كيف أثر لسان العرب في الثقافة الإسبانية؟
“اخبار الدنيا” – دانيا يوسف*
لم يكن دور العرب في إسبانيا مقتصرًا على الحكم، فقد تأثر العرب وأثروا في الثقافة الإسبانية في شتى المجالات. بداية من تبادل الحبوب والزراعة، مرورًا بالشعر والأدب، والفن، والعمارة، وكذلك اللغة. كان تأثير اللغة العربية في اللغة الإسبانية الأشد ملاحظة. فكيف أثر لسان العرب في الثقافة الإسبانية؟
عاش العرب المسلمون في إسبانيا قرابة ال800 عام، بين سلمٍ وحرب، في تعاون تارة، وتناحر تارة أخرى. بداية من نزول طارق بن زياد في شبه الجزيرة الإيبيرية عام 711 م، ومن ثم عبدالرحمن الداخل وهو إحدى العلامات الفارقة، وصولًا للمورسكيين. أثرت تلك الأعوام بشكلٍ كبير على الثقافة الإسبانية والإسبانيين كافّة، وكانت لها دورٌ ملحوظ في الحضارة الإسبانية القائمة حتى يومنا هذا.
دور العرب في الحضارة الإسبانية
أثرت اللغة العربية بجمال رسم حروفها، وعذوبة كلماتها في اللغة الإسبانية، والأدباء الإسبانيين بشكلٍ كبير وعموم الناس كذلك. أدى ذلك إلى تحدثهم واتقانهم للعربية، بل وتفاخرهم بقدرتهم على كتابة أعمالهم الفنية بتلك اللغة، أو برسمها حتى ولو كانت بلغتهم الأم. سميت الكتابات الإسبانية بالحروف العربية المعتمدة على اللغة الرومانية الممزوجة بين اللغتين بـ”العجمية”. وأطلق على من يتحدثون العربية ويستخدمونها في كتاباتهم، وحياتهم بالمستعربين. كان المستعربون ذوو مناصبٍ عالية في الدولة الإسلامية التي حكمت الأندلس، فبداية من الدولة الأموية التي استعانت بهم في إدارة شؤون البلاد. حتى طرد المورسكيون واستمرار الإسبان في نشر أعمالهم الأدبية بتلك الطريقة، والتي يحفظ بعضها في المكتبات حتى يومنا هذا. من أشهر الأمثلة على تلك الكتابات هي القصائد الجرشية، المكتوبة باللغة العربية. وانتشرت كذلك الخرجة، والخرجة هي خاتمة الموشح، وعادة ما تكتب بالعربية، أو العبرية، أو الرومانية. ظهرت الخرجة وانتشرت نتيجة لتمازج الثقافات والديانات، كما ظهر كذلك الزجل.
كان أحد التأثيرات الواضحة والهامة للعرب على إسبانيا ما حدث في العصور المظلمة لأوروبا، فقد شجع العرب المسلمين شتى مجالات العلم والفلسفة. أدى ذلك إلى ارتقاء شبه الجزيرة الإيبيرية، وجعلها منارة للعلم في أوروبا، برز حينها العلماء والأدباء، وتنافسوا فيما بينهم. وأعلت الدولة الإسلامية من شأن العلماء والأدباء، وشجعتهم للاستمرار والإبداع. حولت تلك الثورة الثقافية الأندلس، فعَرف الإسبان الصفر والجدير بالذكر أنهم ينطقونه كذلك sifir وتعلموا كذلك الجبر من كتاب العالم المسلم الخوارزمي في كتابه (المختصر في الجبر والمقابلة). كما راج الطب والكيمياء كذلك، نتيجة لاهتمام الدولة بتلك المجالات.
