تطبيع، ترسيم، توطين..!
بقلم ألْعَميد مُنْذِر ألأيوبي*
ما أشبه ألأمس باليوم ..!
أثر هزيمة الجيوش العربية أمام العدو الاسرائيلي في حرب 5 حزيران عام 1967 و التي عرفت ب “ألنكسة” عقدت جامعة الدول العربية خلال شهر أيلول من العام نفسه مؤتمر القمة الرابع في العاصمة السودانية – الخرطوم و قد جاءت نتائجها في حينه مزيدآ من ألإصرار على الصمود ، تفعيلآ للجهد العربي المشترك لإستعادة ما أغتُصب من أرض و مقدسات ، تجاوزآ للنكسة و تمسكآ بالثوابت من خلال أللاءات ألثلاث : “لا صلح – لا إعتراف – لا تفاوض” مع العدو الصهيوني ..! كما تطرق ألبيان الختامي آنذاك الى وضع حد للحرب الأهلية الدائرة في شمال اليمن و دعم مالي اقتصادي لدول المواجهة بصورة خاصة مصر و الأردن ..
بِتوازٍ معاكس ، تمر الأمة العربية منذ حوالي عقد و نصف من الزمن حتى اليوم بتراكمات إنهزام غير مبرر مُتمثل في ألتاءت ألثلاث “تطبيع – ترسيم – توطين” مُستَكمَلآ عبر أرهاصات عداوات مُخجلة بين دولها الشقيقة في وقت يتربع القادة الصهاينة على مقاعد ألمتفرجين مُصفقين للاعبين العرب فوق خشبة مسرح ألإقليم حيث أصبحت أموالهم أثمانآ لِلحماية و خُرضة ًلِلسلاح ،
أما أرواح شعوبهم فَتهدر على عَبثٍ حيث بعض الكل يتواطأ و يعادي و يغدر بباقي ألكُل ..!
في نفس السياق ، و بصرف النظر عن مدى أحقية أو صوابية سياسة و إستراتيجيات محوري الاشتباك السياسي و الميداني ألعَرَبي – ألإيراني ألمُغذى بِمَصل المذهبية السنية الشيعية حيث إنحرفت ألأولويات و أُسقِطت ثوابت ألقضية عن أهدافها في تحرير مهد المسيح عليه السلام و ألمسجد الأقصى أولى القِبلَتَين ، فأن 25.05.2000 تاريخ إنسحاب جيش شارون ألمُذل من جنوب لبنان و المُذيل بتوقيع دماء المقاومين أللبنانيين كان الشعلة المضيئة الوحيدة على مدى أكثر من ستة عقود في دامس إخفاقات الدول العربية و جيوشها و إرادتها للقتال و التحرير ..
تاليآ ، و بعيدآ عن نظرية من إستدرج من ؟؟ من أخطأ أو أصاب ؟؟ و رغم فداحة الخسائر في الأرواح و الممتلكات و البنى التحتية فقد كان صمود حزب الله و المقاومة في وجه الترسانة الاسرائيلية على مدى 35 يومآ خلال عدوان تموز 2006 “حرب لبنان الثانية” قفزة نوعية في الثقة بقدرات المقاومة و صلابة بنيتها إضافة إلى مرونة حركتها في المناورة و المجابهة ، مُكرسةً بذلك مبدأ الردع ألمركب المتبادل مع فرض قواعد إشتباك جديدة مختصرة بعبارة واحدة “تفادي ألإشتباك” و اللجوء إلى”حرب إقليمية باردة” أدواتها إعلام موجه مدروس ، مواجهات بين جيوش إلكترونية على جبهة “السوشيل ميديا” Social Média و طعنات نفسيةً تؤرق المجتمع الاسرائيلي حيث بات ألمستوطن أليهودي في هلوسات دائمة يسمع صدى حفر ألأنفاق تحت سريره ..!
من هذا المنطلق و بعد أن إستدارت فوهة بندقية العرب ألمسلمين نحو ايران ألإسلامية ، إنتقل مخطط الغرفة السوداء الصهيونية “ألمايسترو” إلى مشهدية تطبيع علني مبرمج تتوالى صوره من دولة عربية إلى أخرى في تنافس و خنوع مثير غير
مَسبوق..! بِألتَوازي كانت خدمات عملاء شركة “بلاك كيوب” Black Cube ألإستخباراتية ألإسرائيلية و هي أحدى فروع “ألموساد” ألسرية تعمل في الظل لزعزعة أسس الاتفاق النووي الإيراني ألموقع في عهد ألرئيس أوباما و تشويه سمعة مسؤولي إدارته مع جهود فتحت قنوات سرية أدت إلى إندفاع الرئيس ترامب نحو إلغاء ألإتفاق بِقرار منفرد منه ..!
