إرتجاجات دماغية خفيفة…
بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
من مرفأ “شهيد رجائي” الواقع على الخليج الفارسي المشرف على مضيق هرمز إلى مرفأ مصفاة البترول الفنزويلية “باليتو” Ballito المتشاطئة على البحر الكاريبي عبرت على مدى اسابيع خمس ناقلات نفط بحمولتها الكاملة من مادة البنزين ألإيراني ومشتقاته، الطرق البحرية المعتمدة والمعتلمة ضمن المياه الدولية دون ان تواجه محاذير تذكر أو إقامة القيادة الايرانية اي اعتبار للعقوبات المفروضة أميركيآ سواء على طهران أو على كاراكاس ..
تابعت الأقمار الاصطناعية الاميركية مسار القافلة بالاضافة الى المراقبة اللصيقة من القطع البحرية التابعة للأسطول الخامس حيث قاعدته الرئيسية في البحرين ونطاق عملياته الخليج الفارسي وبحر العرب كما نفذت المهمة نفسها قطع اخرى تابعة للأسطول الرابع وقاعدته في مايبورت بولاية فلوريدا Mayoort Navy Base والذي تشمل مسؤولياته جنوبي الاطلسي والبحر الكاريبي ..!
إستطرادآ بالرغم من تزامن انطلاق القافلة مع تعرض مرفأ رجائي “البوابة الذهبية” للإقتصاد الايراني لهجمات سيبرانية استهدفت انظمة الكمبيوتر التي تدير الملاحة في المضيق الاستراتيجي من قبل دائرة الحرب الالكترونية Cyber War التابعة لاركان جيش العدو الاسرائيلي بتاريخ 9 أيار الجاري مما ادى الى تعطيل العمل في المرفق البحري الحيوي كما تسبب بإختناقات مرورية و تأخير في عبور الشحنات النفطية إلا ان الامر تم تجاوزه خلال ايام ، في حين اعترفت اسرائيل بهجماتها عندما اعلن الجنرال عاموس يادلين Amos Yadli رئيس مركز دراسات الامن القومي الاسرائيلي التابع لجامعة تل ابيب مبررآ “إن الهجوم على ميناء الشهيد رجائي في مدينة بندر عباس، هو رسالة إسرائيلية مهمة إلى إيران بعنوان لا تستهدفوا البنية التحتية الاسرائيلية” في رد مباشر على هجوم إلكتروني إيراني مزعوم لمنشآت المياه ألإسرائيلية الشهر الماضي ..
مواقع رصد حركة الشحن البحري وموقع شركة ” تانكر تراكرز” Tanker Trackers المختص ببيانات شحن النفط عالميآ اعلن أن الناقلات الإيرانية الخمسة : فورتشن FORTUNE ؛ بتونيا PETUNIA ؛ فورست FOREST؛ فاكسون FAXON ؛ كلايفيل CLAVEL بحمولة 240 مليون ليتر مِن البنزين انطلقت من ميناء “رجائي” الإيراني بدأت تصل تباعآ الى المنطقة الاقتصادية الفنزويلية بحراسة البحرية وسلاح الجو البوليفاري …
مِن جهة أُخرى ؛ رغم فرض العقوبات الاميركية عام 2018 ثُم تشديدها بالحصار البحري إلا أن طهران تمكنت مِن الحفاظ عَلى قدرة مقبولة في تصدير نفطها سرآ مستخدمة عدة إجراءات عملانية منها إغلاق أجهزة الارسال العاملة عَلى الموجات البحرية أو اعتماد الصمت اللاسلكي؛ توسيع مَدى اجهزة الرادار السابرة لتلافي كشف حركة السفن؛ رفع علم دولة اخرى بشكل مموه؛ تفريغ ونقل الشحنات النفطية مِن سفينة الى أُخرى ؛ لكن قافلة الناقلات النفطية التي وصلت حاليآ الى فنزويلا الخاضعة ايضآ لعقوبات مِن جانب واشنطن اعلنت عنها طهران مسبقآ كما رافقت مسارها الطويل تحذيرات مغلفة بتهديدات جدية متبادلة اميركية – ايرانية في كنه الاولى عدم خرق العقوبات وفي مضمون الثانية غير مسموح التعرض او الاحتجاز كما كان يحصل سابقآ ( احتجاز سلطات جبل طارق ذات الاستقلال الذاتي الخاضعة لسلطة التاج البريطاني في 4 حزيران الماضي ناقلة النفط الايرانية Grace 1 والرد عليها مِن قبل الحرس الثوري الايراني باحتجاز اكثر من ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني )..
إستراتيجيآ بدت العملية في حجمها ونوعيتها وعلانيتها رسالة جديدة مرمزة بتغيير قواعد الاشتباك العسكري – الاقتصادي / الايراني – الاميركي مِما جذب اهتمام دوائر القرار الدولية التي انكبت عَلى دراسة حجم الفعل و ضعف أو ضآلة رد الفعل مع تحليل الخلفيات و الابعاد الجيو-سياسية إضافة إلى التوقعات المستقبلية المرتقبة ..!
