حرب غزة في ظل ثلاثة أسناد !
بقلم العميد مُنذِر الايوبي*
كان النَضيح بعيدآ عن موضوعية من باب أن لا مصلحة لوقف الحرب التي تشن عَلى قطاع غزة إستنادآ لثلاث تعرض فيما يلي تباعآ، وإذ بدا ان الاثنان الاولان يحملان مِن الجِدّةِ والصحة الكثير، إلا ان السند الاخير صخب تنكر إلتزام بالحق السياسي الوطني والانساني العميم كما بارادة الشعب الفلسطيني في ألثورة والتحرير :
١- بنيامين نتنياهو المتربع عَلى عرش حكومة العدو منذ 15 عامآ، ذاك الهارب الى الامام تفلتآ مِن حساب وتمسكآ بسلطة باتَت واهية لحكومة طوارئ مخردقة إثْرَ انسحاب الوزيرين غادي آيزنكوت ورئيس الاركان الاسبق لجيش العدو بيني غانتس، اللذان اكدا ان قرارات رئيس الحكومة باستمرار عملية (السيوف الحديدية) تصب في خدمة مصالحه السياسية رغم فشل متمادٍ في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب الموجزة بالقضاء على حركة حماس وإعادة الأسرى من القطاع.. إضافةً الى الخلاف المحتدم داخل الكابينت حول عدم وضع خطة قابلة للتطبيق تحدد آليات حكم القطاع ضمن استراتيجية التعامل مع اليوم التالي لإنتهاء العدوان.
فيما يتوقع اصدار المحكمة الجنائية الدولية قرارها بشأن مذكرتي التوقيف الصادرتين بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت خلال اسبوعين على الاكثر وفق ما اعلنت القناة 13 الاسرائيلية، ما يضع تزامنآ التفرغ لجبهة الشمال أمرآ اكثر احتمالآ، سيَما في ظل ارتفاع درجة التصعيد والمواجهة بالعمق الناري الى حد غير مسبوق مع حزب الله، إذ أوصت هيئة اركان الجيش الاسرائيلي بإنهاء العملية العسكرية في رفح جنوبي قطاع غزة خلال اسبوعين ايضآ وإطلاق عملية أخرى على حدود لبنان، فيما أُعلِن ان القيادة الشمالية تركز على أهداف من شأنها أن تقلل قدرات الحزب الهجومية، مشيرة إلى أن الاهتمام العسكري في هذه المرحلة ينصب عَلى محاولة تثبيت الحزام العازل بعمق 8 km هدف حماية المستوطنات وطمأنة سكانها..!
٢- لا يمكن لعاقل تَجاهُل ان حرب غزة عَلى نقطة التقاطع الاستراتيجي بين واشنطن وتل ابيب سواء في القضاء عَلى حركة حماس ام في حماية ودعم امن واستقرار الولاية الاميركية رقم 51، لكن الخلاف برز مؤخرآ حول التكتيكات (الاسلوب- الوسائل) المعتمدة تحقيقآ للاهداف المشتركة المطلوبة سواء المعلنة ام المضمرة. بما يسمح للمرشح بايدن عبور المرحلة الانتخابية بسلاسة وإن بفوز وضيع امام منافسه الشرس الجمهوري دونالد ترامب..!
تاليآ بعد دعم عسكري غير مسبوق مستمر منذ السابع من تشرين الماضي يصل الرئيس الاميركي جو بايدن منهكآ الى الانتخابات الرئاسية الاميركية كمرشح لولاية ثانية عن الحزب الديمقراطي، اذ هو بين شاقوفين يعاني فشلآ في لجم سياسة نتنياهو التلمودية المتطرفة التي أصبحت مِن نوازِل مستقبله الانتخابي ومصالح الولايات المتحدة، فيما يحاول عبثآ خفض الاثار السلبية لسياسته إثْرَ استفاقة الرأي العام العالمي المندد والمطالب وقف حرب الابادة بحق الشعب الفلسطيني، اذ تشير استطلاعات الرأي إلى تدني شعبيته وخسارته أصوات مؤيديه مِن الناخبين الأميركيين، خاصة الشباب الجامعي والطلبة المسلمين، في ظل اهتزاز علاقته مع نتنياهو حد عدم تجاوب الاخير مع مقترحاته رغم كثافة تردد مُستشاري البيت الابيض الى الكَيان المحتل، فوزير الخارجية انطوني بلينكن زارها تسع مرات خلال سبعة اشهر مِن عمر العدوان ناهيك بمستشار الامن القومي جيك سوليفان، مدير المخابرات المركزية الاميركية CIA وليام بيرنز ووزير الدفاع الجنرال لويد اوستين اضافة الى مستشار الامن القومي لشؤون الطاقة آموس هوكستاين..!
