اللؤلؤة .. رواية صياد تحدى “البنية الكاملة” للحياة…
“الدنيا نيوز” – دانيا يوسف
اضطهدته الولايات المتحدة في حياته وأحرقت كتبه في خمسينيات القرن الماضي، وحين تحدث عن العاطلين من العمل في ولاية كاليفورنيا في أربعينيات القرن الماضي قال:” بشرٌ ويتمنون أن يعاملوا على غرار الفحم الحجري”.
انه جون شتاينبك John Steinbeck من مواليد كاليفورنيا عام 1902 (ألف وتسعمئة واثنين). عمل في شبابه في مهن متنوعة: فكان عامل مزرعة، ونجارا، وميكانيكي سيارات. وثقف نفسه بنفسه، قبل أن يبدأ عمله في الصحافة في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي تلك الفترة بدأ بكتابة الرواية، فاشتهر بعد فوز روايته “عناقيد الغضب” بجائزة بوليتزر الأدبية عام ألف وتسعمئة وأربعين. وبرغم شهرته ومكانته الأدبية، فقد تعرّض للاضطهاد والملاحقة خلال الحقبة المكّارثية بتهمة التعاطف أو الترويج للأفكار الشيوعية المناهضة لقيم الرأسمال الأمريكي، فأحرقت مؤلفاته، وأوقفت دور النشر التعامل معه، قبل أن يُعاد إليه اعتباره بعد سنوات. وفي عام ألف وتسعمئة واثنين وستين فاز بجائزة نوبل للآداب. توفي جون شتاينبك في نيويورك عام ألف وتسعمئة وثمانية وستين، وخلف عشرات الروايات، ومن أشهرها: “يوم فقدنا الرضا” “كوب فئران ورجال” ،”شرقي عدن”،”شتاء السخط” و”اللؤلؤة”، التي تحكي أحداثها قصة أسرة صغيرة فقيرة تسكن كوخاً متواضعاً من الأغصان في قرية ساحلية. رب الأسرة هو “كينو”، وزوجته “جوانا” وطفلهما الرضيع “كويوتيتو” .
وكانت الثروة الوحيدة لأسرة كينو زورقا قديما يعمل عليه في صيد اللؤلؤ البحري الذي يقوم ببيعه في المدينة، حيث كان التجّار يبخسون من أثمان اللآلئ، إذ كانو يتاجرون تحت إمرة تاجر واحد يحتكر هذه التجارة. كما تعرض الرواية لشخصية الطبيب الجشع الدنيء الذي يمتنع عن علاج الرضيع كويوتيتو بعدما لدغته العقرب، وذلك لفقر والده.
ولكن مسار الأحداث يتغيّر فجأة بعدما ينجح “كينو” في استخراج “لؤلؤة كبيرة” غالية الثمن، فتنقلب حياة تلك الأسرة رأساً على عقب، فبعد أن يشيع خبر هذه اللؤلؤة، ويسارع الطبيب لزيارة بيت “كينو” من تلقاء نفسه، ويقدّم العلاج للرضيع مجاناً. ليظهر لنا كأن الطبيب قام بزيارته لاستكشاف الكوخ، قبل أن يحاول سرقة اللؤلؤة ليلاً، فيهب كينو لحمايتها وينجم عن ذلك اصابته بلطمة في رأسه. هنا، ترى الزوجة أن هذه اللؤلؤة هي شرّ وينبغي التخلّص منها. يرفض “كينو” الفكرة ويُصِرُّ على أنها فرصته الوحيدة وأنها سر سعادته القادمة. ولهذا فإن الأحلام الوردية التي تَعِدُ بها اللؤلؤة يجب أن تتحقق وأهمها تعليم ابنهما وشراء الألبسة الجديدة وامتلاك بندقية. وينطلق كينو ليبيع لؤلؤته في إحدى المدن القريبة، فيصطدم هناك بتجار اللآلئ الذين يتآمرون لتبخيس أية لؤلؤة تأتيهم. يعود “كينو” إلى بيته وفي نفسه قرارٌ ببيع اللؤلؤة في العاصمة، متحدّياً خدعة تجار اللآلئ في المدينة. فنجد أخاه يقول له محذراً:”أنت لم تتحدّ مشتري اللآلئ، بل تحدَّيْتَ البنية الكاملة، أسلوب الحياة بأكمله، وأنا خائِفٌ عليك”. وتتكرر محاولة السطو على اللؤلؤة، فينال كينو هذه المرة جرحاً بليغا. وتؤكّد الزوجة أن اللؤلؤة هي شر ويجب التخلّص منها بتحطيمها. لكن يأبي الاستماع إليها. وفي الليلة ذاتها يقتل رجلاً حاول سرقة اللؤلؤة، فيقرر كينو الهرب بعائلته من البلدة، ليجد أن هناك من دمّر قاربه وأحرقه. هنا، يتحوّل نزوح العائلة من بلدتها، إلى عملية مطاردة لها من قبل الطامعين بالحصول على لؤلؤته. وفي النهاية ينجح كينو بالقضاء على مطارديه، ولكن ولده الوحيد يقتل خلال ذلك خطأً.
وبعد لحظات تأمّل في تلك اللؤلؤة وفيما جرّته عليه، قرر كينو أن يعطي اللؤلؤة زوجته لترميها إلى البحر. ولكن الزوجة تصر على أن يقوم بهذا الأمر بنفسه، وهذا ما يحصل لتعود اللؤلؤة إلى ظلمة البحر.
القيم التي عالجتها الرواية:
كأغلب أعماله الأخرى، عالج جون شتاينبك في رواية اللؤلؤة العديد من القيم والقضايا، كثنائيات الطمع والقناعة، الخير والشر، المواجهة والهروب، ثم الإرادة والقدر. كما جعل شتاينبك من اللؤلؤة نموذجاً للثروات التي تحدث تأثيراً سلبياً في حياة الناس والمجتمع، ففي حديثه عن أثر اللؤلؤة يقول شتاينبك: “كان التأثير الذي أحدثته هذه اللؤلؤة مثل تأثير السرطان في جسد المريض. فهي خلقت “نوعا من الشر الأسود الخالص الذي حفز غدد السم في البلدة لكي تبدأ بتصنيع السموم، بحيث تضخمت البلدة الصغيرة وانتفخت، مثل جسد المريض، تحت تأثير هذه السموم”.