مشروع الشام الجديد تحالف بين محورين
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*
تشهد منطقة الشرق الوسط والاقليم حاليا بداية حراك جيوسياسي ذو تقاربية نسبية مشابه لانزلاق “الصفائح التكتونية” Plate tectonics وفق علوم الجيوفيزياء، ما يسمح بتغيير وجه المنطقة ومعالجة التشوهات من خلال ردم الفوالق الزلزالية لقضايا الصراع وبما يؤمن استقرارا مرحليآ..!
في الظواهر الجيولوجية فإن التقاء صفيحتين او تقاربهما قد يؤدي الى نشوء ملامح طوبوغرافية جديدة مثل تكون الجبال والاودية الخ.. بالتوازي فان تراكم الضغط في باطن الارض قد يطلق الصهارة Magma الى الخارج متسببآ بظهور البراكين مترافقة مع تصدعات خطيرة في القشرة الارضية.
انطلاقآ من هذه المقاربة يبدو مشروع الشام الجديد المؤلف من مصر، الاردن والعراق نوعآ من التفاعل الحركي قد يقود نحو تفاهمات سياسية استراتيجية اوسع، وان كانت قائمة على اسس الشراكة الاقتصادية والتجارية، المتزامنة مع تنسيق الاستثمارات في موارد الطاقة كالنفط والغاز وغير ذلك من موارد، ويعتبر مد خط الانبوب النفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولا إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم الى مصر خير مثال. كما بؤمن “الشام الجيد” تكاملآ بين الدول الثلاث، مع تعميق التعاون الامني والعسكري لا سيما في مجال مكافحة الارهاب والتنظيمات المتطرفة”داعش، النصرة، جيش الخلافة الخ..”
من جهة اخرى، اذا كانت حركية النظام الجيو ديناميكي التي تسمح للصفائح التكتونية بالتحرك معروفة علميآ وفق اختلاف الكثافة النسبية “للغلاف الموري” Asthenosphere وانحدار حرارة “الدثار” Earth’s Mantle، فإن الآلية الدافعة لتشكل التحالف السياسي الثلاثي بابعاده الاستراتيجية، ليست بعيدة عن ايجابيات خفض التأثيرات السلبية الناتجة عن صراعات الاقليم مع تحقيق الازدهار والاستقرار الاجتماعي. كما انها تلامس تموضعآ سياسيآ وسطيآ ذو استقلالية نسبية، في تكونه النظيري Isotope يحاول ان ينأى بنفسه عما يسمى محور الممانعة الذي تقوده ايران والمحور العربي المواجه الموازي الذي تقوده المملكة العربية السعودية بدعم اميركي. وفي نفس الوقت يؤسس لتوازن في العلاقة بينهما مع اعطائها “العلاقة” صفة الجيدة او الحيادية، ضمن مبدأية محاذرة عراقية لعدم التورط في عملية التطبيع مع العدو الاسرائيلي، لجملة اسباب سياسية وداخلية ليس اقلها العلاقة بالجذور التاريخية مع ايران وتركيبة النسيج الاجتماعي ذو الجدائل الدينية المذهبية والايديولوجية للشعب العراقي..!
من المسار التاريخي، فإن الاقليم حمل تسميات متعددة منها: بلاد ما بين النهرين- الهلال الخصيب- سوريا الكبرى- بلاد الشام، وذلك وفقآ لمراحل توسعه الكياني او انحساره على خلفية سامية اللغة وتجانس البيئة كما التداخل الثقافي والاجتماعي المتكامل سياسيا ودينيآ؛ ولطالما كان السعي لوحدة هذا الاقليم هاجسآ رغم اخفاق محاولات عدة في القرن الماضي؛ كونه يشكل من الوجهة القومية النواة الصلبة للوحدة العربية يوم كانت هدفآ منشودآ..!
تاليآ؛ رغم ان الامور مرهونة باوقاتها، فإن هذا التحالف الثلاثي من منطلق ما تشهده المنطقة وما يرسم لها سواء على وقع اللهيب العسكري اولآ: “حرب اليمن- حرب غزة- التوتر الامني في العراق- الضربات الجوية الاسرائيلية على سوريا- الضربة الجوية الاميركية على معسكرات الحشد الشعبي- قصف القواعد الاميركية الخ..” ام على ضجيج احتدام الصراع السياسي ثانيآ: “الانتخابات الايرانية وقد حسمت لصالح المحافظين- لبنان وعقبات تشكيل الحكومة الجديدة- سوريا ومقررات استانه وصولا الى الحل السياسي وشكل الدولة- اسرائيل وتشكيل الحكومة بعد ازاحة نتنياهو- الاردن والرسالة الانقلابية الفاشلة الخ..” سيتوسع لاحقآ ليضم سوريا ولبنان على الاقل، ضمن حتمية ما تفرضه الجغرافيا اساسآ، وما يجري من ترتيبات لكيفية ادارة الاقليم بالتوافق الروسي- الايراني- التركي؛ دون ان يثير نقزةً او اعتراضآ خليجيآ وبالرضى الاميركي الغير معيوب اسرائيليآ.
