الهند – باكستان والهاوية النووية…
بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
مَن أشعَلَ شَرارَة ألمواجَهة و حَرَكَ ألنار الهامِدَة تَحتَ ألرَماد ..؟؟ و إلى أين سَتَقود ..؟؟
بَدَأ التوتر بِألتصاعد بين الجانبين مُنتَصف الشهر الجاري عندما تسبب هجوم إستَهدَفَ قافلة لِلجيش بآلية مُفخخة يقودها إنتحاري إلى مقتل 46 جنديآ على الأقل في أعنف هجوم على القوات الهندية مُنذ عام 1989 و ذلك في ألشطر ألهندي من إقليم كَشمير ألمُتَنازَع عَلَيه و الذي تقطنه أغلبية مُسلِمَة ..
لم تَكد تمضي بضع ساعات ، حتى أعلنت جماعة “جيش محمد” ألتي يتزعمها ألمُتشدد “مسعود أزهَر” و ألمُتَخذة من ألأراضي ألباكستانية مَلاذآ لها مسؤوليتها عن الهجوم ،، علمآ أن هذه ألجماعة أعتَمَدت لاحِقآ عدة أسماءً أُخَر : “فرقة أفضل غورو- ألمرابطون- طريق ألفرقان”،، و ذلك عَقَب إدراجِها على ألقائمة ألسوداء كَمُنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة، الولايات المتحدة ألأميركية، بريطانيا و ألهند …
و إذ تعتبر “إسلام آباد” جَماعة “جيش محمد” مُنظمة إرهابية مَحظورة إلا أن ذلك لم يمنع “نيودلهي” مِن تَوجيه أصابع ألإتهام إليها مُطالبةً باكستان عبر وزارة الخارجية الهندية بـ “وقف دعم الجماعات الإرهابية التي تنشط على أراضيها و تفكيك البنية الأساسية التي يستخدمها الإرهابيون لشن هجمات على دول أخرى”…
في سياقٍ مُتَصِل،، أتَت ألعَمَلية ألدَمَويَة لِلِأرهابيين في مرحلة حساسة حيث يتحضر رئيس ألوزراء ألهندي “ناريندرا مودي” Narendra Modi لخوض غِمار ألإنتخابات ألعامة أوائل شهر أيار ألقادم ، ألأمر ألذي إعتبره بعض ألمراقبين حافزآ لإصداره أوامر حاسمة إلى رئيس أركان ألجيش “براناب موخرجي” Pranab Mukherjee بِألرَد ألمُناسِب ،، وَ بِألفعل نَفذ سرب من طائرات Mirage 2000 ضربات جوية بِقنابل موَجَهة إستهدفت قاعدة “بالاكوت” Balacot داخل أقليم كَشمير – ألشطر ألباكستاني ليل أول من أمس مما أدى إلى مقتل حوالي 300 من ألمسلحين و تدمير ألمُنشَأة بِألكامِل ..!
كما ضاعف من ضرورات ألرَد ألإنتقامي و ألإستِباقي ما توفر من معلومات لدى مدير مكتب ألمخابرات ألهندية IIB ألجنرال “راجيف جاين” Rajiv Jain عن وجود خطر وشيك و نوايا بمهاجمة ألمسلحين أهدافآ أخرى في ألعُمق ألهندي … تَبِعَ ذلك إعلان ألأجهزة الأمنية مقتل ثلاثة مسلحين متشددين خلال ملاحقتهم بينهم مُدبري ألتفجيرألإنتحاري
و قد لقي خمسة جنود هنود حتفهم أيضا خلال ألمداهمات …
و تفاقم ألوضع لاحقآ إلى مستوى غير مَسبوق من ألتوتر بعد إسقاط ألطيران الباكستاني طائرتين حربيتين هنديتين وَ أسر أحد طياريهما خلال عملية إعتراضية في أجواء إقليم “كشمير”،، كما أُعلِن في نفس ألوقت خبر غير مؤكد عَن إصابَة طائرة حربية باكستانية و سقوطها …
ماذا بَعد ؟؟ – يُعتبر إقليم “كشمير” أحد مناطق ألتوتر ألساخِنَة ألمُزمِنة في ألعالم ، إذ أن إنزِلاق ألجيشين ألهندي و ألباكستاني ألمتواجهين على خط ألهدنة نحو ألحَرب ألمحدودة وارِدٌ في أية لحظة ، وَ من ألخطورة بِمكان ترك ألأمور تتفاقم
و تَبلُغ هذه ألدرجة من ألتصعيد ،، فكلتا ألدولتان مُدَجَجَتان بألروؤس ألنووية و خطر إنفلاتها من صوامعها ليس بِمُستحيل ، و بألتالي فَإن أقل خطأ أو سوء تقدير من قِبَل أيٍ مِنهُما سيؤدي إلى حربٍ شاملَة غير مَحسوبَة ألعواقِب و ألنتائج ..
