مسرح عالمي: بستان الكرز لأنطون تشيخوف
خاص “الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
امتاز مسرحه بالدخول الى حياة الناس بكل ما فيها من بساطة، بكل ما فيها من لغو في بعض الأحيان وتراجيديا في أحيان أخرى. فالمشهد اليومي الذي يبدو لنا عادياً وبسيطاً والذي يمكن أن يكون في غرفة استقبال أثناء قدوم الضيوف أو خروجهم، أو الذي يمكن أن يكون في حديقة حيث يجلس الناس جلسة هادئة مسترخية. هذا المشهد يصنعه “تشيخوف” مسرحياً وهو القائل: “في المسرحية يجب أن يصل الناس، ويرحلون، ويتناولون غداءهم، ويتحدثون عن الطقس، يجب أن تصور الحياة كما هي، وأن يصوروا الناس على حقيقتهم”.
انطون تشيخوف أديب روسي ولد عام 1860 وتوفي عام 1904. اشتهر بكتاباته المسرحية وقصصه القصيرة، وكان لمسرحياته أثرا عظيما في إثراء الأدب الروسي والعالمي في القرن العشرين. وقد تمت ترجمة أعماله إلى العديد من اللغات من ضمنها اللغة العربية، وتحولت العديد من مسرحياته وقصصه إلى عروض مسرحية وأعمال سينمائية وتلفزيونية . وفيما يلي نقدم لكم نبذة عن مسرحية “بستان الكرز” إحدى روائع تشيخوف.
تقع مسرحية بستان الكرز في أربعة فصول وتجري أحداثها في الريف الروسي في بيت أسرة كانت على جانب كبير من الغنى والجاه.
“رانيفسكايا” هي بطلة المسرحية وهي امرأة ثرية ورثت بيتا جميلا يحيط به بستان رائع هو بستان الكرز واعتادت على العيش في حياة مترفة وناعمة. لكن هذه الحياة لم تدم لهذه السيدة، فقد انفق زوجها الكثير من المال في المظاهر وأسرف حتى اضطر في سنواته الأخيرة إلى الاستدانة لتسديد ديون هائلة تراكمت عليه حتى أرهقت قلبه فودع الحياة. وراحت الأرملة تحاول التعويض والاستمرار في نفس مستوى الحياة، وتقع في حب رجل فتنفق عليه كل ما تبقى من أملاك الأسرة وتترك بيتها العتيق لكنه يهجرها من أجل امرأة أخرى. وبسبب هذه الخيانة ترجع إلى بيتها القديم الذي عاشت فيه صباها وشبابها لمجرد الشعور بالأمان. ولكنها ما إن بدأت تستقر في بيتها العريق وتغالب آلام الغدر حتى اكتشفت أن كل أملاكها قد تمّ الحجر عليها خلال غيبتها الطويلة وأنها سوف تباع بالمزاد العلني خلال وقت قريب لسداد الديون. ويأتي إليها أحد التجار وينصحها أن تؤجر البيت والحديقة لتستطيع إنقاذ بقية أملاكها من الضياع، ولكن السيدة الأرستقراطية التي عاشت طوال عمرها في العز والنعومة ترفض ذلك بشدة. ولا ترفض ذلك فقط بل وتكابر أيضاً وتذهب بعيداً وتقرر أن تقيم حفلاً لاستقبال ضيوفها في نفس اليوم الذي سيجري فيه بيع أملاكها بالمزاد. وبينما تستعد الأرملة بعد انتهاء الحفلة لإخلاء البيت والحديقة والعودة إلى مهجرها، يكون رجاؤها الأخير للمالك الجديد هو الا يبدأ قطع أشجار الحديقة المحيطة بالبيت لكي يقيم مكانها فيلات جديدة إلا بعد أن تغادر البيت والحديقة والمدينة كلها. ويحترم الرجل مشاعر المرأة فيأتي بمعدات الهدم والقطع إلى الحديقة لكنه يأمر العمال بأن لا يبدأوا عملهم حتى تغادر السيدة بيتها. وحين تحين لحظة الرحيل تتأمل الأرملة البيت والحديقة وتتأوه في حسرة ثم تعانق أخاها ويبكيان معا بكاء مكتوماً خشية أن يسمعهما أحد، وتتلفت الأرملة حولها وتقول: “آه يا بستاني العزيز، آه يا حياتي الماضية ويا شبابي وسعادتي… وداعاً لكم جميعاً… وداعاً يا كل الأشياء الجميلة!” ثم تركب العربة في طريقها إلى المهجر البعيد. بعدها يسمع في المكان المهجور صوتاً مثل أوتار الكمان حين تتقطع واحداً بعد الآخر، ويخفت الصوت تدريجياً إلى أن يتوقف فلا يسمع بعد ذلك إلا صوت المعاول وهي تنهال على جذوع الأشجار العتيقة!
