المستذئب أسطورة رجل تحول مع اكتمال القمر الى ذئب يعيث في الارض الفساد
بقلم : دانيا يوسف*
أسطورة الرجل الذئب او ما يسمى في اللغة العربية المستذئب تعد من أقدم الأساطير وأشهرها في تاريخ البشرية. ويمكننا أن نجد قصصاً عن هذه المخلوقات المتحولة في التاريخ القديم في الصين ورومانيا وآيسلندا والبرازيل وهايتي.
وأياً كانت التسمية التي تطلق على هذه الفئة من الكائنات الأسطورية إلا أنها تتكلم عن شخص واحد يتحوّل في ضوء القمر الكامل او البدر الى ذئب في حجم إنسان. وعندما يتحوّل يعيث في الأرض فساداً ليلة كاملة حتى يغيب القمر او يطلع الفجر ويستمر مسلسل الرعب في كل ثلاث ليالي يكتمل فيها ضوء القمر ثم في الصباح يعود ذلك الكائن لطبيعته ويكون من العسير معرفة شخصيته.
وتذكر الأسطورة أن السبيل الوحيد للتخلص من هذه الكائنات الفتّاكة التي تتمتع بقوة هائلة هو طعنهم بنصل من الفضة في القلب بعد نزع مخلب من مخالبهم او أي شيء آخر من أجسادهم. فمن أين نشأت الأسطورة؟
هنالك الكثير من الروايات المتضاربة في هذه الأسطورة لكننا سنتناول ثلاث قصص مختلفة تفسر لنا ظهور هذه الأسطورة.
تمثل الأسطورة الأولى إحدى الكتابات المبكرة عن المستذئبين وقد كان مصدرها الإغريق ورومانيا وتفيد أن آلهتهم المزعومة قد مرت بقصر الملك “اليس” يوماً لكنه لم يصدق أنهم آلهة. لذلك وضع بعض اللحم البشري في أحد الأطباق العديدة التي وزعت على مأدبة الإحتفال بهم وبالرغم من أن أكل لحوم البشر أمر مقيت لكن في تلك المناطق النائية كان يستهان به. وبإكتشاف الطبق المعني كان غضب الآلهة عليه شديداً فمسخوه الى ذئب.
وبما أنه يحب أكل لحم البشر فقد رأت الآلهة أن هذه الصورة تناسبه أكثر فمن البشاعة أن يأكل الإنسان إنسان واما أن يأكل الذئب فإن هذا قانون يمثل شريعة الغاب ليس إلاّ.
أما الأسطورة الثانية فهي ايضاً من رومانيا وتفيد أن “كورن فليوس” رجل نبيل عاش في قرية أصابها وباء مات الجميع على أثره ما عداه كما إكتسب مناعة من نوع ما. وجاء من بعده ثلاثة أولاد أحدهم عضه الخفّاش فصار مصاص الدماء والآخر عضه الذئب فأصبح مستذئباً والأخير حُكم عليه أن يمضي وحيداً في طريق البشر الفانين.
وتأتينا الأسطورة الثالثة من ترانسلفانيا ويُقال إنها نشأت من أسرة إسمها “سخارو زان” وكانت عائلة إقطاعية منذ القرون الوسطى حكمت البلاد بالحديد والنار الى أن أصابت اللعنة نسلهم حيث يولد أطفالهم مذئوبين.
وكان المرض يبدأ بإسوداد لون الإدرار ثم مغص ثم يتحولون الى مسوخ ذئاب تعدي كل من تعضه وتصيبه باللعنة.
وعبر التاريخ كانت هنالك شواهد مريبة على هذه الأسطورة فقد وصفها الطبيب اليوناني “مارسيل ليوس” وتحدث عن ما يدعى “لايكا آنثروبي” أي حالة التصوّر الذئبي. وفي هذه الحالة عندما يأكل المريض اللحم النيئ يعوي كلما رأى القمر بدراً. وحتى العلماء المسلمون كتبوا عن هذا المرض ومنهم إبن سينا والزهراوي حيث لاحظ إبن سينا عند أحد مرضاه كثافة في الشعر وكبراً في الجبهة وخوفاً من الضوء وأسماهم حينها بالقطرب وهي محاولة لتعريب لفظة “لايكا آنثروبي”.
وحسب العلماء ظاهرة إسوداد البول والمغص المصاحب له التي كان يبتلى بها بعض الأشخاص وكثافة الشعر وحب اللحم النيئ هي اعراض مرض له تفسير علمي أطلق عليه مرض الرجل الذئب أما الأسم العلمي له فهو “برفيليا”. وهو عبارة عن إختلال تمثيل الحديد في جسم الإنسان ومن ثم تحدث اعراض المغص والبول الأسود أي المحتوي على كميات من الحديد.
وفي حالات نادرة تستطيل الأظفار وتبرز الأنياب ويتجعد الجلد وتصبح الحواجب كثيفة والشفاه متشققة والعينان حمراوين ويتجنب المريض الشمس لأنه لا يتحملها. وبإختصار فإن الإنسان تظهر عليه في هذه الحالات بعض الصفات الشبيهة بصفات الذئب من الناحية الظاهرية.
وربط القمر الكامل او البدر بالمستذئب هو بسبب ما يرمز له القمر من قوة غير طبيعية عند القدماء وقدرته على دفع البشر نحو الجنون.
ويبقى أن نذكر أن مصاصي الدماء الذين تربطهم علاقة وثيقة بإسطورة الذئاب البشرية يرمزون الى الطبقة الراقية من المجتمع المتميزة بالجشع والحرص ونهب ثروات المجتمع وإمتصاص دماء الطبقة الدنيا من البشر. بينما يرمز المذئوبون او المستذئبون الى الطبقة العاملة والكادحة وربما يرمز بهم الى الطبقة التي تقتص من الطبقة المستثمرة لصالح الطبقات المعدومة.
*إعلامية وناقدة