قمة الرياض الثنائية ترسم ملامح الصفقة الاوكرانية ..!
بقلم : العميد منذر الايوبي
لم يكن الاتصال الهاتفي الاسبوع الماضي بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين ليخرج عن تآلف قديم يقارب تفاهمآ بُعدآ عن تنافر؛ ليكون الاتفاق على إلتقاء الرجلين امرآ قريبآ متوقعآ، ورغم اهميته فاللافت ايضآ انعقاده في العاصمة السعودية الرياض، ما يُشَرِع دور المملكة على المستوى الدولي، ويؤكد تحولها النوعي في موقعها الجيو سياسي يتجاوز حضورها المؤثِر في الاقليم…
مما لا شك فيه ان اربع ساعات ونصف من المحادثات بين وزيري خارجية قطبَّي الكوكب ماركو روبيو وسيرغي لافروف بمشاركة فريقي عملهما النوعي: الاميركي «مستشار الامن القومي الاميركي مايك والتز؛ مبعوث الشرق الاوسط الى السعودية ستيف ويتكوف» والروسي «مساعد الرئيس يوري اوشاكوف والرئيس التنفيذي للصندوق الروسي للإستثمار كيريل دميترييف» فرصة استثنائية تأتي ضمن سياقِ وعدِ الرئيس ترامب اثناء حملته الانتخابية إنهاء الحرب الاوكرانية-الروسية البالغة ثلاثة اعوام من اندلاعها، سيما وان نتائجها (المحادثات) الآنية بدأت من خلال تفعيل عمل البعثات الديبلوماسية، بالتوازي مع وضع آلية تطبيقية لصيغة تشاورية تعالج مسببات التوتر عبر إنشاء مجموعات تفاوضية في مؤشرُ لجَدية ايجابية..!
سياقآ؛ تطرقَت المداولاّت على ما اُعلِن لِمعظم القضايا المطروحَة، فلم تقتصر على مسألة انهاء الحرب الاوكرانية- الروسية فقط، بل مجمل الملفات العالقة بين الطرفين وتلك المَعنيَين بها مباشرةً، اساسها تفاهم ثنائي لِتعاون مستقبلي في جملة القضايا والاهداف الجيوسياسية الامنية والاقتصادية، أمرٌ يبُنى عليه لِمعالجة النزاعات القائمة والمستجدة على المستويات كافة، مع تقييم الاستثمارات الناتجة والناشئة ..!
تاليآ، من الواضح ان التواصل الاميركي- الروسي مؤاتٍ لصالح المُثلث القَلِق الاميركي- الروسي- الصيني على حساب البنية الاقتصادية والامنية الاوروبية؛ سيما ان وزير الدفاع الاميركي (بيت هيغسيث) حدد بوضوح خلال اجتماع “مجموعة الاتصال الداعمة لِ كييف” المُنعقِد في العاصمة البلجيكية بروكسل الخطوط العريضة التي وضعها ترامب بشأن حلف شمال الاطلسي NATO.. مع الإشارة ان قرار سيد البيت الابيض إنسحاب بلاده من الحِلف المذكور لا يزال بيده امرآ قائمآ وإن مؤجلآ، ما يعني إسقاط احد اهم اسباب التوتر بين دول اوروبا وروسيا منذ زمن الحرب الباردة..!
ثم ان تفكك الناتو سيكون احد اهم نتائج انسحاب واشنطن منه، إذ لن يتمكن الاتحاد الاوروبي وعلى رأسه الدولتين ذات الثقل النوعي فرنسا والمانيا الحفاظ على بنية تحالف عسكري شامل يواجه الآلة العسكرية الروسية او يحد من طموحاتها، لا بل ستعاني دوله ما يمكن تسميته (رهاب بوتين) Phobia Putin الدائم.
من الواضح ان ما قبل القمة الاميركية- الروسية ليس كما بعده والارتدادات كبيرة، إذ ستكون جرس انذار لإنهاء معظم التفاهمات الاوروبية مع واشنطن تحت طائلة تسديد متوجبات مالية سبق ودفعتها الخزانة الاميركية لصالح المجهود العسكري الاوروبي والدعم الاوكراني، اضافة الى رفع نسب الضرائب على المنتجات الاوروبية المستوردة.. كما المتوقع الدخول في مرحلة “وقف إطلاق النار” خطوة اولى تلي انعقاد القمة تمهيدآ للحل الاساسي النهائي؛ لكن المؤكد ان روسيا ستحافظ على مكتسباتها في ضم المقاطعات الاربع “دونيتسك- خيرسون- لوهانسك- زابوربيجيجيا” منذ سبتمر 2022 ..
من جهة اخرى؛ بموازاة رفع العقوبات الاميركية عن موسكو؛ سيرسم الحل النهائي للحرب الاوكرانية بخلفيتها الاوروبية ملخص ملامح الصفقة بين الرئيسين ترامب وبوتين وفق معادلة الجمع والقسمة، اذ ستستحوذ روسيا على نسبة 70% من المعادن النادرة والثمينة المستخرجة من اوكرانيا مقابل 30% الحصة الاميركية بعد تأسيس إئتلاف شركات (كونسورتيوم) روسي يتكفل بعملية الاستخراج وكلفتها. تزامنآ وعلى مؤشر عدم دعوة الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي للمشاركة في قمة الرياض فالمتوقع إقصاءه بعد وصفِه من قبل الرئيس ترامب بالديكتاتور ؛ علمآ ان ولايته منتهية منذ ايار 2024، فيما الدستور الاوكراني يحظر إجراء اي انتخابات طالما بقي قانون الطوارئ المعمول به منذ شباط 2022 ساريآ..
من الثابت التاريخي ان دول الصف الاول لا بل القطبين الاساسيين اميركا وروسيا تقرران مصائر دول وشعوب وتحالفات، هذا ما تبلور في إبعاد الاتحاد الاوروبي واوكرانيا عن المحادثات،ليكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الصورة الرئيسية للقمة الثنائية، بعد ان اعرب الرئيس الاميركي في آخر تصريحاته عن شكره لإستضافة المملكة المحادثات بين مسؤولين اميركيين وروس مضيفآ ان “الرياض قامت بعمل عظيم لعقد هذه المحادثات”…!
اخيرآ؛ يصح السؤال هل قامت واشنطن ببيع اوكرانيا..؟ هذا ما يخشاه القادة الاوروبيون لجهة تقليص دور الإتحاد الاوروبي السياسي والاقتصادي كما تقرير مصير بعض دوله.. “هستيريا” القارة العجوز لن تجعلها تتورط في حرب مع روسيا، ومشاحنات لقاء الاليزيه الباريسي الاخير بين رؤساء دولها قد يدفع للعودة الى فكرة تأسيس الجيش الاوروبي الموحد ما سيفرض عليها مترتبات مالية هائلة تضعف اقتصادياتها ولا تكفل امنها..!
*عميد متقاعد، كاتب وباحث.