إستتباعآ ، لَم يكن إعلان ألحُكومة ألباكستانية نيتها إعادة ألطيار ألهندي ألأسير إلى بلاده صباح غَد ألجمعة “أليَوم” إلا إثباتَآ على أن أبواب ألحوار ألخلفية ما زالت مفتوحة و إن موارَبَةً بتشجيع و إهتمام من واشنطن و موسكو و بكين و غيرهم ،، مما يَعْنِي بِدأ ألإبتعاد عن ألهاويَة ألنَووية بِهُدوءٍ حَذِر ..
بألعودة إلى خلفيات ألنزاع وَ بِإيجاز ، تَعتبر باكستان إقليم “كشمير” مسألة أمن قومي ذو قيمة وطنية إستراتيجية فألإقليم مَصدر ثروتها ألمائية و بألتالي مِنطقة ألينابيع و ألسدود ألكهرومائية كما أن طبيعته ألجغرافية أحد مقومات ألدفاع ألعسكري ألحُدودي عن ألدولة بِألإضافة إلى أن فقدان ألإقليم يهدد أمن و سلامة “طريق ألحرير” ألإقتصادي وَ ألإستراتيجي مع ألصين ، بألتالي ألقضية حيوية و ألنزاع يَمُس عُمق ألكيان ألباكستاني و وجوده ..
أما خلفيات ألهجوم ألإنتحاري و ألجِهَة ألمُحَرِضَة ؟؟
فأللعبة ألإستخباراتية واضحة ألمعالِم طالما ألتنظيم ألمُهاجِم معروف و قواعده مُحدَدَة ، فَٰ ألمُتَضررين من “إسلام آباد” كُثُر نَظَرَآ لِموقعها ألجيو إستراتيجي و نهجها ألسياسي ، بِدءآ من علاقاتها مع أفغانستان و جماعة طالبان إلى ألعلاقة ألوطيدة مع إيران و مؤخرآ ألسعودية ، حيث جاءت لافِتَةً شَكلَآ وَ مَضمونَآ زيارة ولي ألعهد ألسعودي ألأمير محمد بن سلمان لها خلال جولته ألآسيوية ألتي تُوِجَت بِألتوقيع على مشاريع إستثمارية بقيمة 20 مليار دولار تقريبآ لِتُعَزِز ألخشيَة وَ ترفع دَرَجَة ألحَذَر مِنْهَا ،، و بألرغم من عدم مشاركة ألجيش ألباكستاني و لو رمزيآ في ألتحالف ألعسكري مع ألسعودية في حرب أليمن إلا أن ذَلِكَ لا يَحول دون تعاونٍ تكنولوجي نووي رُبَما تَسعى إليه “ألرياض” بِما يُلَبي طُموحات وَلي ألعهد ألسعودي و نظرته لمستقبل ألمَملَكَة ..!!
أخيرآ ،، لا مَفَر أمام ألجارين أللدودين من ألتهدئة و ألعودة للحوار ،، فَمصلحة كلاهما ألإبتعاد عن شَفَّا ألهاوية مما يفرض على ألحُكومة ألباكستانية ألعمل وقائيآ بجدية لِمكافحة و ضرب ألجماعات ألأرهابية ألمتطرفة لِدَرء خَطرها ، بِألمُقابِل على ألحُكومة ألهندية ألتصرف بمسؤولية و عدم ألسماح لأي فصيلٍ أو جماعة تحت أي ظَرفٍ إستدراجها إلى حرب مُدَمِرَة لا محدودة و هِيَ خاسرة سَلَفَآ لِكِلا ألبَلَدين ..!
*عَميد،كاتِب وَ بَاحِث في ألشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.