البحر في مختلف الآداب: متى جاوز أعماقه تبدأ اللعبة الخطرة
الدنيا نيوز – دانيا يوسف
تقف على الشاطئ، أي شاطئ وتتطلع، فترى مساحة تمتد حتى آخر ما يطاله نظرك. انه البحر الذي احتل مساحة واسعة من مؤلفات الشعوب وتراثها على مر العصور. والتراث العربي القديم حافل بمؤلفات شتى تناولت البحر من جوانب مختلفة، حيث تمثل ذلك في كتب الرحالة البحريين من أمثال المسعودي مدوناً في كتابه المعنون “مروج الذهب ومعادن الجوهر” صنوف البحار المختلفة وما يتعلق بها من حركات المد والجزر.
وإبان الربع الأول من القرن الرابع عشر الميلادي، دوّن الرحالة المغربي ابن بطوطة في مؤلفه “تحفة النظّار” رحلاته في البلدان المختلفة أثناء خروجه إلى الحج اضافة الى رحلاته البحرية من البحر المتوسط إلى الصين.
ولم يخلُ التراث الغربي من أدب الرحلات البحرية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو كتاب “رحلات ماركوبولو” لصاحبه ماركوبلو الذي صاغه في ثلاثين عاماً.
البحر في الرواية:
شكّل البحر شغفا لعدد من الروائيين الذين عرفوه عن قرب في كتابة أعمال أدبية لا تحصى. ومهما حاولنا الاختصار في هذا المجال لا بد من التوقف أمام بعض العناوين الخالدة في أدب البحر.
السندباد البحري:
السندباد البحري هو بحار من البصرة عاش في عصر الخلافة العباسية، وتروي حكاياته مغامراته في الرحلات البحرية السبع التي قام بها في المحيط الهندي ما بين شواطئ إفريقيا وشرق آسيا.
تركت حكايات السندباد التي تجمع الخيال الجامح إلى أحداث حقيقية مستقاة من مغامرات البحارة في المحيط الهندي ومشاهداتهم آثاراً وبصمات لا تُحصى في الثقافة العالمية. فنرى السندباد حاضراً في مجموعة حكايات بعنوان “مغامرات السندباد البحري” للشاعر البولوني بوليسلو ليسميان. وفي رواية جون بارث “الرحلة الأخيرة لواحد بحري” يشكل السندباد البحري ورحلاته الإطار لمجموعة الرحلات التي يقوم بها هذا المجهول المسمى “واحد بحري”. وأيضاً نرى السندباد البحري في رواية آلان مور “عصبة السادة الخارقين”.
موبي ديك:
نشر الروائي الأمريكي هيرمان ميلفيل روايته “موبي ديك” في العام 1851 وتمّ تصنيفها كواحدة من أفضل ما كتب في تاريخ الروايات الأمريكية على الإطلاق.
تحكي هذه الرواية قصة قبطان بحري يدعى آهاب سبق له أن تعرض لهجوم من حوت أبيض ضخم معروف من قبل البحارة باسم موبي ديك، وفقد من جراء ذلك ساقه، فيقرر الخروج في رحلة للبحث عن هذا الحوت وقتله انتقاماً.
تجمع هذه الرواية الرومنطيقية والواقعية المستقاة من خبرة الكاتب في البحر وترجمت إلى معظم لغات العالم.
الشيخ والبحر:
هي رواية قصيرة كتبها الروائي الأمريكي آرنست همنغواي في كوبا سنة 1951 وكان لها الأثر الأكبر في فوزه بجائزة نوبل عام 1954.
تروي هذه القصة المواجهة الملحمية التي تدور بين صياد كبير في السن يدعى سانتياغو وسمكة “المارلين” العملاقة بعد 84 يوماً من الابحار بحثاً عنها. وتتميز الرواية بشاعريتها وجنوج الخيال فيها حتى اللا معقول وهذا ما رفعها إلى مستوى أرقى ما كُتب في الأدب العالمي خلال القرن العشرين.
حـنا مينــة روائي البحر العربي:
كتب الروائي السوري حنا مينة في البحر الكثير من الروايات أشهرها ثلاثيته “حكاية بحار والدقل والمرفأ البعيد” التي تروي أحداث قصة عائلة ساحلية بدءاً من الجد إلى الأب إلى الحفيد ويروي فيها تفاصيل صراعاتهم لإثبات وجودهم الوطني والإنساني، ومن راوياته التي كتبها في البحر أيضاً “الشراع والعاصفة” التي نال عنها جائزة من روما في الآداب.
البحر في الشعــر:
لم يكن البحر لدى بعض الشعراء مستعملا للإحاطة بعالمه وأشيائه بقدر ما كان مستعملا لخدمة بعض أوجه البلاغة أو الاستعارة أو الكناية. فالشاعر إذا أراد أن يبرهن على عظمة اللغة العربية مثلا يلتفت إلى البحر ليحظى بالصورة المبتغاة، يقول حافظ إبراهيم:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟
ويصف الشاعر محمود درويش البحر قائلا: “أنا ذاهب لأتأمل البحر، الزبد الأبيض الطري يشير إلى أطراف الموج ينبئ بأكثر من كل تصريحات القادة، العلم، الوطن، الجريدة، الإذاعة، والتلفزيون، أنا ذاهب لأتأمل البحر… مطر يسقط على الماء، ولا حاجة بي إلى البكاء… البحر دموعي.”
وللشاعر خليل الخوري قصيدة بعنوان “إلى البحر” وقف فيها عند تعددية البحر في كونه يملك وجوها شتى فيقول:
“عظيم هو البحر، أعظم من كل السلاطين، كل المماليك أعرفه أنــا شاهدته هادئا، أنا شاهدته جيشانا وطوفان موج، إذا راح يعلو، وأفلت من طوقه ثم أزبد، طارت شرارته، جاوز البحر أعماقه، والتقى سطحه والهدوء الذي فيه، بالقاع، والغليان الذي فيه، آنئذ تبدأ اللعبة الخطـــرة…”