السودان في عين العاصفة..!

 

بقلم العميد منذر الايوبي*

بات من المؤكد بعد اسابيع من المعارك المحتدمة بين الفريقين المتحاربين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ان العودة الى المسار السياسي الحواري بات امرآ متعذرآ، كما ان الهدن السبع المتتالية حتى الآن والتي سبق ودعت اليها الامم المتحدة اضافة الى العديد من الدول غربآ وشرقا لا تكاد الواحدة تتجاوز 72 ساعة حنى تسقط..! اذ ان اكثر ما حققته هو افساح المجال امام نزوح هائل للاهالي لا سيما من العاصمة الخرطوم…!

من جهة اخرى: اتى اجلاء أطقم السفارات المعتمدة لا سيما الاميركية والغربية ليؤكد ان الازمة السودانية اصبحت حقيقة ثابتة. اذ ان الصراع بين الجنرالين قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” كما من يواليهما عسكريآ وسياسيآ طويل الامد، لن تخمد اواره قبل تدخل اقليمي بوكالة دولية يفرض حلولآ ولو مرحلية..! في السياق لا يمكن تجاهل انعكاسات ما يحصل على الاستقرار الاستراتيجي وامن المنطقة الافريقية، مادفع اطرافآ عدة للانغماس واخذ دورها سواء في اذكاء جذوة القتال او السعي لتهدأته وفقآ لمصالح كل فريق بصورة مباشرة ام غير مباشرة..!

في الاسباب، تصاعد التوتر مؤخرآ على خلفية المماطلة في تنفيذ الجدول الزمني للانتقال إلى الحكم المدني بموجب الاتفاق الاطاري الذي تم التوقيع عليه أواخر العام الماضي، كذلك الخلاف حول من يقود المؤسسة العسكرية ان تم دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني. كما يعتبر حميدتي ان الجيش فشل في تصحيح المسار وان السودان يسير نحو الأسوأ بعد انقلاب 13 نيسان 2019 الذي اطاح بالرئيس السابق عمر البشير..!

تاريخيآ؛ لم تتح امام السودان البلد ذو الامكانات الضخمة زراعيا واقتصاديا كما الثروات الباطنية فرصة الانماء والسلام، اذ لا يكاد ينهض من حرب حتى ينزلق الى اخرى، في حين لم تنته الحرب الاهلية المعروفة باسم أنانيا (سم الافعى) بين الجزء الشمالي والجنوبي التي دامت 17 عاما الا بعد تقسيم البلد والتوقيع على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) التي منحت الجزء الجنوبي عام 2011 الاستقلال التام، في حين يرى مراقبون ان حركة حميدتي العسكرية تهدف الى انفصال اقليم دارفور ..!

في نظرية المؤامرة بديهي وجود طرفين المتآمر والمتآمر عليه، اما العالم السياسي Michael Barkin فاعتمد ثلاث مباديء “لاشيء يحدث بالصدفة، لا شيء يبدو على ما هو عليه، كل شيء مرتبط ببعضه”، من هذه المنطلقات يتعرض السودان لمكيدة رسم خطوطها وحبك خيوطها جهاز الاستخبارات الاسرائيلي. كما نجح (الموساد) في مد اذرعه وغرس خلاياه في القارة الافريقية، موليا اهمية لاستكمال تقسيم هذا البلد، عبر اثارة الأزمات الداخلية وزرع الفتن القبلية أو العنصرية بالقدر الذي يضمن الانزلاق الى حرب اهلية وبالتالي تفتيته نهائيا إلى كيانات أو دويلات..

بالمقابل، لا يمكن رمي كل شيء على اسرائيل اذ لا تعبر المؤامرة دون ارض خصبة مهيئة، فالداخل السوداني مؤسسات وقوى عسكرية مخترقة مثنى وثلاث ورباع، هذا ما اثبتته الوقائع والاحداث، سيما بعد تحفيز وبدء تطبيع العلاقات عام 2020 اثر لقاء القمة بين بنيامين نتنياهو وعبد الفتاح البرهان في العاصمة الاوغندية كمبالا، مقابل ضمانة دعم بقائه رئيسا للمجلس السيادي الانتقالي ورفع السودان عن القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب .

في وقف الحرب، دعت الرياض لبدء محادثات بين الفصائل العسكرية المتصارعة على ما اعلنت وزارة الخارجية السعودية، حيث عقدت عدة اجتماعات اواخر الاسبوع الماضي في مدينة جدة بين ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هي الاولى منذ اندلاع القتال.. لكن منحى هذه المحادثات لا يزال في مرحلة الاتفاق على هدنة طويلة الامد تفسح المجال امام المساعدات الانسانية كما تحييد المدنيين واعادة تفعيل المستشفيات المتضررة المتوقفة عن العمل..
استطرادآ، وصل وكيل الامين العام للامم المتحدة ومنسق الاغاثة في حالات الطواريء Martin Griffiths الى بورسودان شمال شرق حيث عقد مؤتمرا صحفيا، اشار فيه الى ان المنظمة الاممية ستسعى لنشر موظفيها في مناطق النزوح مع السعي للحصول على تعهد من جانب الفريقين المتقاتلين بتأمين ممرات آمنة للامدادات سيما اثر تعرض المخازن التابعة لبرنامج الاغذية العالمي وشاحنات المواد الطبية واللقاحات للسرقة ..

اخيرا، مما لا شك فيه ان التوصل لانهاء الصراع لن يكون سهلآ، اذ ان كل من طرفي النزاع يعتقد ان قدرته على الحسم متوفرة.. بالتالي فان عودة المكون العسكري المزدوج الى الثكنات امر متعذر في هذه المرحلة، كما ان تحديد جدول زمني لاكمال التحول المدني الديمقراطي واعادة هيكلة المؤسسات الدستورية لا سيما المجلس التشريعي بحاجة الى اطلاق جولات الحوار مجددا وهذا الامر بحاجة الى وقت غير يسير..! يبقى السودان في عين العاصفة حل الازمة يحتاج الى وسطاء اقليميين (عرب وافارقة) يترافق مع ضغوطات غربية واميركية تدخل في خانة العقوبات لفرض الاستجابة..!

بيروت في 09.05.2023