“منظمة حقوق الانسان”: القضاء اللبناني يتجاهل قانون مناهضة التعذيب
وزعت “هيومن رايتس ووتش” تقريراً أعدته لمناسبة الذكرى السنوية الثانية لإقرار قانون مناهضة التعذيب، ووجهت فيه اتهاماً مباشرا للسلطات القضائية في لبنان بأنها “تقاعست عن التحقيق في مزاعم جدية بشأن تعرّض حسان الضيقة للتعذيب قبل وفاته في الحجز”.
وقال التقرير المنظمة ان “عناصر من “قوى الأمن الداخلي” أوقفوا الضيقة (44 عاما) في اول شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2018 بتهم متعلقة بالمخدرات. وان الضيقة زعم أن عناصر قوى الأمن الداخلي أخضعوه للضرب المتكرر والصعق بالكهرباء، وعلقوه في وضعيات مُجهدة وأجبروه على الاعتراف، وذلك في ملاحظات زُعِم أنه هرّبها من السجن”.
وتابع التقرير ان “سلطات السجن نقلت الضيقة إلى المستشفى في 2 نيسان / ابريل 2019 بسبب تدهور وضعه الصحي والذي قالت عائلته إنه ناجم عن التعذيب أثناء احتجازه لدى قوى الأمن الداخلي. وتوفي في المستشفى في 11 أيار / مايو (الماضي).
وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في “هيومن رايتس ووتش” لما فقيه في التقرير: “تقاعس النائب العام عن التحقيق في ادعاءات حسان الضيقة تُبيّن أوجه القصور الخطيرة في سبل تعامل القضاء اللبناني مع شكاوى التعذيب. الإجراءات المنصوص عليها في قانون مناهضة التعذيب ترمي إلى حماية الأدلة وضمان المساءلة عن جرائم التعذيب. لكن بعد سنتين من إقراره، لدينا قضية أخرى تقاعست فيها السلطات عن تطبيق هذا القانون”.
وتابعت :”في 31 تموز /يوليو (الماضي)، وفي رد على رسالة استفسرت فيها “هيومن رايتس ووتش” عن التحقيق في وفاة الضيقة وشكاوى تعرضه للتعذيب، أرسل وزير العدل ألبير سرحان نسخة عن نتائج التحقيقات التي جمعها النائب العام لدى محكمة التمييز بالإنابة عقب وفاة الضيقة. وأفاد التقرير بأن “قسم المباحث الجنائية المركزية” في قوى الأمن الداخلي أجرى التحقيق، مع أن قانون مناهضة التعذيب يحظر قيام الأجهزة الأمنية بالتحقيق في قضايا التعذيب. قالت “هيومن رايتس ووتش” إن تحقيقات قوى الأمن الداخلي بأفعال ارتكبها عناصره ليست مستقلة أو حيادية”.
واضافت فقيه ان “توفيق الضيقة، والد حسان ومحاميه، قدم شكوى لدى النائب العام في 21 تشرين الثاني / نوفمبر 2018، زعم فيها أن ابنه تعرّض للتعذيب. بدل إحالة الشكوى إلى قاضي تحقيق خلال 48 ساعة كما ينص القانون، أحالها النائب العام إلى الأمن الداخلي الذي يُتَّهَم عناصره بارتكاب التعذيب.ولم يعيّن النائب العام طبيبا شرعيا خلال 48 ساعة من استلام الشكوى في 21 تشرين الثاني، كما ينص القانون”.
ونقل تقرير المنظمة عن غسان مخيبر، النائب السابق ومهندس قانون مناهضة التعذيب، قوله لـ هيومن رايتس ووتش إنه التقى بالنائب العام في تشرين الثاني نوفمبر وحثها على تعيين طبيب لمعاينة الضيقة لكنها رفضت. قال مخيبر إنه عندما ذكر لها قانون مناهضة التعذيب أجابته أنها “لم ترَ القانون”.
في 12 أيار / مايو ، قال قاضي التحقيق الذي أصدر مذكرة توقيف بحق الضيقة إن النيابة العامة لم توافق على تعيين طبيب شرعي لمعاينة الضيقة. وزعمت النائب العام في رد لها إنها سمحت بنقل الضيقة إلى المستشفى وعينت لجنة طبية لمعاينته، غير أنها قامت بذلك أشهرا طويلة بعد تقديم شكوى التعذيب”.
في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر ، سمح نائب عام آخر لتوفيق الضيقة بتعيين طبيب “على نفقته الخاصة”. عيّنت عائلة الضيقة طبيبا وطبيبا نفسيا لمعاينته. كلاهما ذكرا أنه يعاني من صدمات نفسية وجسدية خطيرة نتيجة للتعذيب”.
اضاف التقرير :”لاحقا ادعت السلطات أن الطبيب نظم تقريرا مزورا، لكنّ نتائج الطبيب النفسي كانت وحدها كفيلة بدفع السلطات إلى التحقيق في ادعاءات التعذيب. رغم الأدلة الطبية الدامغة التي ذكرها الطبيب النفسي، لم تُحِل النيابة العامة الشكوى إلى القضاء كما ينص القانون.