تعكس مسرحية تشيخوف “بستان الكرز” فترة تاريخية حاسمة في حياة روسيا، إنها فترة انهيار الإقطاعية وبداية تشكل المجتمع البرجوازي. إنها إقطاعية تنهار من دون أن تعي واقعها، وبرجوازية تقوم محلها وتتسلم زمام السلطة وهي ما زالت في بداية تشكلها. وصف تشيخوف مسرحيته بأنها كوميديا لكن النقاد رأوا أن الكوميديا فيها هي تلك المفارقة التاريخية الناجمة عن انهيار طبقة لا تعي انهيارها غير أن النص المسرحي بحد ذاته لا يضحك أبداً. إنه ربما، قد يثير ابتسامة هنا أو هناك، غير أن جوهره وبنيته يدعوان للحزن ويثيران الشفقة. شخصيات “بستان الكرز” بشكل عام حساسة، عاطفية، رقيقة المشاعر وإنسانية، غير أنها مأزومة وجوديا. تحيا ضمن واقع ولكنها لا تعيشه إلا بأحلامها وأوهامها ومثلها التي لم تعد منسجمة مع تغيرات العصر.
ياة الناس بكل ما فيها من بساطة، بكل ما فيها من لغو في بعض الأحيان وتراجيديا في أحيان أخرى. فالمشهد اليومي الذي يبدو لنا عادياً وبسيطاً والذي يمكن أن يكون في غرفة استقبال أثناء قدوم الضيوف أو خروجهم، أو الذي يمكن أن يكون في حديقة حيث يجلس الناس جلسة هادئة مسترخية. هذا المشهد يصنعه “تشيخوف” مسرحياً وهو القائل: “في المسرحية يجب أن يصل الناس، ويرحلون، ويتناولون غداءهم، ويتحدثون عن الطقس، يجب أن تصور الحياة كما هي، وأن يصوروا الناس على حقيقتهم”.
انطون تشيخوف أديب روسي ولد عام 1860 وتوفي عام 1904. اشتهر بكتاباته المسرحية وقصصه القصيرة، وكان لمسرحياته أثرا عظيما في إثراء الأدب الروسي والعالمي في القرن العشرين. وقد تمت ترجمة أعماله إلى العديد من اللغات من ضمنها اللغة العربية، وتحولت العديد من مسرحياته وقصصه إلى عروض مسرحية وأعمال سينمائية وتلفزيونية . وفيما يلي نقدم لكم نبذة عن مسرحية “بستان الكرز” إحدى روائع تشيخوف.
تقع مسرحية بستان الكرز في أربعة فصول وتجري أحداثها في الريف الروسي في بيت أسرة كانت على جانب كبير من الغنى والجاه.