٣- بعد عملية بطولية شنتها حركة حماس يوم الطوفان اقدم العدو عَلى تنفيذ استراتيجية الارض المحروقة بشرآ وحجرآ، فيما اظهرت حركات المقاومة وتنظيماتها هوية مشتركة للمقاومة (حماس-الجهاد الاسلامي- سرايا القدس- القسام- الوية صلاح الدين..) وقدرة مواجهة فرق الجيش الاقوى عَلى مستوى الشرق الاوسط المدعوم مِن القوة العاتية دوليآ.. لكن ما كان صادمآ بِدءآ من رأس السلطة في رام الله الى مسؤولين عرب وخبثاء محللين او عملاء اعتبار قيادة حماس في غزة “يحيى السنوار ومحمد الضيف” مرادهما استمرار الحرب، استثمارآ لعامل الوقت ولو عَلى حساب40000 الف شهيد وثمانون الف جريح هدف انجاز تَسويَة ترغم العدو الانصياع لمطالبها (وقف دائم للعدوان، اطلاق سبيل الاسرى والمعتقلين فك الحصار واعادة الاعمار) ما يعني عودة القطاع الى وضعية ما قبل السابع مِن تشرين وبالتالي ان لا نصر محقق بَل عبثية حرب مدمرة..
واذ تدثر هؤلاء عارآ فاتهم بيت شعر “وفجرت فيها من دماء حماتها *** بحورا لها في تاج ملكهم نضح”.. فالثابت المؤكد سند صيرورة التاريخ وعدالة القضية ان الطريق طويل والتضحيات كبيرة، هذا ما يدركه اهل غزة وقيادة حماس الداخل في الملحمة البطولية القائمة، اذ لَيسَ ثمة ما هو اكثر جرأة مِن مواجهة الموت.. الاصرار واضح والهدف عظيم مهما غلت الاثمان؛ لهم في عزيمتهم وعنهم قول محمود درويش: «سأقْطعُ هذا الطَّريق الطويل، وهذا الطريقَ الطويلَ، إلى آخِرهْ. … تضِيقُ بِنَا الأرضُ أَو لا تضِيقُ. سنقطعُ هذا الطَّريقَ الطَويلْ»…!
من جهة اخرى، يبقى مدار جدل رغبة الرئيس الاميركي وقف حرب غزة وتبني مقترحه وليد الكابينت الاسرائيلي أصلآ، هدف خفض ضجيج الحرب وانعكاسها وعَلى وضعه الانتخابي المترنح، ذلك خلافآ لثوابت الدولة العميقة المتجذرة في الكونغرس، مجلس النواب، المؤسسات اليهودية المالية والعسكرية المعارضة وقف الحرب، فيما الاعتراضات والدعوات لوقف الدعم العسكري لَيسَ اكثر مِن ذر الرماد في العيون، تبادل ادوار في مرحلة حساسة سياسيآ وداخليآ عَلى صعيد القيادتين الاميركية-الاسرائيلية.. لَيسَ ادل عَلى ذلك سِوى دعوة قادة الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين نتنياهو لإلقاء خطاب امام المشرعين الاميركيين في 24 تموز القادم، وفق ما اعلنه زعيما الحزب الجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ مايك جونسون وميتش ماكونيل….!
توازيآ، لَن يثمر استدعاء الوية الاحتياط الستة لجيش العدو ومحاولة ترميم الوحدات المقاتلة (دوفدفان- ماجلان الكوماندوز-إيجوز- لواء ناحال الخ..) عديدآ وعتادآ نتائج فعلية في الميدان؛ فالاعلام العبري تحدث عن قدرات استثنائية لحزب الله، فرضت عَلى الجيش اعتماد عمليات نوعية مرتكزة على التفوق التكنولوجي صنف (غتيال القيادات- تَدمير مواقع ومخازن السلاح الخ..)؛ فيما ستثابر المقاومة على حرب الاسناد والردع غير آبهة بتهديدات الحرب المفتوحة مع ليونة في تغيير تكتيكات المعركة وِفقآ للظروف والمستجدات..! حتى الآن يسجل نجاح حزب الله في الحفاظ على قدراته الهجومية وكفاءتها وتوجيه ضربات استراتيجية، مع تقييد العدو عن استخدام حر لقواته برا وجوا اضافة الى لاحتفاظ بعنصري المباغتة والمفاجأة. يَبدَّ ان الوحدات المقاتلة في جيش العدو سئمت قتالآ مرهقآ لا جدوى منه سواء في غزة ام جبهة الشمال والجليل الاعلى، خاصة بعد تلمسها انعدام الافق الزمني لانتهاء الحرب كما النصر الميداني المتعذر تحقيقه..!
اخيرآ؛ بين انطوني بلينكن وآموس هوكستاين سعي متوازٍ في تطابق المسلك والاهداف، اذ ان الاول يجهد لتحقيق الاتفاق الإطاري لوقف العمليات العسكرية في غزة عَلى ثلاث مراحل مع عدم اجتياح مدينة رفح حيث اللجوء الفلسطيني الاكبر، فيما يحاول الثاني تهدأة الجبهة الجنوبية منع حرب مفتوحة قد يقدم عليها نتنياهو على حين غرة غفولآ عن سكون عقل وقلة فطانة..! عن غزة ونزار قباني، كتب: يا تلاميذ غزة علّمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا، علّمونا أن نكون رجالا فلدينا الرجال صاروا عجينا..!
*عميد متقاعد، مُفكر وكاتب