التأثير اللّغوي للعرب على الإسبان
المواقع الجغرافية والمعمار
أثر العرب بشكل كبير في اللغة الإسبانية، حيث أن ٨% من المفردات الإسبانية هي مفردات عربية الأصل. شملت تلك المفردات المئات والآلاف من المواقع الجغرافية والأماكن الأثرية التي أنشأها العرب وأطلقوا عليها تلك الأسماء العربية. أحد أشهر تلك المواقع هو جبل طارق-Gibraltar حيث نزل طارق بن زياد أول مرة. كما سميت بعض المدن بأسماء عربية، كمدينة سالم التي سمية كذلك نسبة لبنو سالم الذين قطنوها. كذلك مدينة سيدونيا التي سميت بالإسبانية «مدينة سيدونيا-Medina-Sidonia وتلك المدينة الساحلية الساحرة، التي مازالت تحتفظ باسمها العربي طريفةTarifa ، والتي سميت على اسم القائد العربي طريف بن مالك. ومدينة طليطلة-Toledo التي لازالت محتفظة باسمها حتى اليوم. ومن الجدير بالذكر أن أعلى جبل في وسط إسبانيا هو قمة المنصور-Pico almanzourسميت قمة المنصور نسبة إلى القائد المسلم المنصور بن أبي عامر، وهو أول من تسلق تلك القمة. كما كان هناك كلمات مركبة بين كلمة عربية وأخرى لاتينية مثل «ادي الذئاب-Guadalupe فالشق الأول من الكلمة Guadal وهي جدول، والشق الثاني lupus الكلمة اللاتينية التي تعني الذئاب . وكذلك كلمات مستقلة، كـالضاحية أو الضيعة-aldea ولا يخفى تأثير العرب على العمارة الإسبانية ليس فقط معماريًّا، بل ولغويًّا. فاستعمل الإسبان مثلًا مصطلح فندق-Fonda،والقصرalcázar
الوظائف وبعض الكلمات العربية المستخدمة يوميًّا في الإسبانية
ستجد في الإسبانية العديد من الوظائف التي لمسماها أصل عربي، دلالة على التأثير العملي إضافة للتأثير اللغوي. فمثلًا القاضي- alcalde والفارس-alferez، وهي وظائف لازالت محتفظة باسمها العربي. أما عن بعض الكلمات المستخدمة يوميًّا، فتأتي مثلًا كلمة القطن-algodon وبعض الفواكه كـالليمون-limon والـقهوة- cafe واستخدامهم كذلك لكلمة السوق-azogue، وكذلك الـمعصرة الزيت-almazara
التعبيرات العامة والأمثال الإسبانية ذات الأصل العربي
تأثر الإسبان كذلك بالتعبيرات والأمثال العربية، فنرى مثلا استخدامهم للتعبير عمن يحمل علمًا لا قيمة له كالحمار يحمل أسفارًا، بقولهم: ass burdened with knowledge وتعبيرهم العامي في حديثهم “!Ojalá” وهو ما يعني “إن شاء الله”، ويستخدمونها كالعرب تمامًا. كما يستعمل الإسبان تعبير “تعامل كأنك في منزلك” عندما يقوم ضيفٌ بزيارتهم، تمامًا كما العرب.
واستخدم الإسبان حرف الجر “حتى” في كلامهم، ويكتب بالإسبانية “hasta” وله نفس الدلالة وهو من التأثير اللغوي الواضح للغة العربية. ومن السهل أن تلاحظ في تركيب الكلمة وجود حروف في بدايتها تشابه ألف ولام التعريف في العديد من الكلمات الإسبانية، وبالتأكيد أن لها أصلٌ عربي. كما ختمت العديد من الكلمات الإسبانية بالحرف “i” كما في الكلمات العربية، حتى أنهم أشاروا إلى عهد ألفونسو العاشر بقولهم «عصر ألفونسي- la era alfonsí
وأخيرًا أثر المغاربة خاصةً، والعرب بشكلٍ عام في نطق بعض الحروف التي ميزت اللغة الإسبانية والبرتغالية عن مثيلاتها في أوروبا. لم يكن ذلك التأثير بالبسيط، فقد أبدع العرب في إيصال جمال حروفهم كتابةً، وصوتًا، وتركيبًا للجمل في شتى المجالات. وحتى يومنا هذا، فإن للعرب دورٌ كبير في الحضارة والثقافة الإسبانية لا يمكن إنكاره ليس التأثير اللغوي فقط بل العملي والثقافي كذلك.
—————————————
* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.