هل تحصد “النبيذة” لانعام كجه جي جائزة “البوكر” لأفضل رواية؟
“الدنيا نيوز” – خاص
ثلاث شخصيات رئيسية تجوب العالم ضمن أحداث رواية “النبيذة” لإنعام كجه جي الكاتبة العراقية التي يرجح ان تكون هي الفائزة اليوم بجائزة البوكر لسنة 2019.
من المستشفى العسكري بباريس تبدأ الرواية مع الجاسوسة الفرنسية تاج الملوك العراقية من أصل إيراني أو مدام شامبيون زوجة الضابط الفرنسي سيريل شامبيون وهي تتابع غليان الشارع التونسي بالمظاهرات في يناير 2011 … وتستحضر ماضيها الحافل والقريب من شخصيات مدونة بكتب التاريخ بحكم عملها صحفية…
وديان المشرفة على راحة مدام شامبيون، صديقتان تفصل بينهما عقود من التفاوت، نبتتان مختلفتين، فتاج الملوك سيدة تتنكر لشيخوختها ووديان الشابة غير قادرة على احتواء أطوار مدام تاجي.
تاجي عبد الحميد الصحفية السافرة المتحررة المتوثبة تسرد ماضيها انطلاقا من الغرفة المجاورة لغرفتها بالمستشفى، الرئيس الجزائري بن بلة ينام في تلك الغرفة محدثة وديان…
تاجي تصف نفسها كأنها ميدوزا، وتتحدث عن الأمير عبد الإله خال الملك ووصي عرشه، واقامته لحفل في القصر تحضره هي. منصور البادي وعلاقته مع تاج الملوك ومنصبه السياسي، وهو أحد عشاق تاج الملوك خانم.
منصور البادي ثالث الشخصيات التي قذفت بهم أوطانهم للخارج لتمنحهم فرصة للحياة على هذه الأرض ليعيشوا في دائرة مغلقة بين الحاضر و الماضي .
منصور البادي هو المذيع الفلسطيني في إذاعة كراتشي، له علاقة بكاراكاس وشافيز والدبلوماسية اللاتينية، يتقن الإنجليزية والفارسية والعربية، وقع في عشق تاج الملوك هو الذي يصغرها بسبع سنوات ولعله الحبيب الأثير لديها ولكن؟
اسمي تاجي عبد الحميد وهي تعرّف بنفسها للملك عبد الله ملك الأردن وقد قابلته سنة 1947 حين زار العراق، رواية تاجي في الرواية تأتي من الحبكة في الحديث عن سلسلة علاقاتها الممتدة من بداية حياتها مع زوج أمها وصولًا إلى آخر لحظات وجودها في باريس في الشيخوخة، وهكذا تسجل كل تاريخ حياتها (تاجي، تاج الملوك، مدام شمبيون، …) وتبني روايتها من جهة أنها صحفية فتنتقي من الشخصيات والحوادث والوقائع ما تشاء وتبوح به للشابة الممرضة العراقية المهاجرة لباريس وديان التي تكون صورتها الحديثة لتلقّي السرد.
ولدت تاجي في طهران وأمّها زينة السادات بنت السيد أمر الله حملت بها في العشرينيات من القرن العشرين وولدت في فصل الشتاء أخر تشرين وأوائل كانون وأبوها أمير خان إيمانلو الذي طلّق والدتها قبل أن تولد بشهرين .
تزوجت أمّها من رجل آخر كان يتحرّش بها، وسمعت كذلك بأن أباها الذي لم تره كان زير نساء كذلك، عملت الأم مقرئة قرآن في مدينة مشهد وهي تحمل طفلتها، فجاء القاضي العراقي من السادة الذين يترددون على مشهد مرتين بالسنة وتزوجها متعة لأربع مرات ومن ثم رحل الى بها بغداد ومنح ابنتها اسمه بعد أن حذف الملوك فصارت تاجي عبد المجيد الشريفي.
مدهشة تلك الفتاة تقول، مثال ذلك إتقانها اللغات الفارسية والكردية والتركية وبعض من الأرمنية إضافة لإتقان العربية بسبب ثقافة السيد الذي رباها ومكتبته ومجلسه، مع أنه كان يتحرش بها.
