هل تشكل الحكومة بمن حضر ويترك نيل الثقة للضغوط الدولية..؟
بقلم العميد منذر الايوبي
لم تكن زيارة الرئيس المكلف نواف سلام الى القصر الجمهوري امس لتخرج عن مصادقة مزدوجة لمسودة وزارية نهائية منسجمة متجانسة في اصلها، معيار اساس عنوانه لا قدرة لاي فريق على تعطيل العمل الحكومي سواء بميثاقية دارجة او بالتوقيع الثالث وكلاهما بدعة عرقلة دون حق دستوري..! ليُسَجَل في اليوم التالي محاولة اعلان تشكيل الحكومة بالمراسيم المعتادة إثر حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري الى قصر بعبدا، لينتهي اللقاء الثلاثي البروتوكولي عقيمآ بعد ان تحول جلسة نقاش حول قبول او رفض الوزير الشيعي الخامس حامل مفتاح فشكلَّة الحكومة عند كل استحقاق..
ثم ان ما حصل ليس مبارزة بين الرئاستين الثانية والثالثة بحضور الحَكَم الرئيس الاول؛ بل تمسكآ من الرئيس المكلف بحق ممنوح له دستوريآ لا لَبسَ فيه؛ اذ لا يصح مشاركة رئيس المجلس النيابي في تأليف الحكومة ولو عرفآ، ليحفظ الرئيس سلام صلاحيةً غير منقوصة لم يحظَّ بفرصتها او لم يُقدِم على صونِها ربما اي من الشخصيات التي سبق وكلفت تأليف الحكومات بالثقة النيابية الممنوحه منذ اتفاق الطائف حتى اليوم..!
سياقآ؛ اتت التشكيلة المفترضة سعي ثلاثة اسابيع حَفَلت بموازاة جهود الرئيس سلام بانتقادات واسعة لأداء كما اتهامات حنث تعهدات، واذ توجب على صاحب الوزنات القليلة توزيعها بالعدل والقسطاس لكل على قدر طاقته وحجمه، الا ان شهية معظم الكتل والتيارات التقليدية والمستجدة صغيرها وكبيرها يرى حصته لا تسمن ولا تغنِ عن جوع في زمن الانتخابات النيابية القادمة.. كما بدا ان المعايير التي وضعها واعلنها القاضي السامي من على منبر بعبدا بعد الاستشارات الملزمة لم تَعُد عامل تسهيل في ظل تمدد المهلة الزمنية للتأليف، والزمن خصم عنيد يصعب هزيمته، من اولى تداعياته تلاشٍ تدريجي للدفع الدولي والعربي لم يَحُن وقته وربما لا تراجع عنه ان صَدَقَ اصحابه..
لكن الاصعب فيما لا طاقة له به مواجهة الحظر الاميركي لانضمام حزب الله الى الحكومة المرتجاة، فيما يعتبر حفظ التوازنات الداخلية السياسية بالقدر الواجب ضرورة بعد حرب واسعة شنها العدو الاسرائيلي في 19.09.2024 على لبنان، لتأتي زيارة الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس بيروت عشية غارات استهدفت جنوب لبنان وشرقه بالتزامن مع تحليق للطيران الحربي نهارآ فوق العاصمة لتكرس إثر لقائها وفريق عملها الرئيس جوزاف عون المتوقع المنحاز والغير مقبول معلنة هزيمة حزب الله العسكرية وبالتالي استبعاده عن المشاركة في الحكومة المرتقبة مع تنفيذ الاصلاحات المفروضة وبنود القرار الأممي 1701 بما سبقه وما سيتلوه..!
من هذه المنطلقات تساؤلات عدة تطرح في هذه الساعات الهامة من صنف التحديات:
اولها ان كان الرئيس سلام لا يضع في اعتباره الاعتذار عن التأليف ولا التراجع عن التشكيلة الموضوعة فقد يذهب احتمالآ نحو تأليف حكومة تكنوقراطية مطعمة سياسيآ محصورة عدديآ ب 14 وزيرآ .. تاركآ عملية نيل الثقة النيابية تتحقق تحت طائلة الضغط الدولي والاقليمي، مع ما يحمله هذا الخيار من مخاطر سواءً على المستوى الميثاقي او على صعيد ارتداداته شعبيآ ومذهبيآ سيما في ظل التركيبة النيابية الحالية..
ثانيها، هل سيسهل الرئيس بري تأليف الحكومة بالمسودة الموضوعة بعد لقائه الموفدة الاميركية اورتاغوس غدآ..؟ في ظل اعتبار قسم من الطبقة السياسية والحزبية ان هزيمة حزب الله في الميدان تفرض حكومة من صنعها او موالية لها.. علمآ ان هذا الامر متعذر سلوكه بعد ملابسات لقاء بعبدا اولآ كما بحكم التوأمة الغير قابلة للفصل جينيآ وعضويآ بين طرفي الثنائي الشيعي ثانيآ..
بينما اعطاء جرعة انعاش اميركية عبر عرض اطلاق ورشة عاجلة لإعادة الاعمار لم تعد تحتمل التأجيل مع تأمين الموارد اللازمة تحت طائلة السماح للعدو تمديد مهلة وقف اطلاق النار مجددآ بعد الثامن عشر من شباط القادم، بالتالي استمرار العمليات العسكرية والتدمير الممنهج ربما تكون مسألة فيها نظر..!
قد يصح القول ان الامور مرهونة باوقاتها، لكن البلد في مرحلة مصيرية لا تحتمل كل هذا اللغط والتسويف اللاعقلاني، حالنا كحبل مجدول مشدود من طرفيه ان انقطعت جديلة منه انهارت مقاومة الانضغاط وتمزق بالكامل..!
*عميد متقاعد كاتب