بقلم: خليل حرب*
في قاعات وطوابق “مجمع سويكس” المشيد على الطراز الحديث والضخم في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، هناك روح إفريقية تجوب في المكان، حيث ارتبطت غابات العالم بإسمها وصنعت شيئا من أجل الحياة.
ربما ما من شخصية تواجدت في المؤتمر العالمي للغابات، وهم بالمئات من الخبراء والباحثين والناشطين، تعلوا مكانتها مكانة الكينية وانغاري ماثاي برغم أن رحيلها مضى عليه أكثر من 10 أعوام.
وهناك من يعتقد أن وانغاري ماثاي، أثرت في حياة كل واحد منا، “انت وعائلتك وأحبابك وأصدقاءك”، قبل أن ترحل عن هذا العالم في العام 2011، ملايين الناس يدينون لهذه السيدة الكينية التي لا يعرفها الكثيرون في الشرق الأوسط المتضرر من الجفاف والاحتباس الحراري وشح الموارد المائية، برغم انه يمكن القول انها بنشاطها وشغفها خففت من معاناة اهل هذه المنطقة بجهودها التي لا تحصى لمكافحة التغير المناخي والجفاف وزرع ملايين الاشجار التي تصدت لنسب الكربون الملوثة لهوائنا وبيئتنا جميعا.
51 مليون شجرة
في كينيا وحدها، ينسب لها الفضل انها خلال حياتها، ساهمت في زراعة اكثر من 51 مليون شجرة، لكن معجزتها البيئية هذه، انسابت كحجارة الدومينو لتتحول الى ظاهرة عالمية.
أسست وانغاري ماثاي “حركة الحزام الأخضر”، ثم فازت بجائزة نوبل للسلام في العام 2004، لتصبح أول سيدة افريقية تفوز بهذه الجائزة لمساهمتها في التنمية المستدامة والديمقراطية في بلادها.
في العاصمة الكورية الجنوبية، جاشت عواطف كثيرة ومشاعر وصرخات فرح وبكاء، في اليوم قبل الاخير لاختتام مؤتمر الغابات العالمي، حيث اعلن عن تقديم جائزة تحمل اسم وانغاري ماثاي، وهي جائزة أطلقت في العام 2012، لمناصري الغابات.
وكانت اللحظات مفعمة بالمشاعر عندما فازت الناشطة الكاميرونية سيسيل نجابيت التي ما ان اعلن اسمها حتى غمرها البكاء فيما تعالت أصوات ابتهاج سيدات افريقيات في احد قاعات “مجمع سويكس”، واهتز بعضهن لمحاكاة رقص افريقي، بينما اعتلت سيسيل نجابيت المسرح لتلقي كلمة وتتسلم جائزتها وظلت تغالب دموعها وتعتذر.
وصية زراعة
تروي سيسيل نجابيت، انها ووانغاري ماثاي التقتا قبل سنوات من وفاتها، وانها قدمت لها ما يشبه الوصية: “حركي نساء افريقيا، قولي لهن ان يزرعن”.
وقالت سيسيل نجابيت، فور تسلم جائزتها وهي تغالب دموعها: “اشعر بالاسف لان وانغاري ماثاي ليست هنا، لتعيش هذه اللحظة معي”.
ألهمت وانغاري ماثاي، التي سماها البعض “سيدة الأشجار”، ملايين الناس وبينهم سيسيل نفسها، من خلال دفاعها عن الاشجار والغابات وقدرتها على الدمج بين حماية البيئة وكوكب الارض وإدماج النساء في القرى والمناطق النائية في كينيا وغيرها في هذا الجهد العالمي والنظام البيئي المتداخل.
وعلى الخطى الثورية لوانغاري ماثاي، قامت سيسيل بتأسيس شبكة إقليمية إفريقية تضم 17 دولة، هدفها تعزيز دور النساء في ادارة وحماية الموارد الطبيعية في العام 2009، وهي منذ اكثر من ثلاثة عقود تعتبر من أبرز الناشطين في حماية الغابات وتطويرها والدفاع عن نساء جماعات السكان الأصليين والمناطق النائية وحقهم بالموارد الطبيعية.
وتحمل سيسيل، شهادة ماجستير في الحراجة الاجتماعية من جامعة واغنينغين الزراعية في هولندا، وحاصلة ايضا على دكتوراه في جامعة افريقيا الوسطى الكاثوليكية، حول “العلاقات بين الجنسين، والوصول الى الارض والوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة في الساحل الريفي للكاميرون”.
وهكذا، فإن روح الافريقية وانغاري ماثاي كانت حاضرة بقوة اليوم في اقصى الشرق الاسيوي، وهي التي كانت تحذر من انه عندما كان يأتي هؤلاء الى مناطق الغابات ويتحدثون عن سعيهم الى زراعة نباتات لاغراض تجارية، ادرك عندها انهم يحفرون قبورهم بأيديهم”. وتضيف ان “هذا النظام البيئي، يجب أن يبقى على حاله، وأن يدوم”.
وبسبب “حركة الحزام الأخضر” التي أنشأتها، تشكلت حركات مشابهة في دول أخرى من بينها تنزانيا واثيوبيا وزيمبابوي، وهي كانت حاضرة كثيرا في جلسات للجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة في قضايا تتعلق بحقوق الانسان والمرأة ومكافحة الايدز، وانتخبت للمرة الاولى في البرلمان الكيني في العام 2002، كما عينت لاحقا مساعدة وزير لشؤون البيئة والموارد الطبيعية والحياة البرية.
وأصدرت وانغاري ماثاي، كتب عدة منها “حركة الحزام الاخضر”، وكتاب لسيرتها الذاتية بعنوان “لا تنحني”، وكتاب “التحدي امام افريقيا” الذي انتقدت فيه زعماء القارة وحثت الشعوب الافريقية على تسوية مشاكلهم بدون المساعدة الغربية.
رئة الكوكب
وفي أحد أجنحة المعرض الواسع المقام على هامش مؤتمر الغابات، يجلس الكاميروني شوايبو نشوتبون ليتحدث بحماسة عن وانغاري ماثاي، واصفا إياها بأنها كانت زعيمة نسوية في افريقيا، ومنخرطة في العمل من اجل البيئة والغابات وحمايتها، ولعبت دورا كبيرا في انشاء “صندوق حوض الكونغو” وهي منطقة افريقية تمثل نحو 10٪ من التنوع البيولوجي العالمي ويتصدى لملايين الأطنان من غازات الاحتباس الحراري ويمتصها، ولهذا فإنه يوصف أحد رئات الكوكب، على غرار غابات الأمازون.
ويقول نشوتبون، وهو نائب الامين العام لمفوضية غابات وسط افريقيا، ان صندوق حوض الكونغو يمثل بالنسبة الى “قصة نجاح” لوانغاري ماثاي.
وتابع قائلا “حمينا غابات حوض الكونغو الممتدة على مساحة 355 مليون هكتار، والتي تمتص ملايين الاطنان من الكربون سنويا”.
وخلص نشوتبون، إلى القول إن “وانغاري ماثاي نجحت، ولهذا نشعر بوجودها بيننا ونتذكر دورها، ولا نستطيع نسيانها، وسنواصل الكفاح ومواجهة تدمير الغابات، وكلما عملنا من اجلها”.
واختتم: “نتذكر هذه الإنسانة، وعندما نأتي الى هنا نتذكر صورتها، صحيح أنها بعيدة، لكنها هنا أيضاً، بسبب كل ما قامت به، نأمل أن ترقد روحها بسلام”.
——————————
*صحافي لبناني، رئيس تحرير موقع “جورنال”.