العقوبات على ايران هي السبب الحقيقي للاطاحة بكارلوس غصن
“أخبار الدنيا”- نور ابراهيم
أشارت معلومات خاصة ب “أخبار الدنيا” إلى ان السبب المعلن لتوقيف رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات نيسان ورينو وميتسوبيشي رجل الاعمال اللبناني كارلوس غصن، مختلف تماما وبعيد عن واقع الحال.
وتؤكد المعلومات الخاصة بموقعنا على ان السبب الحقيقي لتوقيف غصن هو خلافه مع الاميركيين حول مقاربته المختلفة للعقوبات الاميركية الاخيرة على ايران.
وقالت ان الاميركيين طلبوا منه منذ مدة وقف تعامل شركاته مع ايران التزاماً بالعقوبات المفروضة عليها والتي لم تلتزم الدول الاوروبية بمقتضياتها، فرفض غصن العرض الذي كان بمثابة أمر عمليات اميركي، وعلل ذلك بأن ايران تستهلك من سيارات شركاته الثلاثة وعلى وجه الخصوص من “رينو” عشرات الملايين سنويا، وبالتالي فإن أي اقفال للسوق الايرانية سينعكس انكماشاً وربما انهياراً في مالية شركاته الثلاثة على اعتبار ان السوق الايرانية من اكثر الاسواق الحيوية لها.
وبعد ذلك، تضيف المصادر الخاصة، ان الاميركيين حاولوا ايقاف بعض حسابات غصن البنكية الخاصة كرسالة تحذير اولى للاستجابة، لكنه تمكن من الافلات من ذلك وقال لهم : لا علاقة لحسابي بأمور أخرى، ولن أستجيب لطلبكم الذي سينعكس انهيارا حتمياً في شركاتنا، ونحن سنكون المتضرر الاكبر، لأن ايران ستجد مئات الشركات التي ستقدم لها عروضاً هامة بديلا عن سياراتنا.لكن الاميركيين لم يقتنعوا، وطلبوا من الشركات الاميركية التي تزود مصانع سيارات شركاته بالقطع والمواد الاولية وهي عبارة عن الجزء الاهم في عمليات تصنيع السيارات، وعندها اضطر للرضوخ حتى لا تتوقف مصانعه عن الانتاج،وبالفعل اعلن تقيده بموجبات العقوبات، لكنهم ارادوا الانتقام منه على معاندته لهم ودبروا له عملية توقيفه بهذا الشكل.
ورغم ذلك، فقد جاء خبر توقيف غصن في اليابان صادماً للأسواق المالية العالمية ولمصنعي السيارات في العالم، وهو الرجل القوي الذي أنقذ نيسان من الإفلاس وبنى التحالف بينها وبين رينو وضم لاحقاً ميتسوبيشي، بحيث اصبح التحالف من أكبر مصنعي السيارات في العالم، برقم مبيعات يتجاوز 10 مليون سيارة سنويا.
وقد هبطت أسهم الشركات الثلاث بنسبة كبيرة ترواحت بين 7 و10% عند نشر الخبر.
ويشغل غصن ايضاً منصب المدير التنفيذي لشركة رينو، وكان قد تنازل عن منصب المدير التنفيذي لنيسان السنة الماضية، بعد أن شغل المنصبين لأكثر من خمسة عشر عاماً، استحق خلالها صورة المنقذ، القوي، النشيط، حيث كان يجول بطائرته الخاصة ويزور مصانع الشركتين في كل ارجاء العالم ويجتمع برؤساء الدول وبعمال المصانع، ويبقى في كل شهر مدة أسبوع في اليابان واسبوع في فرنسا لإدارة الشركتين، حتى استطاع توفير التعاون المتماهي الذي أدى الى تخفيض الكلفة وتحسين الجودة. وكان يسعى الى اندماج الشركتين مع شركة ميتسوبيشي ليشكلوا شركة واحدة عملاقة، برغم أن الحكومة الفرنسية تمتلك حوالي 15% من شركة رينو، وبرغم تضارب العصبيتين الفرنسية واليابانية مع فكرة الشركة العالمية.
وعقد المدير التنفيذي الحالي لشركة نيسان هيروتو سايكاوا مؤتمراً صحافياً مساء أمس في طوكيو، أعلن فيه اعتقال غصن، ومساعده الأميركي غريغ كيلي، محاولاً على مدى اكثر من ساعة، نسف صورة غصن المتألقة في عالم السيارات، وتصويره كمتسلط ومخالف للقوانين، قائلاً إن القوة التي أعطيت له في السنوات الأخيرة عطلت نظام الحوكمة في الشركة، مما أتاح له، بمساعدة كيلي، أن يخالف القوانين، مضيفاً أن الشركة ستسعى في المرحلة القادمة أن لا يكون نجاحها متوقفاً على افراد معينين!
الجرائم المتهم بها غصن تتضمن حتى الآن بحسب سايكاوا:
– عدم تصريحه بكامل ما يتقاضاه، مما يشكل خرقا للقانون المالي الياباني، خاصة أن الحكومة اليابانية اضافت مؤخراً في حزيران الماضي بنوداً تتعلق بالشفافية وضرورة تصريح الشركات عن رواتب كبار مدرائها. وهذه هي المرة الثانية التي يطبق فيها هذا القانون منذ اعتماده، وكأنه صدر خصيصاً لضرب غصن.
