الرسول الروسي …
بقلم ألعميد منذر ألأيوبي *
بنية و اصرار ضمن ما يسمى القصد الاحتمالي Probability Intent بمعنى القبول بنتيجة جانبية غيرمرغوب فيها لكنها لا تمنع الشخص المعني من ارتكاب الفعل المنوي في سبيل تحقيق الهدف الاساسيالمرغوب احداثه و انطلاقآ من هذه القاعدة حقق الرئيس رجب طيب اردوغان هدفه بشراء و تزويد الجيشالتركي منظومة الصواريخ الروسية المتفوقة S-400
دون اقامة اي اعتبار لما يمكن ان تقدم عليه الولايات المتحدة الاميركية لجهة فرض العقوبات على بلاده معمحاولة تطويقها سياسيآ و ما يترتب على ذلك من آثار سلبية اقتصاديآ ليس اقلها تهاوي قيمة عملتهاالوطنية ..!
كان من الواضح ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب لايضيع وقتآ إذ لا جدال انه ملتزم القسم الاول من المثلالمأثور “اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدآ ..” ففي مرحلة الوقت الضائع بين مغادرته البيت الابيض و دخولالرئيس المنتخب جو بايدن المكتب البيضاوي ما زال يمارس صلاحياته في اصدار قرارات اساسية سواء تلكالتي تتعلق باركان ادارته مثل إقالة وزير الدفاع Mark Esper او انفاذ قوانين صادرة عن الكونغرسكالعقوبات التي فرضت على تركيا الاسبوع الماضي لا بل اكثر من ذلك فهو لا يزال يحاول استدراج قيادةالبنتاغون لشن هجمات على ايران على نسق الاعلان مسبقآ عن ارسال القاذفات النووية العملاقة B-52 للتحليق في سماء الخليج المتوتر عل و عسى تخطيء القيادة العسكرية الايرانية و تستهدفها او ربماتسقطها فتكون حجر الاساس لحرب مفتوحة تصيب شظاياها الادارة الجديدة و تقيدها بها ..
تاليآ و على النسق نفسه من ألأداء كعلاج معتمد لكل داء مفترض اتت الحزمة الجديدة من العقوباتالمفروضة على تركيا قاسية في شمولها كيانات و اشخاص اذ ادرجت وزارة الخزانة الاميركية مؤسسةالصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة التركية SSB على القائمة مع حظر منحها رخص التصدير و تجميدارصدتها و مصادرة اصولها اضافة الى وجوب امتناع جميع المؤسسات المالية الاميركية و الدولية عن اسناد او اقراض المؤسسة التركية لمبلغ تتجاوز قيمته ال 10 ملايين دولار بالتوازي مع توقف بنك الاستيراد والتصدير US.ExIm Bank عن منحها اية تسهيلات لديونها ؛ كما شملت العقوبات رئيس الهيئة المذكورةاسماعيل دمير
و مسؤولين آخرين مساعدين له تضمنت فرض قيود مشددة على منح تأشيرات السفر و ذلك : “لانخراطهافي نشاطات عسكرية مع المؤسسة العسكرية الروسية من خلال حصولها على منظومة الدفاع S-400 ” بحجة أن هذه الأسلحة لا تتماشى مع نظام دفاع الحلف الأطلسي..
بالمقابل نددت الخارجية التركية بالاجراءات العقابية و وصفتها ب أحادية الجانب معتبرة : “ان العقوباتالاميركية سوف تضر بالعلاقات بين الجانبين و ان انقرة سوف ترد بما ينبغي” .. تبع ذلك بيان صادر عنوزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو اعلن فيه أن “‘الولايات المتحدة أوضحت لتركيا في مناسبات عدة أن شرائهامنظومة إس 400 يخاطر في أمن التكنولوجيا وأفراد المؤسسة العسكرية الأميركية ويقدم دعما مجزيا لقطاع الدفاع الروسيوتدخلا روسيا في القوات التركية المسلحة والصناعات الدفاعية ورغم ذلك قررت تركيا المضي قدما في امتلاك وتجريب منظومةإس 400 في ظل توفر بديل عبر الناتو يراعي المتطلبات الدفاعية” كما تضمن البيان تعليق مشاركة تركيا في الشراكة الخاصةبتطوير المقاتلة الاميركية التكتيكية المتقدمة مِن الجيل الخامس F-35 .. مختتمآ بعبارة أن قرار فرض العقوبات « يرسل رسالةواضحة بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع المتعاملين مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين »..
في سياق مُتَصل ؛ تصنف تركيا كحليف استراتيجي و شريك امني للولايات المتحدة الاميركية و الغرب عمومآ كما أنها عضوآاساسيا في حلف شمال الاطلسي NATO و هنا مكمن المعضلة Dilemma اذ تعتبر الادارة الاميركية ان انقرة لَم تعد فيخانة الحلفاء بَل في موقع الخصوم او الاعداء فهذه العقوبات تستند الى قانون JASTA الصادر عام 2017 عن الكونغرسبعنوان “العدالة بحق رعاة الارهاب” أعداء أميركا Justice Against Sponsors of Terrorism Act و قد اعتمدته الولاياتالمتحدة في معاقبة أعداءها و ذلك عَبرَ فرض عقوبات على كل مِن إيران، كوريا الشمالية، روسيا ..
