رأس نابوليون .. La tete de Napoleon
بقلم ألعميد منذر ألأيوبي*
أخيرآ دَخَل ألرئيس ألأميركي ترامب على خط ألأزمة الفرنسية الاقتصادية و المعيشية بصورة علنية دون قفازات ،، إذ إعتبر في تغريدة له :
“إن التظاهرات الكبرى والعنيفة في فرنسا لا تأخذ في الاعتبار إلى أي مدى عوملت الولايات المتحدة بشكل سيء من قبل الاتحاد الأوروبي حول التجارة أو حول نفقاتنا العادلة والمنطقية لضمان حمايتنا العسكرية ، علينا معالجة هذين الموضوعين قريبًا”…
ألعلاقة بين ترامب و الرئيس ماكرون تدهورت مؤخرآ عَقب إقتراح ألأخير إنشاء ألجيش ألأوروبي ألموحد ،، و كان ترامب كتب في التغريدة ما قبل ألأخيرة مُدغدغآ مشاعر ألفرنسيين : “لا يوجد بلد أكثر قومية من فرنسا . شعب فخور للغاية وله الحق في ذلك”، وختم كلامه بالقول “اجعلوا فرنسا عظيمة مجددا” ..! فاصلآ بالتالي بين علاقته بالشعب الفرنسي و رئيسه ..
ألهجوم التويتري الذي شنه الرئيس ألأميركي في تغريداته على ألرئيس الفرنسي كشف حجم الهوة التي تتسع بينهما و ألتي إرتبطت في بعض أسبابها بعدم إلتزام فرنسا ألعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران ،، إذ ترك ماكرون هامشآ للعلاقات التجارية و النفطية الفرنسية – ألإيرانية رافضآ مجاراة ترامب في إنسحابه من ألإتفاق النووي ألإيراني كما أيدته و تضامنت معه في ذلك ألمانيا و باقي دول ٥+١ الذين وقعوا على هذا ألإتفاق ..
بالمقابل ، و أثر الموجة الثالثة من تظاهرات حركة ألسُترات ألصفراء و ما رافقها من أعمال عنف أسفرت حتى ألآن عن مئات الجرحى و سقوط أربعة قتلى ، شكلت مطالب ألمتظاهرين و شروطهم لوقف تحركاتهم معضلة سياسية و إجتماعية للرئيس الفرنسي لم يَجد بُدَآ في ألنهاية من ألإستجابة لمطالب ألعامة على إختلاف إنتماءاتهم و طبقاتهم ،، إذ أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوازد فيليب ألتخلي عن الزيادة ألضريبية على الوقود Carbon Tax في موازنة عام ٢٠١٩ إثرَ سلسلة إجتماعات متلاحقة برئاسة ماكرون ، مُشيرآ إلى أن ألحكومة مُستعدة للحوار ،، في حين إعتبرت أوساط ألمُحتجين و مجموعات اليمين ألمتطرف هذه الخطوة غير كافية و أنه يتوجب مراجعة السياسة ألإقتصادية و ألإجتماعية و المعيشية أساسآ ..
تجاوبت ألحكومة الفرنسية مرحَليآ و بعقلانية كانت إفتقدتها في بداية ألإحتجاجات ،، إذ صرح ألناطق باسم الحكومة ألفرنسية بنجامين غريفو Benjamin Griffo “أنه ينبغي إعادة تقويم و مراجعة كل ألسياسات ألضريبية بما فيها ألضريبة على ألثروات من وقت لآخر و إلغاء أو تغيير بعضها بما يضمن توفير ألعدالة ألإجتماعية” مُحددآ خريف ٢٠١٩ ألمدى ألأقصى لإنجاز ذلك ..
بالتوازي ، ناشَدَ ماكرون ألأحزاب السياسية كما ألنقابات ألوظيفية و ألعمالية و أرباب ألعمل أيضآ ألهدوء و تفهم المعالجات ألحكومية و قراراتها و ذلك في أعقاب دعوة نقابات ألعمال في قطاعي ألطاقة و ألمرافيء إلى ألتظاهر ألأسبوع ألمقبل ..