أفاد تقرير نتيجة تحقيق النائب العام لدى محكمة التمييز بالإنابة، الذي جُمع في 27 يوليو/تموز بعد وفاة الضيقة، إن رتيبا وممرضا كشفا عليه في 9 تشرين الثاني بعد نقله إلى نظارة قصر عدل بعبدا للحجز الاحتياطي قبل المحاكمة وأن طبيبا من قوى الأمن الداخلي عاينه في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر وقد وجد كدمات على أكتاف الضيقة وذراعه الأيمن. لكن التصريحات الحكومية بعد وفاة الضيقة مباشرة لم تشِر إلى هذه المعاينات. بينما شكك بلاغ لقوى الامن الداخلي في 12 أيار في النتائج التي وجدها الطبيب الذي عينته عائلة الضيقة، لم يُشِر البلاغ إلى إجراء معاينات أخرى.
في 10 كانون الأول/ ديسمبر، قدم توفيق الضيقة شكوى تعذيب أخرى إلى قاضي التحقيق مباشرة تضمنت تقارير من الطبيب والطبيب النفسي الذين عينهما. قال الضيقة ومخيبر لـ هيومن رايتس ووتش إن موظف مكتب القاضي رفض في البداية تسجيل الشكوى. زاعما أيضا إنه عندما قبِل قاضي التحقيق أخيرا تسجيل الشكوى في 27 شباط فبراير، شارك بعض تفاصيلها مع عناصر قوى الأمن الداخلي.
أخبر توفيق الضيقة هيومن رايتس ووتش لاحقا إنه تلقى تهديدات خطيرة على حياته ما أُجبره على سحب الشكويين في 20 آذار / مارس. يفرض قانون مناهضة التعذيب على السلطات ضمان حماية الشخص مقدم الشكوى من سوء المعاملة والترهيب” .
وتابع تقرير المنظمة الاممية في 25 كانون الثاني، أرسل ثلاثة خبراء متخصصين من الامم المتحدة رسالة إلى الحكومة اللبنانية يُعربون فيها عن قلقهم الشديد من مزاعم حجز الضيقة تعسفا، وتعذيبه، وسوء معاملته. وفي 14 ايار / مايو اعربت المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، عن قلقها حول تقاعس القضاء عن التحقيق في ادعاءات الضيقة بتعرضه للتعذيب ودعت إلى “تحقيق شامل وفعال ومستقل” في وفاته.
وجدت “هيومن رايتس ووتش” أيضا أن قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة ارتكبا انتهاكات خطيرة للإجراءات القانونية الواجبة، تحديدا عبر توقيف الضيقة خارج الأوقات المسموح فيها وتزوير تاريخ توقيفه على ما يبدو”.
وجاء في التقرير :”لطالما وثّقت هيومن رايتس ووتش تقارير ذات مصداقية عن التعذيب في لبنان، غير أن السلطات لم تحقق بشكل مناسب بأي مزاعم تعذيب أو سوء معاملة ارتكبتها الأجهزة الأمنية، ولا تزال العدالة ضد التعذيب خلال الاحتجاز بعيدة المنال. زياد عيتاني، الممثل المعروف الذي بُرّئ من تهمة التعامل مع إسرائيل، وصف تفاصيل احتفائه القسري وتعذيبه خلال الاحتجاز على يد “أمن الدولة” في تشرين الثاني 2017. رغم رفع دعوى قضائية ضد الأشخاص المتورطين في تعذيبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لم تشهد قضيته تقدّما يُذكَر”.
وتابع تقرير المنظمة:” كدولة طرف في “اتفاقية مناهضة التعذيب”، على لبنان أن يتخذ تدابير فعلية لمنع التعذيب، والتحقيق في المزاعم الموثوقة بالتعذيب، ومحاسبة كل من يثبت تورطه فيه بالعقوبات الملائمة التي تراعي خطورة الجريمة.
على لبنان تخصيص ميزانية كافية ل”اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب”، وقبول طلب مقرر الامم المتحدة المعني بالتعذيب العالق لزيارة لبنان المقدّم في 13 شباط / فبراير 2017.
وقالت فقيه: “لا يوجد أي عذر لتجاهل المدعين العامين والقضاة أحكام قانون مناهضة التعذيب. على لبنان مضاعفة جهوده لمحاربة التعذيب وضمان محاسبة من تثبت مسؤوليتهم في إساءة معاملة حسان الضيقة”.
وتحت عنوان “انتهاك الإجراءات القانونية الواجبة خلال توقيف حسان الضيقة” نقلت المنظمة في تقريرها عن والد حسان توفيق الضيقة قوله لـ “هيومن رايتس ووتش” إن أكثر من 50 عنصرا مسلحا وباللباس الرسمي من قوى الأمن الداخلي داهموا المبنى حيث كان يقيم مع ابنه حسان في شقتين منفصلتين في 1 تشرين الثاني 2018، الساعة 9:30 مساء وأوقفوا ابنه بدون تقديم مذكرة توقيف حتى بعد أن سألهم توفيق عن ذلك”.
