“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
في مسرحية اليوم، يضعنا جورج برناردشو بمواجهة اختيارات تحتاج إلى الذكاء وبعد النظر، وتمحيص الأمور، وإعمال الفكر قبل الإقدام على اتخاذ موقف أو إصدار حكم ما. نتحدث اليوم عن مسرحية “ميجور بربارة” التي كتبت عام 1906 وتجري أحداثها في العام نفسه.
جورج برنارد شو كاتب درامي وناقد مسرحي ايرلندي ولد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. من أفضل مسرحيي القرن العشرين الذين أضاءت أعمالهم المسارح العالمية، حائز على جائزة نوبل في الأدب للعام 1925. ومنهجه في الكتابة المسرحية هو اعتماد الواقعية الجديدة في الدراما، باستخدام الأفكار الأدبية لنشر المبادئ السياسية والاجتماعية والدينية. وتجاوز عدد مسرحياته الطويلة والمتوسطة الخمسين مسرحية، وتم إخراج عدد كبير من هذه المسرحيات أثناء حياته في أهم العواصم العالمية. تميز إنتاج برنارد شو بالسخرية اللاذعة، واستطاعت جمل شو الساخرة أن تحتل مكانها في ذاكرة الأدب العالمي.
تدور أحداث مسرحية “ميجور برباره” حول الليدي بريتومارت التي تعيش مع ابنها ستيفن وابنتها برباره. بربارة هي ابنة الأسرة البورجوازية الثرية والمفككة التي هجرها الأب “أندرشافت” ليصبح من أصحاب الملايين عن طريق الأسلحة. وهي أيضا عضو في جمعية جيش الخلاص الخيرية الدينية برتبة ميجور أي رائد. هذه الجمعية تحارب الفاقة والبطالة بواسطة جمع التبرعات لنصرة المساكين، والوعظ بمبادئ المحبة والسلام. وخطيبها أستاذ في اللغة اليونانية انخرط في سلك جمعية جيش الخلاص ليس عن ايمان ولكن لأنه يحب برباره. الأب هو أندرو أندرشافت صاحب مصانع السلاح المشهور يعيش وحده ولا يعرفه أولاده. ذات يوم دعته الأم الى العشاء: انها تريد اقناعه بتوريث المصانع لابنه ستيفن بعد موته ذلك أن من تقاليد مصانع أندرشافت أن يتوارثها اللقطاء. وكل مالك لها يبحث عن لقيط قبل موته يترك له المصانع، وكذا كان أندرشافت نفسه فهو لقيط. جاء الأب الى العشاء ورفض بالطبع فكرة توريث المصانع لولده ستيفن وفي أثناء الحديث ذكر أن برباره هي عضو في جيش الخلاص فتعهد بزيارة الملجأ حيث تعمل على أن تزوره هي في مصانعه. في اليوم التالي زار الأب مكان عمل ابنته وتبرع بمبلغ خمسة آلاف جنيه. برباره صدمت لأن المسؤولين قبلوا المبلغ. فوالدها قادر على جمع ما يحتاجه جيش الخلاص من مال لمساعدة المحرومين والمحتاجين، لكن هذا المال ملوث، لأنه آتٍ من تجارة السلاح. وهكذا، تكابر بربارة وتجادل مسؤوليها رافضة مالاً هو حصيلة بيع أسلحة الدمار فلم يذعنوا لها. وعلى الأثر تركت برباره جيش الخلاص ووفاء بالتعهد ذهبت مع خطيبها وأمها وأخيها لزيارة مصانع السلاح في اليوم التالي. خطيبها أستاذ اليونانية ليس لقيطا ولكن أبويه متزوجان بعقد لا يعتبر قانونيا في بريطانيا. أندرشافت استضافهم جميعا في مصانعه ووافق بناء على اقتراح زوجته بتوريث مصانعه لخطيب ابنته برباره. لكن هل توافق برباره وتتخلى عن مبادئها؟ لقد فقدت ايمانها بجيش الخلاص أمس وها هو أبوها ينصحها اليوم وتجد نفسها في مواجهة مشكلة أخلاقية فكرية معه. وتنتهي المسرحية بهزيمة قيم بربارة أمام جحافل من يملك المال ويشتري به العقول والضمائر. وقد اكتسبت بمواجهتها مع أبيها
واقعية أكثر، وغدا نضالها أقل مثالية.
قال برنارد شو في مقدمة المسرحية انه جعل أندرشافت رمزا لقوة الحياة من حيث انه يعرف ما يريد ويمضي غير متردد في طريق واضح والى الأمام. أما خطيب ابنته المتردد الرومنسي فهو يمثّل الشك وبرباره تمثّل العقيدة في اندفاعها وفي عملية الاختيار بين شيئين لا ثالث لهما: إما ايمان وإما عدم إيمان. من “ميجور برباره” نستخلص أن المجتمع الرأسمالي هو الحتمية الوحيدة وهو الأكثر فاعلية شرط أن يضع حدا للفقر المدقع. ونستخلص أيضا أن كل الكلام في المثاليات الموجه ضد صانع السلاح والمروّج للحروب لا قيمة له وأنه لا يصدر الا عن مجرد تمسك واه بمبادئ لا تقوى على هبوب رياح الواقع. ويتلخص ذلك بما ما جاء على لسان اندرشابت.
“إنني أفضِّل أن أكون لصاً على أن أكون جائعاً معدماً، وأفضّل أن أكون قاتلاً على أن أكون عبداً. لا أريد أن أكون أيهما، ولكن إذا ما أجبرتني على الاختيار، فبحق السماء، سأختار الأشجع والأفضل. إني أكره الفقر والعبودية أكثر من أية جريمة أخرى.”