “انه لا ضير في التراجع التكتيكي امام العدو؛ والتراجع قد يكون في الميدانين العسكري والسياسي” ما يفرض مقبوليته او يسمح بسلوكه على حنكة عقلانية من قبل قيادة المقاومة والمفاوض اللبناني دون ان يعتبر الامر هزيمة او استسلام..!
بالمقابل. وعلى قناعة الانحناء امام شهداء الوطن من مدنيين وعسكريين مع تقدير أسمى لتضحيات وصمود المقاومين على ارض الجنوب المقدسة، لا بد من وقف ماكينة الحرب الصهيونية العاتية عن سحق المقاومة وتدمير لبنان، ولا سبيل لذلك في هذه المرحلة الحرجة سوى انجاز تسوية مقبولة بالحد الادنى.. عن الامام علي (راع): رُبَّ يَوْمٍ بَكَيْتُ مِنْهُ فلمّا صرت في غيره بكيت عليه..!

* عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والإستراتيجية
طرابلس في 16.11.2024