وقال الوالد إنه لم يعرف أي شيء عن ابنه إلا بعد يومين عندما سُمح لحسان بإجراء اتصال هاتفي قصير. لم يُسمح له بلقاء أسرته أو محاميه إلا بعد أن نقلته قوى الأمن الداخلي إلى نظارة قصر عدل بعبدا للحجز الاحتياطي السابق للمحاكمة في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر . لاحقا، نقلته السلطات إلى سجن رومية ثم سجن عاليه.
وقال التقرير :”لا يجوز للشرطة القضائية دخول منزل المشتبه به بين الساعة 8 مساء و5 صباحا. لا يجوز لها أيضا احتجاز المتهم بدون موافقة النائب العام المسبقة إلا إذا قُبض عليه متلبسا بالجرم المشهود. المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني تضمن حق المشتبه به الموقوف بالاتصال بشخص يختاره، ومقابلة محام، وطلب معاينة طبية بمجرد توقيفه. على عناصر الأمن إبلاغ المشتبه بهم الموقوفين بهذه الحقوق عند فور توقيفهم.
يجب ألا تتعدى مدة الحجز الاحتياطي السابق للمحاكمة 48 ساعة، يمكن تجديدها مرة واحدة بموافقة النائب العام. في التقرير الذي اوسلته وزارة العدل الى “هيومن رايتس ووتش”، تقول النيابة العامة إن قوى الأمن الداخلي أوقفت الضيقة في 3 تشرين الثاني بدل 1 تشرين الثاني، وإن التحقيق معه انتهى في 5 تشرين الثاني، أحالت قوى الأمن الداخلي بعد ذلك قضيته إلى النيابة العامة. إلا أن سجلات قوى الأمن الداخلي المجمعة في وقت توقيف الضيقة واستجوابه، والتي اطلع توفيق هيومن رايتس ووتش عليها، تشير إلى أن الضيقة أُوقف في 1 تشرين الثاني وليس في 3 تشرين الثاني.
قالت قوى الأمن الداخلي إن الضيقة بقي لدى “شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي” (شعبة المعلومات) حتى 9 تشرين الثاني بسبب عدم وجود أماكن شاغرة للتوقيف الاحتياطي السابق للمحاكمة في نظارة قصر عدل بعبدا.
العناصر الذين يثبت انتهاكهم قواعد احتجاز أي مشتبه به مسؤولون جنائيا عن الاحتجاز غير القانوني. قالت هيومن رايتس ووتش إن على القضاء ضمان إجراء تحقيق مستقل في المزاعم ومحاسبة العناصر المسؤولين عنها”.
وذكر التقرير ان “هيومن رايتس ووتش” “اطلعت على ملاحظات يزعم توفيق الضيقة إن ابنه حسان كتبها خلال الحجز الاحتياطي السابق للمحاكمة في نظارة قصر عدل بعبدا وهرّبها على علب الدخان. في ملاحظاته، يفصّل حسان محنته لدى شعبة المعلومات. يتسّق ما رواه حسان مع تقارير عن قضيته قبل توقيفه.
كتب إنه بعد توقيفه ليل الخميس 1 تشرين الثاني، اقتيد إلى مبنى تابع للدرك في منطقة عين الرمانة حيث أمضى ليلته. في الصباح التالي اقتيد إلى شعبة المعلومات حيث كبّله العناصر، وعصبوا عينيه وأجبروه على نزع ملابسه. قال إنهم جعلوه ينتظر 15 دقيقة في غرفة مظلمة “أصغر من الحمام” ثم نقلوه إلى غرفة حيث حقق معه العناصر حول مزاعم تهريب المخدرات. كتب إنه عندما نفى التهم، ضربه خمسة عناصر على رأسه وجهه وبطنه لمدة ساعتين.
بعد الضرب، كتب الضيقة إن العناصر حققوا معه حول شركته للتخليص الجمركي وموظفيه، وطلبوا منه تقديم المعلومات المطلوبة. قال إنه اقتيد بعدها إلى زنزانة بقي فيها وحده ساعتين. ثم دخل العناصر الزنزانة وسألوه عن جريمته المزعومة مجددا. كتب إنه عندما أجاب بصدق، نعته أحدهم بالكذب وبدأ العناصر يضربونه، ويصعقونه بالكهرباء، وضربوه “فلقة” وهي طريقة تعذيب تشمل الضرب على كعب القدمين.
كتب الضيقة إن بعد ساعات قليلة، أخذه العناصر إلى التحقيق مجددا حيث كان التعذيب “على مستوى آخر”. ضربه العناصر، حتى على قدميه، وعلقوه في وضعية “الفروج”، أي أنهم علقوه وربطوا يديه في قضيب حديد يمر تحت ركبتيه. كتب الضيقة إنه فقد وعيه بعد ساعة. وعندما استعاد وعيه قال له أحد العناصر “ستتكلم أم تريد أن تموت؟”.
كتب الضيقة أنه بعد ذلك وافق على كل شيء: “لو سألوني إن كنت قد قتلت النبي لأجبت نعم”.