حيث يتقاطع البشر والحيوانات تظهر الأوبئة… فأين سيبدأ الوباء التالي؟
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
كانت الفيروسات التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر نقطة البداية للعديد من الأمراض وتفشيها مثل الإيبولا وزيكا.
ونظرًا للتشابه بين SARS-CoV-2 وفيروس كورونا الموجود في الخفافيش فمن المحتمل أن يكون حيوان الخفاش سببًا في COVID-19 أيضًا.
نعلم أن الفيروسات قد انتقلت من الحيوانات إلى البشر عبر التاريخ، وستستمر في ذلك، و كما أن العوامل التي تؤثر على الأصل الجغرافي لهذه الأحداث أقل وضوحًا على الرغم من كونها مهمة للغاية لما يمكنها من مساعدتنا في معرفة مكان حدوثها وفهم العوامل الكامنة وراء أنواع الفيروسات وعبورها على وجه الخصوص من خلال النظر في سمات الفيروسات المنتشرة في النظام البيئي حيث حدثت القفزة.
أن تحديد أصل الفيروس يكون صعبًا في بعض الأحيان كما إن حركة الإنسان ثابتة وواسعة النطاق مما يعني أن الحالة الأولى للمرض يمكن أن تكون على بعد مئات، إن لم يكن آلاف الأميال من حيث بدأ الانتقال إلى البشر. وبالنظر إلى هذه العوامل، يبقى السؤال المطروح هو أين يجب أن نبحث عن الفيروس الذي قد يتسبب في الوباء القادم؟
لماذا إفريقيا وآسيا؟
عمومًا تظهر الفيروسات حيث يتقاطع البشر والحيوانات التي تحمل الفيروسات مما يزيد التفاعل المتكرر بين الناس أو هذه الحيوانات أو الحشرات والبيئة الأوسع التي ينتشر فيها الفيروس من فرصة القفز عبر الأنواع ويُعتقد أن هذه القفزات نادرة وربما تحدث بسبب مجموعة معينة من الظروف التي لا يمكن بالضرورة توقعها.
يتعرض البشر للفيروسات طوال الوقت وتؤدي معظم حالات التعرض هذه لعدوى في طريق مسدود حيث لا يحدث قفزة أو ظهور فيروس جديد ومتطور ولا ينتقل الفيروس من حين لآخر، كما قد يكون الفيروس قادرًا على التكاثر والانتقال إلى مضيف جديد، أو ناقلًا للحشرات الاخرى وهكذا قد تنشئ الحشرة دورة انتقال جديدة وعملية.
يحدث هذا في جميع أنحاء العالم، بالرغم من أن الأمراض المتفشية الأخيرة التي تصدرت العناوين الرئيسية تعطي الانطباع بأن الفيروسات تظهر في بعض الأماكن أكثر من غيرها، على وجه الخصوص، فإن خطورة حالات تفشي المرض مثل سارس في آسيا وإيبولا في إفريقيا تجعلها تبدو وكأنها الأماكن الوحيدة التي تحدث فيها وهذا ليس هو الحال الفعلي.
على سبيل المثال، ظهر في أوروبا مؤخرًا فيروس (Schmallenberg) الذي يصيب الماشية بشكل أساسي ويسبب الإجهاض التلقائي للحيوانات المصابة به بينما لا نسمع الكثير عن الفيروسات الناشئة من أمريكا الجنوبية إلا أنها تحدث حيث تسبّب فيروس التهاب الدماغ الخيلي الفنزويلي وفيروس مايارو في تفشي المرض وبشكل متكرر في أمريكا الجنوبية والوسطى ولأن هذه الأمراض لم تنتشر خارج الأمريكتين لم تعد معروفة على نطاق واسع.
كما أن هناك عامل آخر منع فيروس مايارو Mayaro من اكتساب المزيد من الاهتمام وهو أن له أعراضًا مشابهة جدًا لمرض يسببه فيروس شيكونغونيا وغالبًا ما يشخص بشكل خاطئ على أنها حمى الضنك مما يعني عدم الإبلاغ عن العدد الحقيقي لحالات مايارو.
