شاعر قتله لسانه ..إبن الرومي مبدع غريب الاطوار متشائم ناقم وغاضب

 

الدنيا نيوز – دانيا يوسف

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وكنيته ابن الرومي نسبة لأبيه، ولد ببغداد عام 836م وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين ومما قاله في الفخر بقومه:
قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي
نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي
لا أبتغي أبداً بهم بدلاً لفَّ الإلهُ بشملهم شملي
عكف ابن الرومي على نظم الشعر مبكراً، وقد تعرض على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليه غير مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به. وإذا نظرنا إلى تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزءا كبيرا منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرته الكوارث حيث احترقت ضيعته، وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليفرط عقد عائلته واحداً تلو الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج توفيت زوجته وأولاده الثلاثة.
ولعل هذه الأحداث قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضعا للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه.
أصبحت لدى ابن الرومي نقمة علی المجتمع الَّذي عاش فيه عبّر عنها بقصائده. فقد رأی غيره من الشعراء والأدباء والناس ممّن لا يتحلون بأية فضيلة، يحصلون علی المكانة العالية، والأموال الوفيرة، والشهرة الواسعة، بينما يری نفسه وهو الشاعر المجيد، لا تقدر مواهبه وهو يمنع عن أي منصب مرموق. لقد أشار ابن الرومي إلی انهيار القيم الحضارية والإنسانية في عصره، وسقوط المثل العليا بين أبناء وطنه وكان مراده أن يسمو الإنسان بعلمه وعقله وفکره، وليس بمکره واحتياله.
عاصر ابن الرومي ثمانية من الخلفاء العباسيين، وكان معظمهم يرفضون مديحه ويردون إليه قصائده، ويمتنعون عن بذل العطايا له، مما قاله في ذلك:
قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ
إن أجدنا في مدحِهم حسدونا فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ
أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ
قد أقاموا نفوسَهم لذوي المدْحِ مُقامَ الأندادِ والنظراءِ
تميز ابن الرومي بصدق إحساسه فابتعد عن التلفيق، وعمل على مزج الفخر بالمدح، وفي مدحه أكثر من الشكوى والأنين وعمل على مشاركة السامع له في مصائبه، وتذكيره بالألم والموت، كما كان حاد المزاج، ومن أكثر شعراء عصره قدرة على الوصف وابلغهم هجاء، أبحر في دروب الشعر المختلفة، فجاءت أشعاره مبدعة في الحركة والتشخيص والوصف، واعتنى بالموسيقى والقافية.
عرف ابن الرومي بإجادته الكثير من الأشكال الشعرية والتي جاء على رأسها الهجاء، فكان يقدم الشخص الذي يقوم بهجاؤه في صورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك. قال عنه المرزباني “لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ولذلك قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء”.
قام ابن الرومي بمدح أبي القاسم الشطرنجي، والقاسم بن عبد الله وزير المعتضد، وأجاد ابن الرومي في وصف الطبيعة، وتفوق في هذا عن غيره من الشعراء، وقد تفاعل وجدانياً مع عناصرها وأجوائها، فقام بالتعبير عنها ومن خلالها، وأغرم بها. ومما قاله في وصفها:
ورياضٍ تخايلُ الأرض فيها خُيلاء الفتاة في الأبراد
ذات وشيْ تناسَجَتْهُ سوارٍ لَبقاتٌ بحْوكِه وغوادِ
شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوسْمِيِّ ثم العِهاد بعد العِهادِ
فهي تُثني على السماء ثناء طيِّب النشر شائعاً في البلادِ
وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال:
عدوُّكَ من صديقك مستفاد فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
أبدع ابن الرومي في الرثاء وذلك نظراً لما عاناه في حياته من كثرة الآلام والكوارث التي تعرض لها، وكان رثاؤه الذي قاله في ابنه الأوسط يعبر عن مدى الألم والحزن في نفسه، كما له رثاء في “خراب البصرة”.
توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 896 م، قال عباس محمود العقّاد: “أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلى النار.”
وخرج من مجلسه وأتى منزله وأقام أياما ومات!