تزامنآ في المستجد ألأول فشل ألولايات المتحدة بألنقاط في تحقيق هدفها عَلى حلبة تقليص صادرات ايران النفطية الى حدود الصفر فوفق تقرير بلومبرغ Bloomberg : “هناك نقطة واحدة تتفق عليها جميع الشركات التي تراقب إيران، أن الولايات المتحدة لم تحقق هدفها بوقف تدفّق النفط الذي لا يزال مستمرا رغم العقوبات”.. مِما دفع أيضآ “جيفين جيوغيفان” Kevin Gogivan مدير مركز الاستخبارات البترولية الدولية التابع لشركة “جينسكايب” Oil-Genscape في دنفر-كولورادو عَلى تصفير ألتقييم السابق “إيران تنجح ببساطة في تسليم نفطها إلى أشخاص آخرين أو تخزينه في علب الصفيح الخاصة بها بشكل سري أفضل مما يمكن توقعه” ..!
في سياق مُتَصل فإن ما يمكن إستنتاجه هو التالي :
*أنه أصبح مِن المتعذر الى حد ما عَلى مثلث “واشنطن-طهران-كاراكاس” كسر معادلة الذهب ألأصفر الفنزويلي الذي يشحن جوآ مقابل الذهب الاسود الايراني المنقول بحرآ و بالتالي فإن مستوى النشاط في حفر آبار إستخراج جديدة سيرتفع بألتوازي مع مواصلة التدفقات النفطية مستقبلآ إلى كل مِن الصين وتركيا وسوريا لكن بشكل اكثر حرية ومرونة وإلتزامآ ..!
*أن الحديقة الخلفية للولايات المتحدة لم تعد تخضع بسهولة وغير مشمولة بالمظلة الاميركية بشكل كامل ؛ مِما سيحفز دول الجوار الفنزويلي اللاتيني المناهض للسياسة الاميركية عَلى التفاعل و التملص مِن الهيمنة المفروضة ..
*قدرة ايرانية و لو محدودة عَلى التوغل نحو أميركا اللاتينية و الكاريبي مع مراعاة عدم تجاوز خطوط محيط الملعب إذ أن “ألفاول” Fouls & Misconduct مع الرئيس دونالد ترامب لا يمكن توقع عواقبه ..!
– تراجع في القدرة والاعباء و القرار لدى واشنطن في شن حُروب عسكرية؛ عَلى سبيل المثال فإن ألأساطيل التابعة للقوى البحرية الاميركية “الأول، الثامن، التاسع، الحادي عشر، والثاني عشر جميعها ليست في الخدمة وهي بحاجة لإصلاحات وصيانة ترهق الخزينة الاميركية بأرقام مالية تزيد عن تسعة اصفار ..
– أن ألإيديولوجيات المختلفة الدينية والاشتراكية عَلى سبيل المثال لا تشكل عائقآ أمام مواجهة سياسات التجويع أو العقوبات الاقتصادية المعتمدة مِن قبل واشنطن او غيرها لإخضاع خصومها ..!
– أن القفز نحو تفاهمات أوسع إقتصاديآ وتجاريآ بين طهران ودول الجنوب الاميركي أمر ممكن قد تصل لاحقآ الى تحالفات استراتيجية منضبطة في حدها الادنى لا تصيب مقتلآ أذ أن مادة البنزين سريعة الاشتعال و حريقها يمتد سريعآ ..!
ختامآ ؛ إذ يتلافى الرئيس الاميركي ترامب أية خطوات او ردود فعل تضعف موقعه في إنتخابه لولاية رئاسية ثانية وجهت الادارة الاميركية إنتقادات حادة للصفقة النفطية حيث اعلن وزير الخارجية الاميركية ان واشنطن تدرس خيارات الرد عَلى هذه الشحنات .. بألمقابل أكد السفير الايراني في كاراكاس حجة الله سلطاني أن الحظر الاميركي الاحادي قد فقد فاعليته معتبرا ارسال ناقلات الوقود الايرانية الى فنزويلا انتصارا للمجتمع الدولي ؛ وفي تغريدة له عقب وصول اول ناقلة وقود ايرانية قال: لله الشكر، ان ترامب ومستشاريه ادركوا اخيرا بانه لواحترموا القواعد والمبادئ الدولية واتخذوا قرارات منطقية وعقلانية، فسوف لن يصابوا لا هم ولا جنودهم بـ“ارتجاجات دماغية خفيفة“..!
عَلى أمَل ان لا تتحول العلاجات بالمسكنات إلى عمليات جراحية ذات خطورة مرتفعة في زمن هيمنة الفيروس التاجي عَلى الكوكب ..
بيروت في 30.05.2020