المجتمع الدولي يفاوض وحوشاً جوَّعوا اللبنانيين واتخذوهم رهائن
بقلم : عباس صالح
رغم كل ما جرى في لبنان، حتى الآن، فإن الأزمة ما تزال في أولها، وما يزال المصير الأكثر سوءاً بل المشهد الاكثر سواداً متربصاً باللبنانيين، وبمستقبل أولادهم، وللأسف، فإن كل الحراك الدولي الذي يجري ما يزال يصطدم بلاءات لبنانية تتمحور بمجملها حول رفض الزعماء اللبنانيين القاطع لأي فكرة تتعلق بوقف السرقات المعلنة والمخفية.
وعلى طريقة الجدل الازلي حول فكرة “البيضة أولا او الدجاجة” بات من الواضح جلياً أمام اللبنانيين والعالم بأجمعه أن كلالمبادرات الدولية، ولا سيما المبادرات الفرنسية والأميركية والغربية عموماً وحتى المبادرات العربية تجاه لبنان تقوم على ضرورةالاصلاح السياسي والاداري ، ووقف السرقات “التي يسمونها تحبباً بالفساد“، على ان تكون كخطوة أولى وضرورية ولا بد منها للإنطلاق في مشروع ترميم الهيكل اللبناني المتداعي والشروع في بناء دولة بعيدة من مفهوم “مزرعة التحاصص” القائمة حالياً، في حين ان كل تلك المبادرات المنطقية والضرورية لأي مسار حل ، تصطدم برفض أهل الحل والربط في لبنان، رفضاً قاطعاً للبحث في هذا النوع من الافكار، والمضي في رهاناتهم المعلنة على المزيد من اغراق اللبنانيين اكثر فأكثر، وانتهاج خيارات تقوم على ابتزاز المجتمع الدولي من خلال استغلال جوع اللبنانيين وفاقتهم وفقرهم وعذاباتهم، والاستثمار في نكباتهم بل العمل على توسيعها للحصول مجدداً على المساعدات والقروض والاموال والصفقات، بهدف تحاصصها وتوزيعها فيما بينهم من جديد، برعاية حاكم البنك المركزي، الذي اصبح متهماً لدى القضاء الدولي وفي معظم التقاريرالغربية، بأنه شخص يجيد توزيع الرشى بالقسطاس، ولديه الميزان الدقيق لحصص القادة الاقطاب، من كل “نصبة” جديدة، وبأنه يعرف كيف يوزع جوائز الترضية على المحظيين، كما يجيد شراء الذمم، وهو يعلم كيف يستأجر ضمائر بعضالاعلاميين والصحافيين والابواق الرخيصة.
الأهم من ذلك، هو أن الأزمة اللبنانية اليوم والتي بلغت قاعاً سفلياً لم تبلغه في أي يوم من الايام، ما زالت تدور في الحلقة المفرغة، بعد ان اكتشف الغرب، ومعه العالم كله، الحجم المهول لسرقات الزعماء اللبنانيين، كما تم التأكد من أن كل قرش من المساعدات التي تقدم للبنان الدولة والشعب انما يتم تقاسمها فوراً بين القادة اللبنانيين وبعض المحظيين من حولهم.
ومن هنا كان القرار الأممي بأن لا ثقة بعد الآن بهذه الطبقة السياسية الفاسدة السارقة والمجرمة، والتي بدا واضحاً انها لا تتورع عن إغراق الوطن في جحيم النكبات وتنكل بالمواطنين من اجل مصالحها الخاصة والضيقة والنفعية، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن العقبة الكأداء الرئيسية للتغيير، تكمن في أن هؤلاء القادة منتخبين من قبل غالبية الشعب اللبناني الساحقة لاعتبارات عديدة، ابرزها مرض الطائفية العضال والمستحكم بكل طبقات الشعب اللبناني وفئاته وشرائحه المختلفة.
وعلى ذلك جاء القرار الغربي المعني بلبنان، ومعه القرار العربي استتباعاً وامتثالاً، بأن انتشال لبنان من أزمته وإعادة قيامته مجدداً تفترض خطوات شفافة وعلنية وملموسة تبدأ بوقف السرقات والتحاصص، مع علمهم المسبق – ربما – بأن من شأن تبعات مثل هذا القرار ان تؤدي الى انحسار ادوار معظم القيادات اللبنانية الحالية، وتغييب بعضها، وهذا هو عنوان معركة الرفض التي ما تزال الطبقة الحاكمة تخوضها بشراسة، وتنظر لها على انها المصيبة التي تجمع الكل، وبالفعل يتضافرالجميع على رفضها، مع المحافظة على الاختلافات البينية الداخلية، وكل من موقعه المختلف مع الآخر على كل شيء، انما المتفاهم معه ضمنياً على رفض آليات وقف السرقات، او كما يسمونها تلطيفاً الحرب على الفساد او الخطوات الاصلاحية.
ولأن الواضح حتى الآن ان الزعماء اللبنانيين ما زالوا يتعاطون بذهنية الهروب إلى الامام من خلال اغراق الشعب والدولة بالمزيد من الازمات الاضافية، والاستثمار في توسيع المآسي، لا سيما بعد ان اطمأنت تلك الطبقة السياسية الى انها قادرة على التحكم بانفعالات اللبنانيين، ومسيطرة على ردود فعلهم وتدجين ثوراتهم المفترضة، وركوب قيادة التمرد بسهولة فيما لو وقع، على غرار ما حصل في 17 تشرين اول عام 2019. ومن دون ان تأبه حتى لموتهم الجماعي جوعاً او قهراً، وبذلك فإن الامور ما زالت، وستبقى، تدور في الحلقة المفرغة : القوى الغربية المعنية بمساعدة لبنان وإخراجه من أزماته تصر على خطوات إصلاحية، اولها وقف الفساد، وهي ليست، ولن تكون يوماً، بوارد التراجع عن طلبها الاول والاساس لأي مساعدة للبنان، لكي تضمن ان هذه المساعدة ستصل الى فئات الشعب الجائع ولن يكون مصيرها حسابات وودائع الزعماء والسياسيين في بنوك الخارج. فيما تصر القوى اللبنانية على تجاهل هذا المطلب والقفز فوقه، وكأن شيئاً لم يكن، وتتخذ من نكبات اللبنانيين ورقة استرهان تستخدمها للضغط في عمليات التفاوض والابتزاز.
هذا ما ينبيء بأن أمد تخبط اللبنانيين في الأزمات طويل، ليس فقط لأن الحس الانساني والوطني مفقود لدى حكام لبنان، بللأن لديهم شعوراً قوياً معززاً بمعطيات توحي لهم بأن قبولهم بشروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان سيقفل عليهم أبواب “الاسترزاق” ويؤدي الى انحسارهم سياسياً لا سيما في مواسم شراء الاصوات الانتخابية.
—————————–
رئيس تحرير “الدنيا نيوز“.