في سياق متصل، ان اختلف العصر والزمان ومجريات الاحداث فان وضع الاقليم الجيوسياسي في موقعه الاستراتيجي ومحتواه المتميز لطالما كان حقل اجهاد مغنطيسي Stress Field مرن تارة وهش تارة أخرى؛ محور نزاع ودافع حروب، ينطبق عليه بيت شعر المتنبي “حالات الزمان عليك شتى ،، وحالك واحد في كل حال”..! ليُطرَح السؤال: هل تسير المنطقة نحو صراع التحالفات او المحاور.؟ ام ان ورقة ضغط جديدة تحضر لصالح المستفيد ايآ يكن.؟ اذ ان الربح بها او خسارتها سيان.!
توازيآ؛ هل أتت القمة الثلاثية لتؤسس حلفآ جديدآ على نسق حلف بغداد، الذي انشأ خمسينيات القرن الماضي زمن الحرب الباردة وضم كل من: تركيا- ايران- العراق- الباكستان والمملكة المتحدة وذلك بهدف كبح جماح المد السوفياتي الشيوعي في حينه.؟ هذا الامر يطرح فرضية (المآرب الاخرى) للتحالف، عبر قرار ضمني بفصل التموضع الجغرافي الطبيعي والارتباط السياسي والعسكري الطوعي او القسري مترجمآ بأقفال الممر الاستراتيجي اللوجستي “ايران- ألعراق- سوريا- لبنان” بما يسمح بعزل سوريا ولبنان بواسطة الطوق العراقي – الاردني- المصري، وهنا تبرز اهمية الدور العراقي في كلا الموقعين كنقطة تقاطع اساسية ..!
مع الاشارة الى ان هذا القرار في حال وجوده وبالتالي تطبيقه ميدانيآ لا يعني مواجهة حتمية بين المحورين، بل قد يكون خطوة لا تمانعها ايران في مرحلة التسويات المرتقبة، التي يؤسس لها مسلك العبور مجددآ الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاميركية عن طهران..!
اما في البعد الخليجي فالشام الجديد لن يشكل هاجسآ مقلقآ طالما ان دوله الثلاث على صلة وطيدة وتنسيق كاف مع مجلس التعاون الخليجي. بالمقابل، حققت القمة نوعآ من التوازن الجيو استراتيجي بين مصر وتركيا حيث تحاول الاخيرة تثبيت وجودها العسكري ونفوذها السياسي في ليبيا؛ كما منحت العراق هامشآ يحتاجه في استقلالية قراره عن التأثيرات الايرانية. اما البيان الختامي فأكد على مركزية القضية الفلسطينية وضرورة تفعيل الجهود لتحقيق السلام الشامل ضمن حل الدولتين، كذلك التأكيد على الوصاية الاردنية الهاشمية التاريخية في حماية الاماكن الدينية في القدس المحتلة.
خِتامَآ، يقع لبنان جيولوجيآ على فالق زلزالي رئيسي يمتد من البحر الاحمر جنوبآ الى تركيا شمالآ، كما يتموضع جيوسياسيآ وهو في حالة انعدام الوزن على الفالق الساخن لمحوري الاقليم. اما الخلافات السياسية بين افرقاء الداخل فتأتي على حساب الشعب اللبناني، ضمن آلية تحقيق المصالح الشخصية بحجة حفظ حقوق هذه الطائفة او تلك، ناهيك بانعدام المحاسبة وتغطية ارتكابات الفساد المتلازمة مع السطو على اموال الناس وفقدان مقومات العيش الكريم. استطرادآ بما ان الامل مقطوع من التغيير العنفي ب “الثورة من تحت”، كما ان التغيير بالانتخابات النيابية القادمة قد يأتي خجولآ غير مضمون النتائج نظرآ لشراسة الطبقة الحاكمة في تمسكها بمواقعها، وبعد عجز المبادرات والوساطات في مصادرها الاوروبية ام الداخلية عن تحقيق اية خطوة عملية متقدمة لتشكيل الحكومة والسير بالمحاسبة والاصلاحات، فإن الافضل الأنجع بات الطلب من المركز الوطني للجيوفيزياء التابع لمركز البحوث العلمية تحفيز سلسلة من الزلازل المتعاقبة بدرجة 9 على مقياس “ريختر” Richter scale علَّ وعسى تؤدي الى تحطيم الاصنام الاوليغارشية واصحاب النظريات الصنمية في علوم السياسة والدساتير، مفسحة المجال امام وصول عقول شبابية نزيهة واثقة كفوءة لبناء لبنان الجديد على انقاض اتفاق الطائف الذي عفا عليه الزمن..!
بيروت في 29.06.2021