على ما يبدو فإن الرئيس ألفرنسي يُحاول تَفكيك ألمشكلة عقدة عقدة تَجنبآ لظهوره كَمَن رَضخ للإحتجاجات ، مُعلنآ إلتزامه خطته ألإقتصادية في آنٍ .. علمآ أن ألإنتقادات على نهجه ألإقتصادي و ألمالي و نَعتِهِ بصفة “رئيس ألأغنياء” تعود في أسبابها إلى تعديل و تحفيض قيمة ألضريبة على ألثروات لِتقتصر على ألأصول ألعقارية ألتي تزيد قيمتها على ١.٣ مليون أورو فقط ..
ألرئيس ألفرنسي في وضعٍ لا يُحسد عليه فهو بالتأكيد سَيُعيد ألنظر بخططه ألأصلاحية و سياساته ألضريبية توصلآ إلى تحقيق الحَد ألمقبول من مطالب حركة ألسترات ألصفراء ،، لكنه في نفس ألوقت مُجبر و عليه ان يكون ملتزمآ عدم تجاوز عجز الموازنة المالية الفرنسيًة عتبة 3% من إجمالي ألناتج ألداخلي وفقآ لما تنص عليه الاتفاقات الأوروبية .
في سياقٍ مُتصل أعلن المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية INSEE أن فرنسا سجلت خلال عام 2017 عجزاً في الموازنة أقل من المتوقع حيث بلغ 2.6 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي و تعد هذه المرة الأولى منذ عام 2007 التي يتراجع فيها عجز الموازنة تحت عتبة 3 في المائة و هو السقف المسموح به من قبل بروكسل – مقر ألأمانة ألعامة للإتحاد ألأوروبي ..
من جهة أخرى ،، كثير من ألمراقبين و أصحاب ألرأي لا يزالون يدرسون عفوية ظاهرة حركة ألسترات ألصفراء و مدى تمكنها من تحريك ألمجتمع ألفرنسي بهذه ألسرعة و عبورها مختلف ألشرائح ألإجتماعية و تمددها إلى كافة ألمحافظات بالرغم من إندساس ألكثير من ألغوغاء و مفتعلي ألشغب ألمأجورين ،، و مما لا شك فيه أن جملة عناوين أفضَت إلى ما وصل إليه هذا ألحراك أعطته فرادةً غير مسبوقة ستترك بصماتها على الواقع الاجتماعي و السياسي ألفرنسي مستقبلآ وهي : إنعدام العدالة ألإجتماعية و ألصراع ألطبقي ألمُستجد ، سَطوة ألرساميل ألمالية و ألشركات و ألمصارف ألكبرى على ألإقتصاد ، ألأتفاقيات المعقودة مع ألإتحاد ألأوروبي ، تجاهل مُزمن لِمطالب ألفئات ألشعبية و ألطبقة العاملة ، إزدراء ألحكومة لهذه ألحركة و مطالبها ألمحقة ، إرتفاع نسب ألضرائب و انخفاض القدرة الشرائية ، حالة ألتَوَحد ألسياسي و تَصفير الحوافز لدى ألأحزاب و ألنخب السياسية بما يؤدي إلى ألإصلاح و ألتغيير إلخ …
هو ربيع باريس ،، رُبَما !!
إذا كان واضحآ و مفهومآ حجم ألغضب ألشعبي لدى ألمتظاهرين ألمُحتجين و إنجراف ألبعض منهم إلى إرتكاباتٍ عُنفية مُروعة طاولت ألممتلكات ألعامة و ألخاصة في معظم ألشوارع ألباريسية ،، إلا أن تخريب و نهب و تحطيم ألموجودات و ألأعمال ألفنية و تدنيس جدران ألنصب ألتذكاري قوس ألنصر الباريسي أحد ألرموز ألفرنسية ألشهيرة وصولآ إلى قطع رأس ألتمثال ألنصفي ألرخامي لعظيم ألأمبراطورية نابوليون ، لا يمكن إدراكه و تفسيره سوى نزعة حقدٍ و إنتقام ، عملآ مقصودآ و مدروسآ يستهدف فرنسا و رموزها بحضارتها و ثقافتها و تاريخها ، يُذَكِر بأعمال و جرائم إرهابيي “داعش و طالبان” و ذلك في خضم أزمات خطيرة ومتشعبة تطال معظم كيانات ألكَوكَب على إختلاف دوله و شعوبه .. ألأصلاح إذن ضروري لا مناص منه و رأس تمثال نابوليون ألإمبراطور يستوجب إعادته سريعآ إلى مكانه مُرمَمَآ و مُكَرَمآ ..
* كاتب و باحث في الشؤون ألأمنية و ألإستراتيجية.