بمعزل عن كل الاعتبارات الأخرى. نريد أن نتوقف عند الاعتبار المهني المفترض في نشرة قناة الجديد مساء الخميس 11 تشرين اول الجاري، وفحص مطابقته اولا، للمعايير البحت مهنية في عمل الاعلام والصحافة، ثم عرضه على معايير أخلاقيات المهنة، ومطابقته لميثاق الشرف الاعلامي، فضلاً عن مدى ملائمته للقوانين اللبنانية النافذة في هذا السياق، ولا بأس من تفحصه بمقاييس الاعراف الدولية والتشريعات الاممية المتعلقة بالحريات العامة، ولا سيما ما يتعلق منها بحرية الرأي والتعبير، المندرجة ضمن اوراق “العهد الدولي لشرعة حقوق الانسان”.
تقول قناة الجديد في “فرمان” نشرتها اليومي الذي يسمونه بهتاناً بال”مقدمة الإخبارية” (وهذا بحث آخر يطول شرحه، حيث كل المدارس الصحافية والاعلامية ترذل وتمتهن بل تتنكر لهذه ال”فرمانات” الهمايونية وتعتبرها عيباً وخرقاً خطيراً لأسس المهنة وقواعدها وثوابتها) تقول :”اِفتتح البقاعُ موسِمَ الفيضاناتِ مستقبِلاً الإعصارَ مايكل “البعلبكي” وتسبّبَ أولُ الغيث بسيولٍ وانجرافاتٍ بحيثُ ضاربتِ المياهُ على بعضِ محترفي سرِقةِ السياراتِ في بريتال وسحَبت العرَباتِ بقوةِ الدفعِ المائيّ.!!!.
بربكم، أين الحِرفَة في مثل هذه العبارات الركيكة اخلاقياً ومهنياً وحتى إجتماعياً؟ ومنذ متى؟ وبأي شرعة يحق للاعلام مهما كان عالي النبرة والكعوب، وأخطبوطي الارتباطات المشبوهة على تناقضاتها، أن يَسِمَ بلدة بحجم مدينة من كبريات المدن بكل أهلها وناسها الذين يصل تعدادهم الى حوالى 40 الف مقيم ، بالسرقة واللصوصية؟! وإهانتهم بسمعتهم وشرفهم؟
حتى ولو أن في بريتال سارقين، شأنهم شأن غيرهم في غالبية القرى والمدن، بأي حق وأي قانون وأي شرعة يوسم كل أهالي البلدة بالسرقة؟!
فلو أعتمدنا عائلة الخياط الكريمة مثالاً اولياً وهي عائلة أصحاب المحطة المذكورة، وهناك عدد لا بأس به من العائلة نفسها منغمس بأقذر الجرائم والاعمال الارهابية التي تشيب لها الرؤوس، ليس اقلها محاولة تفجير الطائرة الاماراتية الشهيرة بركابها المدنيين خلال رحلة الى سيدني قبل مدة، ومنها أنجس إرهابي لبناني هو طارق الخياط الذي حكم عليه امس بالاعدام في العراق لضلوعه في أقذر جرائم العصر التي ارتكبت بحق الانسانية عموماً، والامثلة في هذا المضمار كثيرة لا تحصى .. ولكن هل يجوز لأي كان ان يطلق هذه الصفات على عائلة الخياط بأكملها؟!!.
وإذا كان مالك المحطة السيد تحسين الخياط واولاده عازفين فعلاً عن التدخل في ما يعتبرونه شأناً مهنياً، فهل لبنت المهنة المفترض انها آتية من مدارس عالمية عريقة في الصحافة كوكالة “رويترز” وغيرها، مريم البسام ان تقع عمداً في جريمة الافتئات على الكرامات الشخصية لاعداد غفيرة ممن يعيشون على سمعتهم ويعتاشون منها؟ وهي التي تعرف ان في عائلتها بالذات من السراق واللصوص، وخاصة ممن يأكلون اموال اليتامى بغير حق، ما يفوق سراق بريتال بأضعاف مضاعفة.
أنى لمريم ان تسوق ٤٠ الفاً من الناس وأكثر بجريرة عدد من اللصوص لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة؟
مديرة اخبار الجديد التي لطالما زعمت حرصها على المقاومة بوصفها من حررت الارض من المحتل، تدرك جيدا ان بريتال هي بلدة الشهداء الزاهية بفخرها، وهي البلدة التي أسست لهذا الخط النبيل، كما تعرف جيداً وبكل حزن وأسف ان عدداً من شهداء بريتال الابرار سقطوا ابان تحرير بلدتها عيناتا بالذات من الاسرائيلي الغاصب، والعدد الاخر الكبير زرع دمه على طريق التحرير في كل هضبات الجنوب وتلاله البهية. فضلا عمن قدموا ارواحهم ليحموا الوطن وكل أبنائه من الدواعش الغزاة، فلماذا كل هذا الجحود، وكل هذا العمى الذي يرفض إلا رؤية بعض النقاط السوداء في لوح بريتال الابيض الذي سيبقى ناصعاً بأحمر الشهادة وسمو شرف ابنائها والإباء مهما تطاول صغار الكَسَبَة.
الكلام في هذا السياق لا ينتهي ولن ينتهي، لكن ما جرى في ذلك ال”فرمان” المعيب يؤكد على انهيار ما تبقى من القيم والاخلاق لدى القيمين على محطة لم تكن مهنية بقدر ما جسدت واقع انها منصة سباب وشتائم وتعرض للكرامات.
يا حبذا لو توقفت محطة “الجديد” عن مهنتها في الردح وقذف الشرفاء، حتى ولو اختارت إكمال طريقها – مهمتها في الترويج للانحلال وتضييع القيم على كافة المستويات.