“أسوشيتد برس”:عيد اللبنانيين خوف وقلق بدل الفرح والبهجة
كتب الزميل خليل حرب في وكالة أسوشيتد برس من بيروت تقريراً سلط فيه أضواء الصحافة العالمية على واقع الأزمات المعيشية التي يعانيها اللبنانيون وحال الفقر المدقع الذي أصابهم جراء انهيار المنظومة الاقتصادية وتدهور القيم الاجتماعية”.
ورأى الزميل حرب انه “ربما لن يجد اللبنانيون جملة أكثر بلاغة عن واقع حالهم مع حلول عيد الفطر، من بيت شعر قديم للشاعر أبو الطيب المتنبي، يقول ”عيد، بأي حال عدت يا عيد”، وهم يشاهدون بأسى كيف انهارت أحوالهم منذ عيد الفطر الماضي، وأصبحوا أمام شبح ارتفاع الاسعار وحلول العتمة المحتملة على بيوتهم”.
ويتابع “منذ عام بالتمام، كانت الليرة اللبنانية لا تزال صامدة قليلا أمام الدولار حيث كانت تعادل في السوق السوداء 3 الاف مقابل الدولار، لكن مسلسل الانهيار تواصل بشكل مفجع. ومع حلول عيد الفطر الان، فقد قارب الدولار ال13 الف ليرة، مع ما يعنيه ذلك من ملايين القصص الحزينة التي حملها التحليق الجنوني لأسعار السلع الاساسية من غذاء ودواء في حياة اللبنانيين خلال سنة.
وبرغم بعض الاخبار المعلنة عن إجراءات من جانب السلطات التابعة لحكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب، لضبط المتاجر والباعة الذين يحاولون استغلال الازمة لتحقيق مزيد من الارباح، فإن اللبنانيين عموما ما زالوا يكتوون بنار التجار والمستوردين الكبار، من دون أن تتمكن الحكومة من كبحهم تماما، وهو ما يعزز الاحساس العام بأن العيد لم يعد مناسبة للاحتفال والفرح.
يقول الكاتب الصحفي عباس صالح ”قديما قيل: اشتدي يا أزمة، تنفرجي… لكن بعدما فقدت الليرة قوتها الشرائية، وتراكمت الأزمات وتشابكت، بات اللبنانيون في هاوية الجوع”.
وكان كثيرون يعتقدون تفاؤلا بأن عيد فطر السنة الماضية قد يكون آخر أعياد اللبنانيين الحزينة وهم يتحدثون بلوعة عن مدخراتهم بالليرة التي فقدت وقتها نصف قيمتها، وكيف حل العيد ولم تعد العادات والتقاليد السائدة متاحة لكثيرين كشراء الحلوى واقتناء ملابس جديدة، وتبادل الزيارات والضيافات.
يعزو صالح جانبا أساسيا من استمرار الأزمة الى تجار المواد الغذائية الكبار ويتهمهم ب”تجويع اللبنانيين”، مشيرا الى انه بعد أحداث ”ثورة أكتوبر تشرين اول” عام 2019 ضد الطبقة السياسية والفساد، وقبل ان يبدأ تراجع الليرة أمام الدولار، ”كانت أسعار السلع الغذائية تقفز قفزات جنونية وبشكل عشوائي ومريب”.
ويعطي صالح مثالا بالسكر الذي كان الكيلوغرام منه يباع ب750 ليرة (ما يعادل 50 سنتا وقتها)، لكن برغم انه يتم استيراده بدولار مثبت عند السعر الرسمي الذي حددته الحكومة، الا أنه يباع الآن ب10 آلاف ليرة، اي ان سعره قفز 15 ضعفا.
وليزداد الطين بلة، قد يخرج اللبنانيون من العيد مباشرة الى العتمة، بحسب جلسة نقاش بين نواب في البرلمان مع وزارة الطاقة الاسبوع الماضي، تناولت التواريخ المتوقعة لتوقف معامل انتاج الكهرباء في البلاد أولها في معمل الذوق في 18 مايو/ايار الحالي، على ان تتبعه معامل اخرى .
ما بين العيدين، وقعت أحداث كثيرة، كحادثة انفجار المرفأ في بيروت التي أوقعت آلاف الضحايا في الرابع من أغسطس/آب، واستقالة حكومة دياب، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، وتزايد الحديث عن احتمالات رفع الدعم الحكومي عن العديد من السلع الاساسية، ما جعل قدوم العيد بالنسبة الى كثيرين مناسبة للقلق وليس للفرح.
ويتداول اللبنانيون منذ أيام اسعارا مختلفة لسلع غذائية أو دوائية وحتى تلك المتعلقة بالبنزين، تشير ولو من باب التكهنات، الى الارتفاع الهائل الذي سيحدث في الاسعار بعد نهاية عيد الفطر حيث تتواصل استعدادات الحكومة من أجل إصدار ما يسمى البطاقة التموينية للعائلات على ان تقوم الحكومة برفع الدعم تدريجيا من بعدها.
ADVERTISEMENT
ويقول الخبير بشؤون الاقتصاد والطاقة المهندس إدمون شماس بأسى ان ”سياسة الدعم أدت الى هدر حوالي 15 مليار دولار من أموال المودعين منذ أكتوبر/تشرين اول 2019، ونصف هذا المبلغ استفاد به بطريقة غير مشروعة كبار التجار والسياسيون”. ولدى شماس تصور اقتصادي شامل للخروج من الأزمة، لكنه يشكو من ان ”المسألة تحتاج الى إرادة وقرار، وهما مفقودان”.
ضاقت الخيارات أمام اللبنانيين في العيد، وربما قد يسوء الوضع من بعده.
في بلدة الغازية، بالقرب من مدينة صيدا، يتحدث راتب حمادة مهموما، عن حال المطعم ذائع الصيت الذي يعمل فيه والذي يشتهر بأطباق وشطائر اللحوم المتنوعة.
يقول حمادة ”أحيانا أشعر ان بعض الزبائن يطلبون أقل مما يحتاجون فعلا. أحيانا أخرى يغادر الرجل وعائلته بعد ان يطلع على لائحة الاسعار. في عيد الفطر الماضي، كان الاقبال جيدا نسبيا. في عيد الفطر هذا العام، لا أعلم ماذا سيحدث. الاتكال على الرب”.