مِن جهة اخرى ؛ تعبر قاعدة التوازي ” Parallèle Postulate لعالم الرياضيات Euclid’s عن “علاقة ثنائية بين كائنينهندسيين (خطين مستقيمين) عَلى شرطية استحالة التقائهما في جميع نقاط الفضاء“.. من هذه القاعدة وفي زمن الرئيسترامب لَم تلتقِ الاستراتيجية الاميركية مع نظيرتها الاوروبية في المصالح و الاهداف و بقيا عَلى خطين متوازيين .. هذاماحصل ايضآ في توازي العقوبات الاميركية مع الاوروبية دون تنسيق مفترض بعدما صدر يوم الخميس الماضي عن قمةمجلس الاتحاد الاوروبي حزمة اجراءات عقابية على تركيا بسبب “أنشطتها الأحادية الغير قانونية العدائية فيشرق البحر المتوسط لاسيما ضد أثينا و نيقوسيا” الامر الذي أثار غضب أنقرة التي وصفت القرار بأنه استفزازيضار بالمصالح المشتركة ..
إستقراءً ؛ مِما لا شك فيه ان تركيا باتَت بين فكي كماشة العقوبات الاميركية و الاوروبية الامر الذي سيأتي بنتائج عكسيةتلحق ضررآ كبيرآ ببنية و روحية او عقيدة حلف شمال الاطلسي .. و مِن منطلق تطبيق قاعدة التوازي عَلى علم النفسPsycology فإن العمليات العقلية و الجسدية متلازمة إذ ان احدها يتغير بتغير الآخر مِن غير ان يكون بين سلسلتي التغييراية علاقة سببية . و هذا ما ينطبق عَلى اداء و شخصية الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إذ يتوازى مثالآ اندفاعته في اعادةايقونة الحضارة المسيحية كاتدرائية “آيا صوفيا” الى كونها مسجد السلطان العثماني “محمد الفاتح” مع إلتزام اداء صلاةالجمعة في رحابه/ا معبرآ عن رغبة دفينة في اعتلاء عرش الطموح العثماني ..
استطرادآ ؛ مِما لا شك فيه أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيصحح مِن الانحراف و التردد في العلاقات الثنائية بين واشنطن وانقرة و هو يتبنى موقفآ انتقاديا حادا تجاه السياسة التركية و غير منزعج لا بَل يشجع عَلى خطوة العقوبات الاميركية والاوروبية ، اذ انه سَبَقَ و دعا الى دعم المعارضة التركية بوجه “الديكتاتور المستبد” اردوغان عَلى ما وصفه . هذا ما استنتجهوزير الخارجية التركي السابق “يسار ياكش” الذي يتوقع سياسة حازمة اكثر تشددا مِن الرئيس بايدن تجاه انقرة ..!
إستنتاجآ ؛ بالتزامن مع تولي الرئيس بايدن سدة الرئاسة الاميركية سيواجه الرئيس التركي جملة عقبات لَيسَ اقلها قسوةازدياد الضغوط و التكلفة عَلى انكماش الاقتصاد مع انهيار متسارع لقيمة الليرة التركية و اضافة الى صعوبة الخروج منمنظومة التسليح الغربية ستعترضه تحديات جيوسياسية و عسكرية هائلة عَلى مستوى الاقليم امتدادآ مِن أذربيجان الى ليبيامرورآ بحوض المتوسط الشرقي و هذا ما سوف يَصُب تلقائيآ في خانة تغيير سياسي للقيادة التركية عند اول استحقاقرئاسي انتخابي ..
خِتامَآ ؛ اين روسيا مِن كل ما يحصل و عَلى اي ايقاع تعمل .؟
لا تعتبر موسكو الطرف المتسبب لما وصل اليه الرئيس التركي اردوغان في خياراته السياسية
و استراتيجياته المعتمدة فَهي تحتضنه تارة ثم تفرمل نزواته او طموحاته تارة اخرى لكنها بالمطلق تراقباو لا تمانع غرقه في وحول المنطقة .. هي تعلم ايضآ ان مناوراته الاحتيالية المثلثة الابعاد في اللعب علىحبال واشنطن – بروكسل و موسكو باتت مكشوفة لا سيَما بعد وصوله الى الخطوة ما قبل الاخيرة في حسمخياراته. إذ انه وفق نظرية “إقليدس” امام خطين متوازيين لا يلتقيان إما الرضوخ و العودة الى احضانالتحالفات الغربية مع التزام هوامش قرارات واشنطن و مصالحها اولآ و اما السير ببلاده قدمآ نحو النموذجالايراني فتصبح المنطقة منقسمة بين الثلاثي اللاهوتي ايران الشيعية تركيا السنية و اسرائيل اليهودية وهنا تفتح صفحة جديدة من الاصطفافات تترجم صراعات على مستوى الاقليم تجعل من الرسول الروسي“بوتين” داعية هداية و سلام على الصعد الايديولوجية و الجيوسياسية الاستراتيجية ..
—————–
بيروت في 16.12.2020