جان إيف لودريان؛ لا مكان لك بينهم …!
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*
مساء اليوم الاربعاء ستحط طائرة وزير الخارجية الفرنسية “جان إيف لودريان” على ارض المدرج الثالث 17/35 في مطار رفيق الحريري “بيروت”؛ حيث سيتوجه مباشرة الى مقر السفارة الفرنسية “قصر الصنوبر” تمهيدا لمباشرة لقاءاته صباح الغد مع المسؤولين اللبنانيين. ((هذا هو خبر الساعة منذ اواخر الاسبوع المنصرم)).!
كل الاحترام للوزير الفرنسي، لكن من الواجب القول على تقمص النصيحة عن PCR سياسي، ليس من الاهمية بالمطلق من سيلتقي ومن لن يلتقي او يقاطع من مسؤولين عاجزين او شخصيات عاقرة غير عابرة في سماء الوطن، ذلك ليس من باب الانتقاص من حضوره، ولا من منظور السلبية السياسية او المعارضة العمياء، بل لان لغة المنطق والوقائع تثبت ان العبث المستشري ممارسة عن قناعة لا عن شرود غير مقصود او عن خطأ مرتكب، بل لان اركان السلطة و النظام اضافة الى قسم كبير من المنظومة الحزبية المغلفة لبوس الطائفية والاقطاعية، المتحالفة تاليآ مع الطغمة المالية والاوليغارشية ال 1%، لا تزال تطبق نفس نهج القبض على عنق الوطن، غير مقتنعة ان ساعتها ستدنو عاجلآ ام آجلآ، متناسية الواجب الوطني او الاخلاقي على الاقل في الحفاظ على الدولة باداراتها النزيهة ومواردها، والناس في هناء عيشهم، و المجتمع في نسيجه المميز، وهي تؤكد فشلها العمد المؤكد.
إستطرادآ منذ بدايات الحراك الفرنسي الذي يعود الى ما بعد ٢٤ ساعة من الانفجار الهائل والغير مسبوق لخزين مادة الامونيوم داخل العنبر الشهير رقم ١٢ في مرفأ بيروت، وسقوط العدد المؤلم من الضحايا البريئة والدمار الرهيب الذي اصاب العاصمة، الامر الذي حفز الرئيس ايمانويل ماكرون للقيام بزيارته الاولى الى بيروت في اطارها الاساسي عاطفي وجداني، انساني تضامني؛ طرح يومها ومن خلالها (الزيارة) رغبة جدية وضرورية لتشكيل حكومة مهمة انقاذ البلد، مع الاستعداد لتقديم يد العون والمساعدة، لكن التعنت المصلحي بقي الممارس دون اي اعتبار لمصالح الناس او عبرة فيما اصابهم من كارثة.!
بعد اسابيع كرر الرئيس ماكرون زيارته الثانية البراغماتية، على خلفية تلكوء ومراوغة الاطراف السياسية في السير بما عرف ب “المبادرة الفرنسية” الانقاذية. محذرآ من السقوط المريع معلنآ ان التأديب او على الاقل التأنيب بند مدرج على اجندة الاليزيه يمكن اعتماده. لكن عبثآ استمر التمادي في التمرد على الواقع المأساوي. ومذاك صارت القضية ك قصة “إبريق الزيت”؛ إذ اصبح المناخ السياسي على حبل مشدود بين طرفي التكليف والتأليف على مرجعية محورين في هدر لرصيد خلاص الوطن ومأساة اهله ومعاناتهم على اعتبار ان لا قيمة للوقت
او لوقف النزف، إذ “كلما داويت جرحآ سال جرح”.
من جهة اخرى، ضمن الحرص الفرنسي على الوطن الرسالة واهله وضرورة انقاذه، دون إنكار المصلحة الجيوسياسية الفرنسية وهي في خانة « الحلال»، لإنتفاء قرار الهيمنة الضمنية او مصادرة القرار السيادي الوطني. توالت زيارات المسؤولين الفرنسيين لحث الجميع موالين ومعارضين، سياديين او ممانعين، حياديين ام نائين بألأنفس على تجاوز الخلافات حول الحصص او الحقوق، والتخلي عن النكايات الشخصية او الالتزامات لاطراف خارجية، ثم تطور الحث الى رفع البطاقة الحمراء في تلويح نادر بالعقوبات “فرنسية-اوروبية” اذ قارب البلد لحظة الاصطدام المدمر بعد السقوط، لكن “على من تقرأ مزاميرك”..
