رواية من الخيال العلمي: سولاريس
خاص الدنيا نيوز – دانيا يوسف*
في المستقبل البعيد الذي بلغت فيه معرفة الإنسان حدوداً مذهلة قادته إلى غزو الفضاء والتحكم فيه بحزم وصرامة. هناك اكتشف كوكباً أطلق عليه اسم “سولاريس” وهو كوكب غريب ومستفز للعقل الإنسانيز فخلال المائة سنة الأخيرة عادت كل البعثات العملية التي أرسلت إليه بلا نتيجة تذكر ووقف الجميع حائرين أمام الإمكانيات الخارقة التي يتمتع بها المحيط الهلامي الرابض على سطح الكوكب والذي يمتلك من القدرات ما يجعله يخترق عقول العلماء ويعبث فيها بسهولة تامة. ومن هنا يأتي دور الشخصية الرئيسية في هذه الرواية الذي تم إرساله وحيداً إلى كوكب “سولاريس” من أجل معرفة ما يجري داخل المحيط. وببحثها عن سر هذا الكوكب، تبحر الرواية لمؤلفها ستانسلاف ليم في لجة من التساؤلات العميقة حول الشك واليقين وحقيقة وجود “الحقيقة” نفسها وحول مسائل ميتافيزيقة ظلت تؤرق الضمير الإنساني منذ الأزل.
يعتبر الروائي البولندي والفيلسوف والمفكر ستانسلاف ليم الذي ولد عام 1921 من أهم كتاب رواية الخيال العلمي على الصعيد العالمي وإن عرف في نطاق أقل بالنسبة للقراء. وقد ترجمت أعماله ومنها “سولاريس”، و”صوت سيدة” وغيرها الكثير إلى أربعين لغة ويبلغ مجموع عدد النسخ التي طبعت منها 27 مليوناً.
درس ليم في البداية الطب لكن الحرب العالمية الثانية أجبرته على التوقف. عمل مع المقاومة السرية ضد الالمان. وفي عام 1946 انتقل إلى مدينة كراكو المستقلة عن هيمنة الاتحاد السوفييتي، وتابع دراسته حتى النهاية، إلا أنه لم يتقدم للامتحان الأخير الذي يخوله لممارسة مهنة الطب وذلك ليتحاشى العمل كطبيب حربي. عمل كمساعد في الأبحاث التي تجريها المعاهد العلمية، وبدأ بكتابة القصص في وقت فراغه.
قدمت روايته “سولاريس” كفيلم سينمائي روسي عام 1972 ومن ثم أعيد تقديمها من قبل هوليوود عام 2002. ويذكر ليم بأنه اختار كتابة رواية الخيال العلمي، بسبب مساحة الحرية التي تمنحها له في ظل هيمنة الشيوعية في جمهورية بولندا إذ كانوا يعتبرون رواية الخيال العلمي خارج نطاق الأدب ولا تشكل خطورة على الرأي العام. وكان لأعماله تأثير قوي ليس على الأدب الواقعي فقط بل على نطاق العلوم أيضا. توفي ليم عام 2006.
تبدأ أحداث الرواية حينما يصل الطبيب العقلاني المتصف بالبرود “كريس كيلفين” إلى المحطة الفضائية التي يقيم فيها ثلاثة علماء يدرسون كوكب سولاريس، الذي أصبح مثار فضول علماء الأرض بسبب محيط البحر الذي يغلف هذا الكوكب والذي يبدو كعضو حي من نوع ما. وتصل قناعة بعض العلماء بأن هذا المحيط قد حاول التواصل مع الرجال في المحطة، وعليه فإن مهمتهم تتمثل بإجراء التواصل معه.
يدرك كيلفين لدى وصوله المحطة بأن شيئا غامضا يدور في المحطة. فالعالم الأول انتحر، والثاني يرفض مغادرة قمرته، أما الثالث فهو مضطرب جدا. وسرعان ما يكتشف سبب ما أصاب الرجال الثلاثة، وذلك عندما يرى شبح امرأة سوداء ومن ثم رؤيته لشبح زوجته يتجسد أمامه علما بأنها ماتت منتحرة قبل سنوات عديدة بسبب استهتاره بعلاقتهما وسوء معاملته لها.
وعلى الرغم من حالة الفزع التي انتابته لرؤية زوجته أمامه مجددا، إلا أنه استطاع أن يطرد ذلك الشبح خارج السفينة. ولكن لا تمضي بضع ساعات حتى يعود شبحها للظهور مجددا. ويدرك كيلفين بأن المحيط هو من يقوم برصد تجاربه على الإنسان من خلال مراقبة ردود أفعالهم لدى مواجهتهم لشبح يتجلى لهم من ذكريات ماضيهم الشخصية. أما بقية الرواية فتركز على الجهود المبذولة لحل اللغز المتمثل في التساؤل لماذا يقوم المحيط بهذا الفعل وما الذي يحاول قوله؟
الروايـه كانت إجابه خياليـة لتساؤل العالم الفلكي “كبلـر” قبل قرون عن وجـود حضارة سكانيـة خارج الأرض وهل تفوق حضارة البشـر؟ فأجاب هـربرت ويلـز في روايتـه “حرب العوالم” أن المتفوقين علينـا هم المريخيـون. أما آرثر كلارك بروايتـه “٢٠٠١ أوديسـه الفضاء” فاعتبر أن هناك حضارة مجهولة ألقت جسما أسـود مسطـحا ساهم بتاريـخ التطور البشري. هنا يجيب ستانسلاف ليـم أنه سولاريس العقل الضخم بجسـد كوكب. وصنّفت سولاريس من أجمل روايات الخيال العلمـي وأكثرها فلسفة لأنها تصور تساؤلات الإنسان عن الوجود وعن ضعفـه أمام العالم الكونـي الواسـع وأيضاً أمام عالم اللاوعي المصغر في داخلـه. لخّص ليم ما أراد قوله في روايته سولاريس بقوله: “كنت أريد أن أقدم رؤية عن حالة الإنسان لدى مواجهته لشيء ما موجود حتما وقوي جدا، إلا أنه لا يمكن تحجيمه تبعا لمفاهيم الإنسان وأفكاره وربما تصوراته. ولذلك أسميت الكتاب سولاريس وليس الحب أو الفضاء الخارجي”. واعتبرت الرواية واحدة من أهم روايات الخيال العلمي التي نشرت في القرن العشرين.
——————————
رئيسة القسم الثقافي في “الدنيا نيوز”.