من جهة أخرى ، و ضمن عملية ألترويج لِإنجاز صفقة القرن تحت ستار التحذير من هيمنة حزب الله على القرار الحكومي ، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت منذ بداية العام الحالي سلسلة زيارات لمسؤولين أميركيين تُوِجَت بزيارة وزير الخارجية الاميركية “مايك بومبيو” بهدف ألحث على ترسيم الحدود مع كيان العدو لا سيما الحدود البحرية مما إستوجب مؤخرآ حضور مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد في زيارات علاجية مكوكية على خط بيروت – تل أبيب ، خاصة بعد أن تبين بوضوح الخيط الأبيض من الأسود في موقف لبناني موحد يتضمن تشكيل لجنة ثُلاثيَةَ تضم لبنان و اسرائيل و الامم المتحدة برعاية اميركية لإطلاق عملية الترسيم البري و البحري في آن معآ ..!
بألإمكان ألرصد و ألإستنتاج أن تَرييح الملف اللبناني في موضوع ترسيم الحدود و ألإستخراج النفطي و إن إختلفت ألحيثيات و ألأهداف بدا مرآةً لمؤشر تهدئة بين ألقوتين أللدودتين في مضيق هرمز و الخليج العربي – الفارسي حيث إبتعدت الحاملة USS Lincoln و ألأسطول ألخامس ألمرافق لها عن حدود المياه الإقليمية الإيرانية مغلقةً صوامع صواريخها متابعةً نزهتها البحرية ..
أما الفخ المنصوب للبنان فهو إستدراج للقبول أو السكوت بألحد ألأدنى عن تنفيذ صفقة ألقَرن عبر دفعه إلى سلوك نظرية “أهون ألشرٍين” ألمتمثلةً في معادلة مطروحة غير مقرؤة تنص على أن : عودة النازحين السوريين = توطين الفلسطينيين + إلغاء المديونية اللبنانية الهائلة 100 مليار دولار .. هذا ما يمكن إستقراءه من خلال فرملة إندفاعة المبادرة الروسية في ظل إنقسام لبناني غير متزن حول هذا ألأمر ..!
في حواشي ما رُسِمَ و خُطِط إقليميآ كثير من التفاصيل المُعطِلة سواء على المستوى التكتي أو الاستراتيجي منها على سبيل ألمثال لا ألحصر أن العواصم الأوروبية الأساسية لا سيما باريس مُستبعدة كليآ عن كل ما يجري ..
أن العناد الإيراني واضح معالمه بعد إنتقاد قاسٍ غير مسبوق يوم أمس من المرشد الأعلى علي خامنئي لكل من الرئيس حسن روحاني و وزير الخارجية محمد جواد ظريف لأدائهما ألمتساهل بنظره خلال مفاوضات الاتفاق النووي إذ أن نتائجه أثبتت ان دونه كان افضل من وجوده ..
أن من ضمن الحقائق الملموسة أيضآ توحد الموقف الفلسطيني بوجه ما يحاك من مروجي الصفقة “ألصفعة” ، كما ان مقاطعة الإجماع الفلسطيني للقاء البحرين التطبيعي المزمع انعقاده أواخر شهر حزيران ألقادم تحت عنوان “السلام من اجل الازدهار” يؤكد على ان خيار المقاومة و الإنتفاضة سيبقى المعتمد و هو الأجدى فمن “جرب المجرب عقله مخرب” على قول المثل الشعبي ..!
أما عن زوايا ألموقفين الروسي و التركي مما يجري فألخبايا تكمن في حنكة الرئيس بوتين محتضنآ ألرئيس أردوغان أللاهث وراء حيازة صواريخ أل S-400 ألروسية و مغازلآ رئيس وزراء العدو نتنياهو في بعض أوجه سياسته مع تنبيه ضمني أن قدرة التعطيل و “البطاقة الحمراء” بيده تستخدم عند ألإقتضاء ..
بيروت في : يوم ألتحرير 2019
*عميد متقاعد ، كاتب و باحث.