استقرار الشرق الاوسط سيبنى على تغيرات جيوسياسية لا مفر منها..!

 

بقلم العميد منذر الايوبي*

على مرجل الاقليم المشتعل دون هوادة في الداخل الفسطيني المحتل غزة والضفة الغربية كما عَلى جبهة المساندة المفتوحة في جنوب لبنان، تتحرك الدمى بيد الساحر الاميركي ضمن تمثيلية (لعبة الجن) في حبكتها العلاقة بين البربري والمفاوض ذو شخصية الاراجوز (قره قوز) .. مواقف درامية لا تحتاج إيحاءات؛ البربري متمرس في القتل والتدمير قدرته إفشال تبادل اسرى او إنجاح وقف لاطلاق النار، يحاول مع مجلس حربه اقناع الجميع انه المعتدى عليه لا المعتدي فيما التفاوض التسوَوي مَلَهوي بإمتياز قُصر باعٍ او افتقار ارادة.. اما اهل غزة ومخيمات الضفة فلهم مِن العالم المتفرج كسرة خبز وشربة ماء يبيتون على الطوَّى تحت ظلال الياسمين والعطر دماء ..!.

تقاطع الخيوط الديبلوماسية في صلبها وقف الحرب على القطاع المحاصر وتكريس تسوية أركانها الثلاثي الاميركي- المصري- القطري؛ فيما الاهداف مضمرة ام معلنة توطد مصالح استراتيجية لأفرقاء الصراع الشرق أوسطي سواء المحليين البدلاء ام الاصيلين المقررين..!

اما المسرح الاقليمي ففي حال إحتواء حتى الآن ضمن (صندوق الفرجة) حفاظآ او زيادة مكاسب على توقيت تغيرات جيوسياسية تدرجت زمنيآ وتوازت بشكل لافت فيها مِن الحقائق التالي:
-زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا ومحادثات مع نظيره الرئيس رجب طيب اردوغان تناولت العمق السياسي المشترك والاقتصادي الغازي البحري، اضافة الى بند التعاون الامني فيما يتعلق بالجماعات الاسلامية والتصنيع الحربي..!


– زيارة نوعية لرئيس جمهورية ايران مسعود بزشكيان الى العراق ولقائه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في حيثياتها والأولويات التعاون الامني ونزع سلاح الاحزاب الكردية-الايرانية في اقليم كردستان، اضافة الى ملف الاموال الايرانية المجمدة في العراق. تبعها محطة ثانية لكردستان العراق ولقائه رئيس الاقليم نيجيرفان البارازاني؛ حيث ابدى الاخير حسن النوايا في طمأنة طهران قائلآ: “لن نقبل استخدام أراضي إقليم كردستان العراق ضد جمهورية إيران الإسلامية بأي شكل من الأشكال” خلفية اتهام الإقليم إيواء جماعات كردية إيرانية معارضة، مدعومة مِن الموساد الاسرائيلي..
-لقاء ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الرياض تحت عنوان مستجدات الاوضاع الاقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها بِما يعزز الامن والاستقرار؛ بالتوازي مع مشاركة في الاجتماع الوزاري المشترك للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وروسيا الاتحادية، بمقر الأمانة العامة للمجلس في الرياض..!
– جولة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل شملت مصر ولبنان هدف خفض التصعيد عَلى الجبهة الجنوبية رغم ارتفاع وتيرة القصف المعادي كذلك الاطلاع على المرحلة التي وصلت اليها مفاوضات الدوحة-القاهرة. فيما لم يكن جديدا ما اعلنه من مقر الخارجية اللبنانية “ان طبول الحرب تقرع بين لبنان واسرائيل” ..!
تاليآ؛ رفضت تل ابيب استقبال جوزيب بوريل علمآ انها مدرجة على جدول زياراته على خلفية مواقفه مِن القضية الفلسطينية والعدوان الهمجي على غزة: ( لا يوجد ما يبرر هذه المجازر؛ أن وقف إطلاق النار في غزة هو السبيل الوحيد لوقف قتل المدنيين وتأمين إطلاق سراح الرهائن).. كذلك فرض عقوبات اوروبية على مسؤولين اسرائيليين بينهم وزيرا الامن الداخلي والمالية إيتمار بن غفير ويتسلئيل سموتريتش لتحريضهما على الكراهية وارتكابهما جرائم حرب..!
– تصريح نوعي غير مسبوق للمرشد الاعلى الايراني علي خامنئي موجه الى قادة النظام انه لا ضير في (التراجع التكتيكي) امام العدو في الميدانين السياسي والعسكري..! ما يعني تلافي حرب إقليمية كانت واردة الوقوع في اية لحظة؛ بالتالي تفادي خسائر هائلة ستصيب ايران في مسارها التصاعدي سياسيآ، عسكريآ واقتصاديا، بخلاف ذلك اعتبر تصريح المرشد الاعلى ترسيم جديد لعقيدة دفاعية ايرانية، رسالة قد تتلقفها واشنطن وتعتبرها انعطافة استراتيجية نحو تفاهم بين الجانبين خفض عدائية تاريخية مع “الشيطان الاكبر”..! -ترقب وصول مستشار الرئيس الاميركي لشؤون امن الطاقة آموس هوكستاين الى تل ابيب بالتزامن مع انهاء البنتاغون مهمة حاملتي الطائرات USS ROOSEVELT و USS EISENHOWER والسفن المرافقة مِن المتوسط الشرقي..