وقد ذكر سايكاوا أن غصن تقاضي في السنوات الخمس الماضية ما مجموعه 10 مليار ين (أي حوالي 68 مليون دولار) لكنه صرح فقط عن 5 مليار، أي انه أخفى مبلغ 34 مليون دولار بهدف التهرب الضريبي وعدم لفت نظر مالكي الأسهم في الشركة. وتعتبر هذه الرواتب خيالية في اليابان، خاصة وان غصن يتقاضى رواتب سنوية تبلغ 7.4 مليون يورو من رينو، و 5.7 مليون يورو من نيسان (الرقم المعلن عنه، بينما يتهم انه يتقاضى ضعف هذا المبلغ)، و 1.7 مليون يورو من ميتسوبيشي، أي ما مجموعه 14.8 مليون يورو سنوياً، علماً أن شركتي نيسان ورينو قد خفضتا رواتبه منذ سنة بنسبة 30%.
– استخدام ممتلكات الشركة بشكل غير شرعي. وقد ذكرت صحيفة Japan Times هذا الصباح أن غصن كان يستخدم بيوتاً تملكها الشركة في أوروبا مجاناً، مع أن الشركة تدفع له كلفة الإقامة.
وقد وصفت وكالة بلومبرغ ما حصل بأنه انقلاب على غصن لتطييره من منصبه، لأنه أصبح قوياً أكثر من اللزوم وأصبح عبئاً مالياً كبيراً.
كما تسود خبراء عالم تصنيع السيارات وكبار رجال الاعمال والمستثمرين، أجواء من التشكيك والتهكم، حول أن إخراج مسرحية التخلص من غصن كان فاشلاً وفاقعاً. فهل يعقل لشخص يتقاضى رواتب سنوية مصرح بها تقارب 15 مليون يورو، أن يخاطر بإخفاء خمسة ملايين إضافية للتهرب من دفع نسبة أعلى من الضرائب؟ وكيف يمكن إخفاء ذلك لمدة خمس سنوات عن شركة عملاقة مثل نيسان تخضع لكل أنواع التدقيق المالي الداخلي والخارجي ومن قبل الحكومة اليابانية؟ كما أن مسألة استخدام ممتلكات الشركة بشكل مجاني هي تهريج إضافي.
ومع أن كل الأطراف المعنية تلتزم الحذر لانتظار نتائج التحقيق، فقد سارعت شركة نيسان الى الإعلان عن اقالة غصن من منصبه كرئيس لمجلس ادارتها، وقالت ميتسوبيشي انها ستحذو حذوها، حتى قبل تبيان نتائج التحقيقات وقول القضاء الياباني كلمته في صحة أو بطلان الاتهامات الموجهة الى غصن ورفيقه. بينما صرح الرئيس الفرنسي أن الأولوية هي حماية استقرار شركة رينو، وأنهم سينتظرون نتائج التحقيق ليبنوا على الشيء مقتضاه، فيما يتعلق ببقاء غصن مديراً تنفيذياً ورئيساً لمجلس إدارة رينو.
أخيرا، فقد تناول الكثير من النقاد مسالة في غاية الأهمية، وهي العصبية اليابانية تجاه الأجانب، خاصة عندما يصبحون في مراكز قيادية تسمح لهم بتوجيه دفة المؤسسات. فمن جهة، القيادة الفردية التي تمتع بها غصن، وتركيز الأضواء عليه لأكثر من عشرين سنة، جعل منه ايقونة في اليابان والعالم وعملاقاً في عالم صناعة السيارات، وهذا بحد ذاته عكس الثقافة اليابانية المبنية على الفريق والجماعة لا على الفرد. ولا شك أن الكثير من قرارات وتوجهات ونجاحات غصن، خاصة في السنوات الأخيرة بعد نجاحه بإنقاذ نيسان وضم ميتسوبيشي وتحقيق ارقام مبيعات خيالية، كانت تشكل لهم طعنة في صميم ثقافتهم، كان عليهم أن يبتلعوها بسبب قوة غصن، وبسبب امتلاك رينو التي يمثلها لنسبة 43% من أسهم نيسان. وكون الحكومة الفرنسية هي من أكبر مالكي أسهم رينو، فقد أصبح لها مجالاً واسعاً في توجيه سياسات نيسان، وبالتالي إفقادها للهوية اليابانية مع الوقت. وكان غصن رمز هذا التدخل.
وترافق ذلك مع خطط أعلن عنها غصن، للدمج الكامل بين الشركات الثلاثة، تحت إدارة واحدة، بحيث توحد مصانع الإنتاج ومراكز التصميم والأبحاث وهيكليات الإدارة وشبكات التسويق. أي تحويل المجموعة الى إحدى أكبر الشركات العابرة للقارات… وهذا ايضاً يشكل خطراً كبيراً على الهوية اليابانية ويفسح المجال الى تدخل أوسع “للغرباء” في الاقتصاد الياباني.
لكل هذه الأسباب، تم التخلص من غصن، وبهذا الشكل المفاجئ الإنقلابي بحسب بلومبرغ والكثير من المراقبين، وبإخراج ضعيف. وينص القانون المالي الياباني أن عقوبات المخالفات في حال تثبتت، قد تتضمن السجن لمدة عشر سنوات، أو دفع غرامة مالية قيمتها 10 مليون ين، أو الاثنين معاَ، وغرامة على الشركة تبلغ 700 مليون ين.