ويؤدي هذا إلى مشكلة أكبر وهي أن معظم الفيروسات تسبب في البداية أعراضًا متشابهة جدًا في المناطق التي تتوطن فيها حمى الضنك أو الملاريا فتُعزى معظم الأمراض الفيروسية إلى هذه العدوى مما يخفي ظهور فيروسات جديدة حتى تصبح شائعة وفي هذه المرحلة ربما تكون قد انتشرت من نقطة نشأتها.
وهنا لا بد من تشخيصات أكثر فعالية وأسرع للمساعدة في تحديد هذه الأنواع من الأمراض الجديدة قبل أن تتاح لها فرصة التحول إلى دورات انتقال جديدة كما لا يُظهر البشر القريبون من مكان يتوطن الفيروس دائمًا دليلًا على ظهوره أيضًا فمن خلال التعرض المنتظم للفيروس قد لا تظهر عليهم أي أعراض للعدوى، وقد يكون هناك حالات كافية ليتعرف عليها فقط بعد انتقال الفيروس إلى مجموعة غير معرضة فعالم اليوم شديد الترابط وقد تظهر العدوى في منتصف الطريق حول العالم.
نحن بحاجة للنظر في الكائن المضيف!
إذا لم يكن من المجدي حقًا تحديد المكان الذي سيبدأ فيه الوباء التالي بمجرد النظر إلى الخريطة، فماذا يجب أن نفعل؟
هناك طريقة أفضل تتمثل في محاولة فهم دورة الانتقال المتوطنة للفيروسات وفهمها، أي النظر إلى الحيوانات والبيئات التي تتكاثر فيها الفيروسات دون التسبب في مرض بشري ثم العمل بشكل عكسي، حيث يمكن أن تساعدنا معرفة الفيروسات الموجودة بالفعل في الحيوانات على تتبع أصول الأمراض البشرية عند حدوث الأمراض المتفشية الجديدة وهذه المعرفة ضرورية لفهم المخاطر المحتملة في مناطق مختلفة من العالم كما يمكن أن يساعدنا أيضًا في إلغاء انتقاء العوامل التي تزيد من احتمالية انتقال الفيروسات إلى البشر.
على سبيل المثال خلال SARS-CoV-2 كان هناك بحث سابق في دورات انتقال فيروسات الخفافيش التاجية في الصين هو الذي ساعد في تحديد هذه الحيوانات على أنها الأصل المحتمل لتفشي المرض، حيث اتاح لنا هذا التحقيق فيما يتعلق بالخفافيش مما يعني أنها غالبًا ما تشارك في الفيروسات التي تنتقل إلى البشر.
قد يكون تكيف فيروسات كورونا مع الخفافيش يزيد من احتمال قدرتها على القفز إلى أنواع أخرى من الثدييات بما في ذلك البشر. وبالمثل يمكن أن تكون فسيولوجيا الخفافيش تجعلها ناقلات فيروسات ممتازة ومع ذلك تشير أعمال حديثة أخرى إلى أن الفيروسات تظهر بشكل أكثر شيوعًا في الخفافيش لمجرد وجود عدد كبير من أنواع الخفافيش بدلًا من أن تكون الخفافيش نفسها مضيفًا استثنائيًا.
إن فهمنا لأنواع الفيروسات الموجودة في الخفافيش والأنواع الأخرى ما زال في بدايته فقط ففي الواقع وقفت الدراسة التي ساعدت في تتبع أصول فيروس SARS-CoV-2 إلى الخفافيش في الصين مؤخرًا، وإذا كنا جادين في محاولة التنبؤ بالفيروس الخطير القادم ومن أين قد يأتي فنحن نحتاج بدلًا من ذلك إلى توسيع هذا النوع من العمل وليس إنهاءه.