“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
وُصف بأنه واحدٌ من أعظم الأمريكيين الأفارقة وأكثرهم تأثيراً على مر التاريخ. يعد من أشهر المناضلين السود في الولايات المتحدة. أثارت حياته القصيرة جدلاً لم ينته بما قدمه من أفكار عن الدين والعنصرية. كانت حياته سلسلة من التحولات الجذرية من قاع الجريمة والانحدار إلى تطرف الأفكار العنصرية، ثم إلى الاعتدال والإسلام. إنه المناضل مالكوم اكس.
الولادة والنشأة:
ولد مالكوم ليتل المعروف بمالكوم اكس في 9 أيار/مايو عام 1925 في مدينة أوماها في ولاية نبراسكا الأميركية. كان أبوه قسيساً معمدانياً وناشطاً سياسياً في أكبر منظمة للسود آنذاك وهي “الجمعية العالمية لتقدم الزنوج”.
على الرغم من أن الولايات المتحدة أعلنت تحرير العبيد وإلغاء الرق مع نهاية الحرب الأهلية فيها عام 1865، فقد ظل المواطنين السود فيها يعانون التمييز العنصري، والحرمان من أغلب حقوقهم المدنية. وقد عايش مالكوم إكس هذه المعاناة بأقسى صورها، ففي السادسة من عمره قتلت جماعة عنصرية والده بطريقة وحشية، فاضطرت والدة مالكوم للعمل كي تعيل أبناءها الثمانية، فعملت خادمة في بيوت البيض لكنها كانت تطرد باستمرار لأسباب عنصرية. ومع هذه الظروف القاسية تعرّضت الوالدة لصدمة نفسية، أدخلت على أثرها مستشفى للأمراض العقلية. وانفصل مالكوم عن أشقائه حيث تولت الحكومة إرسالهم إلى عوائل مختلفة قامت تبنّتهم.
شبح العنصرية:
خلال دراسته الابتدائية كان مالكوم إكس وإخوته وحدهم الزنوج في المدرسة، وهناك عانى مضايقات وممارسات عنصرية متواصلة، وهو ما أدى إلى تردّي أخلاقه. فعاش حياة التسكع والتطفل والسرقة ثم طرد من المدرسة وأودع سجن الأحداث. فاستكمل تعليمه الثانوي هناك. وظلت صفة الزنجي تلاحقه كظله، برغم تفوقه على جميع أقرانه. فشعر أساتذته بالخوف منه مما حدا بهم إلى السخرية منه وتحطيمه نفسياً ومعنوياً.
وعند خروجه من السجن عام 1940، تنقل مالكوم بين أماكن ومهن عديدة، وفي نيويورك ارتكب شتى الموبقات والجرائم، كما تظاهر بالجنون ليتجنب التجنيد الإجباري إبان الحرب العالمية الثانية. وخلال محاولته السطو على منزل أحد الأثرياء البيض، اعتقلته الشرطة عليه، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات.
السجن…بداية تحوّل:
في السجن، وصلته مجموعة رسائل من إخوته يبلغونه فيها اعتناقهم ديناً جديد للسود قادرا على إنقاذهم مما هم فيه. ولم يكن هذا الدين سوى أفكار عنصرية نادى بها رجل يدعى “إليجا محمد” الذي أسّس جماعة أسماها “أمة الإسلام” في أمريكا.
كانت هذه الجماعة تعتبر أن الإسلام دين للسود، وأن الشيطان أبيض والملاك أسود. كان لديهم مجموعة من المفاهيم والأفكار المغلوطة اتخذت من الإسلام اسماً برغم منافاتها له.
اتجه مالكوم في سجنه إلى القراءة المتواصلة والمتعمقة في شتى صنوف المعرفة. فحصّل ثقافة عالية مكنته من بناء شخصيته وصقلها، في حين كان يراسل إليجا محمّد باستمرار معلناً إعجابه به وتأييده أفكاره.
