طائر الفينيق Phoenix المجد له في الهيكل عندما ينهض من بيت النار
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
“احترق فبعث مجددا من رماده” عبارة تنطبق على طائر أسطوري كان له صدى واسع في التراث الشعبي القديم لدى الكثير من الشعوب. انه طائر الفينيق!
هناك بعيداً في بلاد الشرق الساحرة، تُفتح بوابة السماء الضخمة لتسكب الشمس نورها من خلالها. وخلف البوابة تنتصب شجرة دائمة الخضرة حيث الجمال وحيث لا وجود للأمراض والشيخوخة والموت وحيث لاخوف ولا حزن. في هذا الموضع لايسكن سوى طائر واحد، إنه الفينيق ذو المنقار الطويل المستقيم والرأس الذي تزينه ريشتان ممتدتان الى الخلف.
بعد ألف عام أراد الفينيق أن يولد ثانية فحطّ في بلاد الشام وإختار نخلة شاهقة العلو تناطح عنان السماء وصنع لنفسه عشاً. وتروي الأسطورة أن الفينيق مصيره أن يموت في النار ومن رماده يخرج مخلوق جديد هو عبارة عن دودة لها لون كاللبن تتحول الى شرنقة ومن هذه الشرنقة يخرج فينيق جديد. يطير الفينيق المنبعث الى موطنه الأصيل ويحمل كل بقايا جسده القديم الى مذبح الشمس في مصر فيحيي شعب مصر هذا الطائر العجيب قبل أن يعود الى بلده في الشرق.
هذه أسطورة الفينيق كما ذكرها اليونانيون مع إختلاف في التفاصيل. وعلى سبيل المثال فقد أخذ قدامى المصريين الأسطورة عنهم وسمّوا الطائر بإسم مدينة الشمس او هيليوبوليس وذكروه في أحد أناشيدهم الدينية قائلين: المجد له في الهيكل عندما ينهض من بيت النار، الكل يحب أريجه عندما يقترب من بلاد العرب، هو رب الندى عندما يأتي من الشرق، ها هو يدنو بجماله المضيء اللامع من فينيقيا.
وأشارت بعض الروايات الى البلد السعيد في الشرق على أنه في الجزيرة العربية واليمن بالتحديد وأن عمر الطائر خمسمئة عام حيث يعيش سعيداً الى أن يحين وقت التغيير والتجديد. وحينها يعود الطائر مباشرة الى معبد الشمس رافعاً جناحيه الى الأعلى ثم يصفق بهما تصفيقاً عنيفاً وما هي لمحة حتى يلتهب الجناحان فيبدوان وكأنهما مروحتان من النار. ومن وسط الرماد الذي يتخلّف يخرج طائر جديد فائق الشبه بالقديم ليعود من فوره الى موطنه الأصلي في الشرق البعيد.
ابتدع القدماء أساطير مختلفة لموت طائر الفينيق وللمدَّة التي يحياها بين التجدُّد والتجدُّد. لكن لا خلاف على أن اسم الفينيق يوناني. والكلمة تعني، في بعض ما تعنيه، نوعًا من النخيل.
هكذا درجت حكاية أسطورة الفينيق على ألسنة القدماء وأقلام كتَّابهم وشعرائهم. ويندر أن تجد أمَّة قديمة لم تنسج على مثال الفينيق ولم تخلق لها طائرًا قريبًا منه. فالعرب قد خلقوا العنقاء والفُرس “السيمورغ” والهنود “غارودا” والصينيُّون “فَنْغْ–هْوانْغ” واليابانيون “هُوْ–أوْ”. فما هو ابرز رمز لهذا الطائر-الأسطورة؟ الفينيق كان وما زال رمز التجدد لعل اكثر ما أكسبه شهرته حين يحترق ويظن من يراقبه بتشف أنه اندثر الى الأبد فتكون المفاجاة بأن ينهض من جديد. وطائر الفينيق الذي يحترق ويولد من جديد، أصبح رمزا للحياة والحرية والنور والأمل وكذلك الشمس الباعثة للحياة التي تموت كل يوم ليشرق فجرها من جديد. وفي السياسة يرمز بطائر الفينيق الى كل بلد استطاع النهوض من الحرب ومن وسط الرماد في كل مرة تحرقه فيه الصراعات المدمرة في الداخل والخارج، تماماً كهذا الطائر. يرمز الفينيق إلى الدمار الدوري وإعادة الَخْلِق. لكن بعض علماء النفس اقترحوا تفسيراً نفسياً لهذا الطائر الخرافي بوصفه رمزاً للفينيق الذي نحفظه جميعنا ضمن ذواتنا٬ والذي يمكننا من العيش في كلّ لحظة والتغلب على كل موٍت جزئي متمّثل فيما ندعوه بالحلم أو التغيير.