على صعيد آخر؛ لا يمكن تجاهل ان زيارة الوزير (لودريان) من ضمن اهدافها تخصيب الحضور السياسي الفرنسي الذي بدأ بالانكماش على المسرح اللبناني تدريجآ بعد كل السعي، ليس برغبة او ارادة من اصحابه فحسب، بل بسبب التهافت الاقليمي والدولي على اعتلاء الخشبة في عزف منفرد لكل طرف او دولة، على خلفيتين الاولى تتعلق بالموقع الاستراتيجي للبنان وما يختزن بحره من مصادر الطاقة (نفط وغاز) قابلة للاستثمار لعقود مقبلة؛ والثانية بسبب القوة الاستراتيجية المواجهة للعدو الاسرائيلي وما تختزن من (صواريخ دقيقة) اثبتت قدرتها على فرض الردع المتوازن.
توازيآ؛ ومع سبق تحذير اطلقناه في مقالات سابقة من غرق المبادرة الفرنسية في مستنقع العبث السياسي اللبناني الصفة لا الانتماء، الا ان الرهان بقي واردآ في سلخ جلد التماسيح وبيعه بطريقة الوزن لا النوع اذا انتصب الميزان في القضاء المحلي او الدولي لتلافي سير الناس حفاة عراة.
لكن علامة الاستفهام الثابتة كانت: كيف للمبادرة الفرنسية ان تغرق في ألأسن ولماذا.؟ لطالما كانت الثقة الزائدة بالنفس تورط احيانآ او تكون من اسباب الفشل. فكيف بالتعامل مع طراز سياسي لبناني..! “دهاةٌ طهاة للسم دون عيار الكمية لضمان نجاعة الترياق اما المعيار فبحجم مصالحهم. وإذ يعتقد الجَمع والمجتمع الدولي انه قادر على لجمهم و تدجينهم او معاقبتهم فلجهالةٍ كبرى.! هم وإن لانت ملامسهم قادرون، لا بل اتقنوا ملاعبة الفيلة.! كيف لا .؟ وقد تجذروا في المناصب، وغرفوا من المكاسب، عاصروا عقودآ في التعامل مع قادة دول وسياسة اهل كياسة ممن توالوا ورحلوا إلا هم بقوا ..!
في الداخل، يشاغبون بالقنابل الدخانية على تنوعها: القوانين والمراسيم واللجان النيابية، المال المنهوب واستعادته، البطاقة التموينية ورفع الدعم، الكابتاغون والبحث عن جهاز السكانر مع استطلاع الجرود، الكهرباء، التلوث، الالتزامات الخ.. كلما فتح ملف طوى آخر على زغل معتاد..!
في الخارج الاقليمي والدولي، يشاغلون الكل من خلف الستار يرمون السهام تارة ثم يطلبون الضمادات وهم الرماة تارة اخرى. يستغلون على دأب غير ممل الظروف والاحداث ان عجزوا عن صنعها ينجحون في صبغها بالوانهم والرمادي الاساس..!
أنى تلفت تجدهم؛ في فيينا المحادثات حول الاتفاق النووي قاربت النجاح والانعكاسات في لبنان من بعض دنان القطاف، العقوبات الاميركية اصابة نجلاء في صدر فريق وبلسم لآخر، قانون قيصر الاميركي على سوريا سقط بالدوران حول مقصده واحرقت بنوده بالتهريب المباح، الحضور الروسي الغير مستجد يغوونه عند الاقتضاء لمواجهة حضور دولي آخر “خشية املاق” في العقوبات، ثم يبيعون جلد الدب في مصفاة “ألآي بي سي” طرابلس او أنى توفر. يناوشون الفرنسي بحليفه الالماني موزعين هراء حصص في اتصالات او كهرباء، يناغشون دعوة الصين الى مائدة المرفأ لاغاظة الاميركي ثم يستجدون ولاء لدعم الجيش الوطني بحجة فتنة سراب. يداعبون السوري حدودآ. يتنافسون على خطب ود السعودي باللغة الفارسية أحيانآ و بالتركية أحيانآ أُخَر. يزايدون في سقوط مأرب وحصد نتائج اللا انتصار لأيٍ في اليمن.الخ…! وهكذا تدور الرحى.!
خِتامَآ؛ لا حل الا بالرحيل، واذا كان رحيلهم او ترحيلهم مُحال متعذر الخلاص، ف للوزير الفرنسي الصديق الرحيل ان حضر.! صدقآ ستعود الى باريس بخفي حنين.! لن تجد حمائم مذعورة في اعشاشها، بل ثعالب تمارس قباحة مُكرٍ مذمومٍ من اوكارها. اما المُكرُ المحمود فامل الناس بالله إيمانآ، يأسَ توبة نصوحة، لا يأسآ من فرنسا. قال سبحانه: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾.سورة ألأنفال(٣٠).