“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف*
يتمثل رهاب القذارة بالخوف المفرط من الجراثيم، إذ يبذل المصاب به مجهودًا كبيرًا ليتفادى مواقف قد يتعرض فيها للجراثيم. وتزداد شدة هذا الرهاب، وتزداد الخطوات اللازمة لتفاديه صعوبةً مع الزمن، ليصبح المريض عالقًا في دورة من السلوكيات المتكررة التي تؤثر في جودة الحياة، بما يشبه اضطراب الوسواس القهري OCD Obsessive-compulsiv disorder.
ما رهاب القذارة؟
هو خوف مفرط من الجراثيم، يسبب هوسًا كبيرًا حول التلوث، ويُطلق على هذه الحالة أسماء أخرى، بما فيها: الباسيلوفوبيا، الباكتيريوفوبيا، الجيرموفوبيا، الفيرمينوفوبيا. ما الرهاب؟
يعد الخوف من بعض المواقف التي تبدو خطرةً أو غير مريحة أمرًا طبيعيًا، كما قد نخاف أحيانًا من أمور يمكن أن تؤثر على سلامتنا، كالأطعمة التي تصيب بالغثيان. لكن؛ نادرًا ما تشكل هذه الأفكار عقبة أمام نشاطاتنا اليومية، أما الرهاب فيسبب مشاعر أكثر حدةً، ويثير أفكارًا وسلوكيات من الصعب أن نسيطر عليها.
هل أعاني من رهاب القذارة؟
إن الشخص المصاب برهاب القذارة يكون قلقًا على الدوام حيال الجراثيم، وقد يبذل جهدًا إضافيًا ليتفادى مواقف مثل:
التماسّ مع السوائل الجسمانية للآخرين.
القذارة والتراب والعفن، ومواد أخرى ترتبط بالجراثيم.
الأطعمة الملوثة.
الأغراض والأسطح التي لا يعرفون مدى نظافتها.
بعض الحقائق الأخرى حول رهاب القذارة:
رهاب القذارة هو رهابٌ محدد، أي إنه يأتي نتيجة موقف مُحدد. قد يعاني المصابون برهاب القذارة أيضًا من اضطراب الوسواس القهري (OCD)، علمًا أن المصابين باضطراب (OCD) تُريحهم الأفكار والدوافع المتكررة اللاعقلانية.
من الشائع أيضًا أن يعاني المرء أكثر من رهاب محدد، وفي حالة المصابين برهاب القذارة، قد يتضمن هذا:
أتاكسوفوبيا: الخوف من عدم الترتيب
ميكروفوبيا: الخوف من الأشياء الصغيرة
نوسوفوبيا: الخوف من المرض
ثاناتوفوبيا: الخوف من الموت
زوفوبيا: الخوف من الحيوانات
الأسباب
إلى جانب الوراثة، قد تساهم البيئة المحيطة في زيادة خطر الإصابة بأنواع الرهاب المحدد، بما في ذلك رهاب القذارة.
الوراثة: يزيد وجود تاريخ من اضطرابات القلق في العائلة من أرجحية الإصابة بالرهاب، ومن الممكن أيضًا أن ينتقل اضطراب الوسواس القهري بالوراثة بين أجيال العائلة. لكن وجود تاريخ مرضي في العائلة لا يعني دائمًا أن هذه الحالات ستظهر عند الأجيال اللاحقة.
البيئة: قد تسبب الصدمات النفسية المتعلقة بالجراثيم أو القذارة رهاب القذارة، ويمكن أن تنبع من إصابة أحد الأحباء بالمرض أو موته نتيجة بيئة ملوثة.
الأعراض
يفكر الشخص المصاب برهاب القذارة بالجراثيم باستمرار، ويسبب التعرض للجراثيم والتفكير فيها تغيرات سلوكية واستجابات جسدية.
السلوكيات:
تتضمن السلوكيات التي قد تؤثر على الحياة اليومية ما يلي:
غسل اليدين كثيرًا. أي غسلها عدة مرات متتالية، أو لوقت طويل لدرجة غير عادية.
ارتداء القفازات دائمًا لمنع التماس مع الجراثيم.
تفادي المواقف الاجتماعية، حتى عندما يشترك فيها الأحباب.
تغطية الأغراض التي يستخدمها يوميًا، كأجهزة التحكم أو مقود السيارة.
التقليل من الوقت الذي يقضيه في الأماكن العامة، بما في ذلك الحمامات ومتاجر البقالة والمطاعم.
العودة إلى المنزل مباشرة إذا كان خائفًا من التعرض للجراثيم.
الاستحمام عدة مرات في اليوم.
استخدام معقم الأيدي كلما لمس سطحًا غير مألوف.
الأعراض الجسدية
قد يسبب رهاب القذارة التوعّك، ويرافق ذلك أعراضًا تتضمن:
ضبابية الوعي.
نوبات بكاء متكررة.
انفعالية.
النزق.
تسرع ضربات القلب.
التململ.
الارتجاف.