بات مِن نافلة القول ان لا سباق بين الديبلوماسية والميدان التباعد بينهما كبير ولكل منهما وظيفته، تزخيم الآلة الحربية وتوسيع رقعة العدوان بيد نتنياهو حصرا، فيما رفع وتيرة الرحلات المكوكية باتجاه المنطقة دفعآ مطلوبآ نحو اتفاق لوقف النار فمِن عدة الرئيس بايدن الانتخابية المُجَيرَّة لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس. كما ان اقفال جبهة الإسناد جنوبا قرار يعود لحزب الله شرط وقف حرب الابادة عَلى غزة، لكن التنفيذ يحتاج آموس هوكستاين لإقناع نتنياهو وحكومة الحرب ان ترتيبات الهدنة مع لُبنان تفتح الطريق أمام مسار تثبيت الحدود البرية على اساس العام 1949 وتطبيق القرار 1701معدلآ بضمانة اممية-أميركية وبالتالي عودة مستوطني الشمال تلقائيآ الى بيوتهم، لكن العقدة هنا تتعلق بوزيري التطرف التلمودي بن غفير- سموتريتش اذ سيكون مِن الصعب التراجع عما يعتبرانه فرصة سانحة لتدمير بنية المقاومة وفرملة تنامي قدراتها التسليحية والتكنولوجية..!

مما تقدم لا يمكن اعتبار اليوم التالي لإنتهاء الحرب قريبآ، كما لا خطط تنفيذية واضحة لتبريد مَسار الاحداث وتقليص فوضى التطورات، ما يفرض بداية ضبط الانفلات العسكري العدواني والتفلت السياسي الاسرائيلي المخادع ولوجآ الى مؤتمر دولي جديد تحت رعاية الامم المتحدة بدأت تتبلور ملامحه من خلال الاجتماع الوزاري الاوروبي-الاسلامي الذي انعقد يوم امس في العاصمة مدريد يعيد احياء مسار السلام من خلال مشروع حل الدولتين عَلى ارض فلسطين التاريخية، مع صيغ واضحة وآليات تطبيقية جدية بالمراحل الزمنية بِما يوفر استقرارآ استراتيجيآ طويل الامد، حاجة ملحة عَلى مستوى المنطقة لإزدهارها واستثمار ثرواتها الطبيعية ..!

طرابلس في 14.09.2024
*عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية