البوسطجي … The Postman!!
بقلم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
ألإهتِمام و ألتَرَقُب كَما ألتَوقُعات كانَت سِمَة ألمَوقِف لِكَثير مِن ألسياسيين و ألمَسؤولين أللُبنانيين مُنذ وُصول وَكيل وِزارة ألخارجية ألأميركية “دايفيد هيل” إلى بيروت ،، لَيسَ بِمُستَغرَبٍ في وَطَن ألسَفارات و ألسُفَراء و جَواز ألسَفَر ألمُزدَوج هذا ألتَخَبُط و ألكِباش بينَ مُمَثلي ألمِحوَرَين فَريقَي ألخِصام ألألِداء بألصَبغَة ألوَطَنية “ألقَويَة”..!! كِلاهُما مِرآةُ جِزءٍ مِن حَلَبَة ألإقليم بِما تَحتَوي مِن حُروبٍ وَ عَداءٍ وَ وَلاء ..
أما ألحِياديينَ ألقِلَّة ألسَاعينَ إلى خُبزِ يَومِهِم و ألمُثَقَفين طُلابآ و رِجالُ فِكرٍ مُتَنَوِر فَهُم في حَالةِ إنعِدامِ وَزنٍ “لا حَولَ لَهُم و لا قُوَة”..!
تَصْريحَانِ مُتَتابِعان مُختَلِفان مُتناقِضان في أقلِ من ٢٤ ساعة لِسَفيرَي ألرَسائِل ألمُضمَرة و ألمُعلَنَة في نَفسِ ألصالَة و ألمَكان يُشعِلانِ ألمِنبَر و ما خَلفِه يَمينَآ ألعَلَم ألمُفَدَى ،، و ألنَتيجَة كالمُعتادِ إستِمرار ألكِباش كُلٌ بإمكاناتِه ألمَحَليَة و ألإقليمية سَياَّن إذا كانَ أحَد أطرافِهِ ثُقلَآ نَوعيَآ صَاروخيَآ أو كانَ ألآخَر أثقالآ ديبلوماسيةً سياسيةً مَدعومَةً مِن ألمُوفَد ألصَديق ، فكِلاهُما مُتعادِلان “إلى أن يَقضي ألله أمْرآ كانَ مَفعولآ” ..
أما ألضَحيَة فَهوَ ألْوَطَن و ذَلِكَ ألمُواطِن الذي كَلَفَتهُ “نورما و ميريام” ثَلاثُ جِراَتِ غازٍ “غير مُستَخرَجٍ مِن بَحرِنا طٍبعَآ” أُضيفَت إلى مَصروفِه ألشَهري لِتَدفِئَة أولادُهُ ، فَكانون ألثاني صَعبٌ ، إذ أن ألراتِب لا يُغَطي ألأربعينَ يَومَآ تَقريبآ ، مِن قَبلِ ألميلاد ألمُبارَك إلى بِداية شَهر أل ٢٨ يَومآ – و كَفَى ..!!
أمَا و قد غَادَرَنا ألموفَد ألأميركي دايفيد هيل فَقَد باتَ جَليَآ ما حَمَلَ في جُعبَتِه ألجِلديَة – شَبيهَة حَقيَبة “ألبوسطجي” .. فَهو أعْلَمَنا بِقَدرِْ مَا يَجِب أن نَعلَم ، نَبَهَنا و حَذَرَنا بِقَدرِ ما نَرغَب ..!! وَ مَشَى ..!
خَرَجَ ألسَفير ألصَديق ألآخَر مِن مَقَرِهِ وَصَفَ ألتَصريح أعلَنَ ألرَد و ألرَفض و ألمُمانَعَة ..! و عَادَ ..!
مَاذا عَن “ألبوسطَجي” ؟؟؟
هيَ كَلِمَة تَرجَع لِخَليطٍ مِن لُغَتَين بوسْط ، وجي : “بُوسْط” كَلِمَةٌ تَعني ألبَريد ذَاتَُ أصلٍ فارِسيٍ عَلى أساس أنَ الفُرس هُم أوَل مَن عَرِفوا النُظُم البَريديَة في ألعالَم ألقَديم ، و ” جي ” حَرفانِ مِن قَواعِد اللُغَة التُركيَة يُغيران مَعنى الكَلِمَة عِنْدَ ارتباطِهِما بآخِرَها ، فَتَعني المِهنَة ،، و قَد دَخَلَت في اللُغَة العاميَة العَرَبيَة خِلال عَهدِ الأتراك العُثمانيين ..! كَما يَتَبَيَن أنَ لِهَذِا ألتَفْصيل أيضَآ مَعناهُ ألإقليمي سواءً مِن حُسنِ أو مِن سُوءِ ألصِدَف …! فكِلا الدولَتانِ “مَِصْدَر ألكَلِمَة” يَتَنازعَانِ ألإقليم ..!
إستَمَدَ “ألبوسطَجي” هَيبَتَهُ على مَدارِ التَاريخ مِن حَيث كَونَهُ حَامِل البِشارات والنُذُر فَكانَ شَخصيَةً هَامَةً وَ حاجَةُ تَواصُل لِلمُجتَمَعات .. أمَا دَورَهَ ألآن فَيَلعَبَهُ عَلى ألمَسرَح أللُبناني مِثلَما بَدا ألمُوفَد ألأميركي دايفيد هيل و ألأيراني مَثيلَهُ لا شَبيهَهُ محمد جلال فيروزنيا ..!!
ألسُؤال ألثاني ،، لِماذا “ألبوسطَجي” ..؟؟
لا تَعتَبِر ألإدارة ألأميركية لُبنان و جِزءٌ مِن سياسييه عَلى قَدرِ حَجمِ مُقابَلَة أو لِقَاء وَ مُناقَشَة ألصف ألأوَل في ألخارجية ألأميركية حَتى و لا ألصَف ألثاني ، وٍ لَيسَ مِن دَاعٍ أن يُعَرِج عَلَينا ألوَزير “بومبيو” في جولته ألشَرق أوسَطيَة ،، فأرسَلَ ألَينا ثالِث كَبير مُستَشاريه في تَراتُبيَة مَسؤولي ألخَارِجيَة ألأميركية “مَع ألإحتِرام” خَبير ألمَلَف أللُبناني في ألشؤون و ألشُجون و ألمائِدَة و زينَتَها ألعَرَق ألأبيَض بِلَونِ هَامَةِ صَنين ..
لَا مَلامَة لِلإدارة ألأميركيَة فَهَذا “مَا صَنَعَت أيدينا ..!” قِسمٌ كَبيرٌ مِن سياسيينا و ألمَسؤولين لَيسوا عَلى قَدرِ ألمَسؤوليَة ألوَطَنيَة مَهما بَالَغوا في ألتَصريحاتِ و ألمَواقِف ، و لا هُم من صُنفِ النَدِ لِلنَدِ أصحَابُ قَرارٍ و رُؤيةٍ وَ تَبَصُر ، هُم يُصغونَ إلى ألرِسالَةِ بإنتِباهٍ يَتَلَقونَ ألمَضمون بِقَدْرِ ما يَستوعِبون وَ بِكَفاءَةٍ يُنَفِذون أكثَر مِن ألَمَطلوب كَأَني بِهِم “أمُ ألصَبي” ..! عَلى حِبرِ ما تَضَمَنَ ألمَكتوب مِنَ ألمُرْسِل يَتَجَدَدُ الخِصام بَينَهُم بِشَراسَةٍ نَهِمَة ، ثُمَ ُيهَدِأون ألبَال” إذا تَجاوزوا “ألزيح” بإشَارَةٍ مؤَنِبَة و هَكذا .. “كَفَى ألله ألمُؤمِنينَ قُرآنآ و إنجيلَآ ألقِتالَ” ..!
سَيَظَل “البوسطَجي” مَحفورَاً في ذاكِرَتنا وَ التاريخ رُغمَ تَقَلُصِ دَورِ أصْحابِ ألمِهنَةِ ،، رُبَما سَتَكتَفي إداراتِ إلصِراع عَلى مَسرَحنا مُستقبلآ إبلاغَنا وٍ أولي ألأمرِ مِنا بِألبريد ألألكتروني طالمَا نَحْنُ عَلى هَذا ألمُنحَنى Parabole سُقوطَآ ،، كَما أنَ ألإي مايل E-mail رُغْمَ يُسرِهِ و إنعِدامِ ألكِلفَة سَيؤَدي إلى تَصْفير “مَصروف ألجَيب” pocket money إذ لَن يَكون هُنالِك إستقبالات
” للبوسطجي” Postman و لا سَياراتٍ مُصَفَحَةٌ لِلمواكِب أو وَلائِم .. أما ألخِشَية فَهيَ مِن ألإعلانات Advertising بِما تَفرِضُهُ ألشاشَة Screen ألألكترونيَة مِن مُنتَجات و عُروض و صُوَرٍ إباحِيَة و هُنا ألطامَةُ ألكُبرى إذا إلتَهوا وَ لَهْوا وَ نَسْوا مَضمونَ مَا قَرَأوا ..!
هِيَ مَأساةٌ مُنذُ تَأسَسَ ألكَيان و مَلهاةٌ مُنذُ أدمَنا ألطائفيَة وٍ ألقَبَليَة ، يَعيشُُهُما ألْوَطَن ،، و رُغمَ أنَنا لَن نَمُل مِن مُشاهَدَة فيلم “البوسطَجي” أو سَماع أُغنيَة “البوسطَجيَة اشتَكوا مِن كُترِ مَراسيلي” ،، سَنَبقى نُراوح مَكانَنا قَاصِرينَ نَبْحَثُ عَن دَوْلَةٍ وَ عَن حُكومَةٍ في حَقيبَة بوسطَجي … وَ ألسَلام .!!
*عَميد، كاتِب و باحِث.