“رانيفسكايا” هي بطلة المسرحية وهي امرأة ثرية ورثت بيتا جميلا يحيط به بستان رائع هو بستان الكرز واعتادت على العيش في حياة مترفة وناعمة. لكن هذه الحياة لم تدم لهذه السيدة، فقد انفق زوجها الكثير من المال في المظاهر وأسرف حتى اضطر في سنواته الأخيرة إلى الاستدانة لتسديد ديون هائلة تراكمت عليه حتى أرهقت قلبه فودع الحياة. وراحت الأرملة تحاول التعويض والاستمرار في نفس مستوى الحياة، وتقع في حب رجل فتنفق عليه كل ما تبقى من أملاك الأسرة وتترك بيتها العتيق لكنه يهجرها من أجل امرأة أخرى. وبسبب هذه الخيانة ترجع إلى بيتها القديم الذي عاشت فيه صباها وشبابها لمجرد الشعور بالأمان. ولكنها ما إن بدأت تستقر في بيتها العريق وتغالب آلام الغدر حتى اكتشفت أن كل أملاكها قد تمّ الحجر عليها خلال غيبتها الطويلة وأنها سوف تباع بالمزاد العلني خلال وقت قريب لسداد الديون. ويأتي إليها أحد التجار وينصحها أن تؤجر البيت والحديقة لتستطيع إنقاذ بقية أملاكها من الضياع، ولكن السيدة الأرستقراطية التي عاشت طوال عمرها في العز والنعومة ترفض ذلك بشدة. ولا ترفض ذلك فقط بل وتكابر أيضاً وتذهب بعيداً وتقرر أن تقيم حفلاً لاستقبال ضيوفها في نفس اليوم الذي سيجري فيه بيع أملاكها بالمزاد. وبينما تستعد الأرملة بعد انتهاء الحفلة لإخلاء البيت والحديقة والعودة إلى مهجرها، يكون رجاؤها الأخير للمالك الجديد هو الا يبدأ قطع أشجار الحديقة المحيطة بالبيت لكي يقيم مكانها فيلات جديدة إلا بعد أن تغادر البيت والحديقة والمدينة كلها. ويحترم الرجل مشاعر المرأة فيأتي بمعدات الهدم والقطع إلى الحديقة لكنه يأمر العمال بأن لا يبدأوا عملهم حتى تغادر السيدة بيتها. وحين تحين لحظة الرحيل تتأمل الأرملة البيت والحديقة وتتأوه في حسرة ثم تعانق أخاها ويبكيان معا بكاء مكتوماً خشية أن يسمعهما أحد، وتتلفت الأرملة حولها وتقول: “آه يا بستاني العزيز، آه يا حياتي الماضية ويا شبابي وسعادتي… وداعاً لكم جميعاً… وداعاً يا كل الأشياء الجميلة!” ثم تركب العربة في طريقها إلى المهجر البعيد. بعدها يسمع في المكان المهجور صوتاً مثل أوتار الكمان حين تتقطع واحداً بعد الآخر، ويخفت الصوت تدريجياً إلى أن يتوقف فلا يسمع بعد ذلك إلا صوت المعاول وهي تنهال على جذوع الأشجار العتيقة!
تعكس مسرحية تشيخوف “بستان الكرز” فترة تاريخية حاسمة في حياة روسيا، إنها فترة انهيار الإقطاعية وبداية تشكل المجتمع البرجوازي. إنها إقطاعية تنهار من دون أن تعي واقعها، وبرجوازية تقوم محلها وتتسلم زمام السلطة وهي ما زالت في بداية تشكلها. وصف تشيخوف مسرحيته بأنها كوميديا لكن النقاد رأوا أن الكوميديا فيها هي تلك المفارقة التاريخية الناجمة عن انهيار طبقة لا تعي انهيارها غير أن النص المسرحي بحد ذاته لا يضحك أبداً. إنه ربما، قد يثير ابتسامة هنا أو هناك، غير أن جوهره وبنيته يدعوان للحزن ويثيران الشفقة. شخصيات “بستان الكرز” بشكل عام حساسة، عاطفية، رقيقة المشاعر وإنسانية، غير أنها مأزومة وجوديا. تحيا ضمن واقع ولكنها لا تعيشه إلا بأحلامها وأوهامها ومثلها التي لم تعد منسجمة مع تغيرات العصر.
——————————
* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”