إنضمامه إلى أمة الإسلام:
خرج مالكوم من السجن عام 1952، وكان ينوي حين ذاك أن يعمق معرفته بإليجا محمد فانضم رسمياً إلى منظمته، وتحول إلى حياة الزهد والتعلم. وبدأ يدعو الشباب السود الى هذه الحركة فتأثر به كثيرون لأنه كان خطيباً بليغا فذاع صيته حتى أصبح في فترة وجيزة إماماً لمسجد دترويت. وقرّبه إليجا محمّد إلى دائرته الخاصة، فاعتلى مالكوم أعلى المناصب في منظمة أمة الإسلام وبات المتحدث الرسمي باسمها. واشتهر بمشاركته بمناظرات تلفزيونية حامية، عرف فيها بقوة بيانه وحدته وسلاطة لسانه، فلقّب بالرجل الأشد غضباً.
أكس.. من المعروف إلى المجهول:
غيّر مالكوم اسمه من “مالكوم ليتل” إلى “مالكوم اكس” حيث فضل استخدام إكس على اللقب الذي منح لأجداده من قبل مالكيهم بعد جلبهم من أفريقيا إلى أمريكا نظراً لضياع اسم العائلة الحقيقي أثناء فترات العبودية السابقة. يقول ملكوم: « إن إكس ترمز لما كنت عليه وما قد أصبحت، كما يعني في الرياضيات المجهول وغير معلوم الأصل».
في بداية الستينيات تعرّض تنظيم أمّة الإسلام إلى هزّات داخلية، بسبب فضائح أخلاقية مرتبطة بزعيمه إليجا محمّد. فتأثرت صورته واهتزت لدى العديد من مناصريه، ومنهم مالكوم إكس الذي عاش رحلة من المراجعة والنقد الذاتي، ما أدّى إلى عزله من مناصبه البارزة في أمة الإسلام، وحصول القطيعة بينه وبين اليجا محمّد.
الحج…رحلة ضوء:
بدأ مالكوم طورا جديدا من حياته عندما قرأ كتابًا عن تعاليم الإسلام وعن فريضة الحج فرغب في تأديتها عام 1964. وفعلا قصد مكة المكرمة وقضى فيها اثني عشر يوما وفوجئ بما رآه هناك من مسلمين بيض وسود تجمعهم المساواة والمحبة. فرأى الإسلام الصحيح عن كثب وتعرف إلى حقيقته وأدرك ضلال المذهب العنصري الذي كان يعتنقه ويدعو إليه.
“في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها»
تلك الصورة التي رآها مالكوم في الحج غيرت مفاهيمه التي دعته إلى إنشاء أمة مسلمة تتكون من السود دون البيض، فعاد الى أميركا برسالة جديدة واسم جديد هو الحاج مالك شاباز. وحمل رسالة جديدة تدعو جميع الأعراق والأجناس إلى التعايش بسلام. وأصبحت دعوته عالمية فزار العديد من بلدان العالم وخصوصاً في القارة السمراء مؤسساً بذلك منظمة الوحدة الأفروأمريكية.
مالكوم يثير نقمة أمة الاسلام فتقرر اغتياله:
تحرر مالكوم من أغلال تنظيم أمة الاسلام ليبرز زعيماً بين السود الأمريكيين مدافعا عن حقوقهم لكن هذه المرة بعيداً عن ذاك التعصب الأعمى.
وبتنامي الخلافات بينه وبين منظمة أمة الإسلام، والخشية من إحداثه انشقاقات في صفوفها، قررت قيادة المنظمة اغتيال مالكوم إكس. فهوجم منزله في عام 1965 وأضرمت فيه النيران، إلا أن النجاة كتبت له ولعائلته.
وفي الحادي والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام ألف وتسعمئة وخمسة وستين، وخلال إحدى محاضراته في مدينة نيويورك. أطلقت النار على مالكوم إكس، فأصيب جسده النحيل بست عشرة رصاصة، فارق على أثرها الحياة.
وبعد شهر واحد من اغتيال مالكوم إكس أقر الرئيس الأمريكي جونسون مرسوماً قانونياً ينص على حقوق التصويت للسود وأنهى الاستخدام الرسمي لكلمة نجرو وهي كلمة إنكليزية مسيئة تعني الزنجي وكانت تطلق على السود في أمريكا.
لقد شكّلت أفكار مالكوم إكس أو مالك شاباز مكوناً أساسياً يضاف إلى مكونات نضال الأمريكيين السود عموماً والمسلمين خصوصاً لنيل حقوقهم المدنية كاملة في الولايات المتحدة الأميركية.
——————–