التعرق
التشخيص والفحص
يُشخص مقدمو الرعاية الصحية عادة رهابًا ما مثل رهاب القذارة من الزيارة الأولى للمريض، دون أن يضطروا إلى الفحص. إذ يسأل مقدمو الرعاية الصحية عن الأعراض والتغيرات في السلوكيات.
تتضمن الأسئلة ما يلي:
كم يتكرر التفكير في الجراثيم؟
هل يوجد حدث صادم يتعلق بالجراثيم؟
ما هو الشعور الذي تسببه الجراثيم؟
هل يسبب رهاب القذارة تغيرات سلوكية تؤثر في السعادة أو على الروتين اليومي؟ هل يوجد تاريخ شخصي أو عائلي من الإصابة بالقلق أو باضطراب الوسواس القهري؟
هل يتجنب المصاب الأشخاص أو الأماكن التي كان يستمتع فيها بسبب الخوف من الجراثيم؟
التدبير والعلاج
يعد علاج التعريض واحدًا من علاجات رهاب القذارة الشائعة. وبالعمل مع مقدم الرعاية الصحية النفسية ، تظهر عادًة الأسباب الكامنة وراء الخوف من الجراثيم. وهذه هي الخطوة الأولى في التغلب على رهاب القذارة. فعندما يشعر المريض بالراحة، سيعرضه المعالج تدريجيًا لمواقف قد توجد فيها الجراثيم.
يبدأ العلاج بتعريضات منخفضة الخطورة، كالتفكير بالجراثيم مثلًا. ومع التقدم في الخطة العلاجية يزداد التعريض، فقد يُطلب من المريض أن يلمس أغراضًا غير معقمة، أو حتى أن يمضي وقتًا أطول في أماكن عامة. ومع المعالجة الناجحة، يتعلم المريض إدارة هذه الأفكار والمشاعر السلبية.
قد تتضمن العلاجات الإضافية:
العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد الخضوع إلى العلاج السلوكي المعرفي في تحديد سبب الانزعاج من الجراثيم. وقد يتعلم المصاب عدة طرق لإعادة السيطرة على نفسه، عندما تصبح هذه الأفكار مهيمنة.
الأدوية: لا يمكن علاج رهاب القذارة بالأدوية، لكن مضادات الاكتئاب قد تساعد في تخفيف اضطرابات المزاج، وتساعد مضادات القلق على مواجهة الظروف المرهقة. أي إن الأدوية قد تخفف بعض الأعراض، مثل الخوف من الخروج مثلًا.
خفض التوتر: تهدئ اليوغا والتأمل وغيرها من تقنيات الاسترخاء الذهن مفرط النشاط. وقد يساعد ذلك في التفكير بإيجابية بدلًا من توقع الأسوأ دائمًا.
الوقاية
في حالة الإصابة بالقلق أو اضطراب OCD، من المهم أن يجد المريض طرقًا صحية لإدارة أفكاره وردود أفعاله تجاه الجراثيم. قد يخفف فعل ذلك من خطر تفاقم هذه الحالات إلى رهاب.
من الممكن أيضًا خفض خطر رهاب القذارة عبر الاعتناء الجيد بالصحة النفسية، ويكون هذا من خلال:
الحد من استهلاك الكحول أو استهلاك الأدوية.
تخفيف التوتر خلال النشاطات اليومية.
التوقف عن التدخين وغيره من أشكال استخدام التبغ.
قضاء الوقت مع الأحبة.
ممارسة هواية جديدة، وإلهاء الذهن عن الجراثيم وغيرها من الأمور المرهقة.
التوقعات
يمكن أن يساعد العلاج التعريضي -وغيره من العلاجات- على مجابهة الخوف من الجراثيم. وقد تجد أن السلوكيات التي ساعدتك على التحسن لم تعُد ضرورية، وهذا يسهل الحياة اليومية. قد يظل الشخص حساسًا للجراثيم أكثر من بقية الناس، لكن سيعرف كيف يواجه التعريضات دون أن يحل الخوف محل الأفكار العقلانية.
التعايش معه
ما هي المعلومات المهمة الأخرى التي يجب معرفتها عن رهاب القذارة؟
عندما تعيش مع رهاب القذارة، قد تجد نفسك عالقًا في أنماط سلوكية غير صحية، وقد تشعر بالعجز إزاء تغييرها. من الممكن التغلب على الخوف من الجراثيم، ومن المرجح أكثر أن تنجح عندما تخضع للعلاج.
أخيرًا، إن كنت تعاني خوفًا غير عادي من الجراثيم، فربما أنت مصاب برهاب القذارة. يجب ألا تعيش حياتك خائفًا من التعرض لها، فالجراثيم حاضرة دائمًا، لكنها لا تسبب الأمراض دائمًا. يمكن لمقدم الرعاية الصحية أن يساعدك على استكشاف مشاعرك وتعلم طرائق المواجهة الصحية.
وبالطبع، يمكن لهذه العملية أن تستغرق وقتًا، لكن من المهم معرفة أن الكثير من الناس يتغلبون على رهاب القذارة بنجاح.
————————-
* رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”