غفت وهي دون العاشرة في حضن مصطفى البارزاني الكردي. يسألها زوجها الفرنسي: “هل تجيدين الكردية حقًّا؟ – والعربية والفارسية والآشورية. وفِي كراتشي أتقنت الإنجليزية ومعك تعلمت الفرنسية”.
أصدرت مجلتها “مجلة الرحاب” الأسبوعية مع المحامي عبود الطيار، والدعم من الأمير عبد الإله الوصي على العرش والداعم تحسين قدري وزير البلاط وطبعتها في مطبعة الزمان عند توفيق السمعاني أبو موفق.
ثم حديث عن كوكب الشرق أم كلثوم وهي تزور العراق لتغني في عيد ميلاد الملك فيصل وعن سارة ابنة تشرشل وزواجها من العراقي البرلماني الشيخ الجليل موحان العبد الله في حفل خاص يحضره والدها.
عودة لوديان الملاح في فصل موسيقي ومشكلتها مع خطيبها يوسف وانفصالهما بسبب ابن الشيخ، عدي صدام حسين وحديث عن الكمان والإيقاع والتعليم والتعلم والوحش الذي أفقدها إذنها السمع.
يصرخ منير بشير بمراسل التلفزيون الفرنسي: “هل يعرف العالم أن العقوبات الاقتصادية تحظر استيراد أوتار الآلات الموسيقيّة؟ الأوتار تقطعت وآلاتها خرساء. عازفون لا يعزفون، هل أوتار العود والمنتجات سلاح حربي؟”.
ومن كلام منصور البادي عن علاقته بتاجي في باكستان “تطورت صداقتنا كسمفونية ذات حركات متتابعة ومتصاعدة…”. ثقافة منصور الأدبية مثل ثقافة تاجي وخصوصًا في المحفوظ الشعري ووروده في الرواية، كذلك عن فصاحة تاجي باللغتين العربية والفارسية.
قصة تاجي مع فرهاد القاجاري في عبدان أو خرمشهر عند قريبتها سرور تصور مشهد اللقاء الجنسي بين فرهاد وتاجي بكثافة ودقة وعمق، منصور البادي وكتابه بوليفار والعالم الثالث، وتدريسه في جامعة كاراكاس، كلها هواجس للشخصيات وتطورها عرضتها الروائية مثل مراحل حب منصور لتاجي وهو يستذكرها “أحبها في كل مراحل صداقتهما. المرحلة الأولى البريئة البيضاء. والثانية الوردية التي تطوّع فيها ليكون حارسها المقدام. ثم الثالثة الحمراء، يوم انقض عليه خيالها العاري وهو يستمع إلى (شهرزاد) كورساكوف وحيدًا، في محرابه.
من أجمل ما في الرواية وصف العلاقة ما بين وديان وتاجي فالروائية تعيش الشخصيتين معًا أو قل هي تحرص على أن تضع وجهة النظر في كاملة للرواية في العلاقة ما بينهما، هي لا تريد انطلاقة تاجي التامة ولا انغلاق وديان المحكم، لذا فإنها تبدع في رسم الموقف الناجم عن البينية الماثلة في علاقتيهما معًا..
مع قرب انتهاء الرواية تعود لذكر علاقتها ببن بلا، أخذوني مع كوماندو لاغتيال بن بلّه تقصد زوجها الفرنسي والعمل السري معه والزواج به لاحقا، يوم 14 تموز سنة 1958 ولدت تاجي ابنها أوغست وهو يوم نهاية الملكية في العراق.
منصور البادي يصير سفيرًا لفنزويلا في أنقره من سنة 2003 الى 2008 ، وحديث عن ضرب بغداد ومشهد عن ابن صدام وموته ورؤية وديان لجثته على شاشات التلفزيون، ختاما تبوح وديان بحبها لمنصور ولتاجي معًا وتلميح لحياة المشردين من فلسطين والعراق.
“لا أدري إن كنت قد بكيت أو أن دموعه هي التي بللت خدي” لقد قرأتها من قبل ولكن أين؟