أمير الريف…محمد بن عبد الكريم الخطابي

 

خاص الدنيا نيوز – دانيا يوسف*

“أنا لا أريد أن أكون أميرا و لا حاكما وإنما أريد أن أكون حرا في بلدي، لا أطيق من سلب حريتي أو كرامتي.”
إنه من قادة التحرر العربي، ومن المؤسسين لحرب العصابات الثورية. مقاوم مغربي حارب الاحتلال الفرنسي والإسباني، وأسس كياناً سياسياً مستقلاً في منطقة الريف. وهو من الدعاة لوحدة دول المغرب العربي. إنه الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
النشأة:
ولد محمد الخطابي سنة 1881 في بلدة “أجدير” بريف المغرب، والده هو الشيخ عبد الكريم الخطابي زعيم قبيلة “ورياغل” الأمازيغية. في طفولته حفظ الخطّابي القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم قصد جامعة القرويين بمدينة “فاس” لدراسة العلوم الشرعية واللغوية. وبعد تخرجه اشتغل بالقضاء الشرعي، وعمل في تحرير جريدة “تلغراف الريف”، وقد ساهم في صقل شخصية الخطابي.
المغرب بين استعمارين:
مع بداية القرن العشرين، تقاسمت إسبانيا وفرنسا النفوذ في مملكة المغرب التي كانت تعاني ضعفا وانقساما داخليا، ففيما سيطرت فرنسا على السلاطين المغاربة من خلال معاهدات الحماية، كانت إسبانيا تسيطر عسكرياً على القسم الشمالي من المغرب، الممتد بمحاذاة الساحل، والذي يعرف ببلاد الريف، وتسكنه قبائل في معظمها ذات أصل أمازيغي، وأشهرها قبيلة ورياغل، التي ينتمي إليها محمد عبد الكريم الخطابي.
تصدّى زعماء الريف للطموحات الاستعمارية الإسبانية، وفي مقدّمتهم والد الخطّابي، الذي رفض الخضوع للإسبان، وتقديم فروض الولاء لهم. وأدى هذا الخلاف إلى قيام الإسبان بعزل الخطابي الابن عن القضاء الشرعي، وسجنه نحو عام قبل أن ينجح في الفرار، ليلتحق بوالده الذي كان يعد العدة لقتال الإسبان.
من القضاء إلى إشعال الثورة:
توفي عبد الكريم الخطّابي عام 1920، وخلفه ولده محمّد في زعامة قبيلته، حيث كان في التاسعة والثلاثين من عمره، فاستكمل مسيرة والده موحداً عدداً من قبائل الريف استعداداً لمحاربة الإسبان.
وفي تلك الأثناء كان الجنرال “سلفستر” قائد قطاع مليلية يزحف نحو بلاد الريف ليحكم السيطرة عليها، بغية تحقيق انتصارات سريعة ينهي بها حياته العسكرية ويمحو بها هزائمه السابقة.
كانت قوات الجنرال الإسباني مجهزة بالأسلحة والمدفعية، فلجأ الخطابي إلى استدراجها إلى عمق الريف عبر تجنّب المواجهة معها والانسحاب الممنهج. فاستمرت القوات الإسبانية في التوغل حتى تمكنت من الوصول إلى منطقة أنوال واحتلالها في أيار/ مايو عام 1921.
بعد ذلك بدأ الخطابي بتطبيق أسلوبه العسكري الخاص عبر تطويق القوات الإسبانية، واستنزافها وقطع طرق إمدادها، وشن هجمات خاطفة، والقضاء على التجمعات العسكرية الصغيرة. أدرك الجنرال سلفستر بأنه وقع في الفخ، فقرر الانسحاب بقواته المنهكة، فهاجمه الخطّابي ودارت معركة أنوال الفاصلة، حيث أبيد الجيش الإسباني البالغ عدده خمسة عشر ألف جندي، واستولى الثوّار على كميّات هائلة من السلاح والعتاد والمؤن، هذا في حين لم يكن عدد الثوار يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل.
وحد انتصار أنوال قبائل الريف تحت قيادة الخطابي، فهب أبناء القبائل يطاردون فلول الإسبان، الذين أصبح وجودهم مقتصراً على مدينة تطوان وبعض الحصون الساحلية مع توالي هجمات الثوار.
من الثورة إلى بناء الدولة:
غدا محمد الخطابي زعيم الريف، فاتجه إلى تأسيس دولة منظمة سميت دولة الريف دون أن يتنكر لسلطان ملك المغرب، أو يتطلع إلى عرشه.
“لا أريدها سلطنة ولا إمارة ولا جمهورية ولا محمية، وإنما أريدها عدالة اجتماعية، ونظامًا عادلاً يستمد روحه من تراثنا.”
وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته تتمثل في عدم الاعتراف بسلطة الفرنسيين في المغرب، وفي إجلاء الإسبان من المناطق التي احتلوها، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول، والاستعانة بالخبراء لبناء الدولة. ودعا إلى وضع دستور لدولة الريف، وجرى تشكيل برلمان باسم الجمعية الوطنية، كان قراره الأول إعلان الاستقلال الوطني، وتأسيس حكومة دستورية لقيادة البلاد. وأسس جيشا نظاميا على حديثا، وعمل على تنظيم الإدارة المدنية، وشق طرق المواصلات ومد أسلاك البرق والهاتف، وأرسل مبعوثين إلى العواصم العربية للحصول على تأييدها، وطلب من دول أوربية الاعتراف بدولة الريف.
صدى الهزيمة في إسبانيا:
كان من أثر هذه الهزيمة المدوية للأسبان أن قام انقلاب عسكري عندهم بقيادة “بريمو دي ريفيرا” سنة 1923، لكن هذا لم يغير من حقيقة الأوضاع في المغرب شيئا، ولم تعلن الحكومة الجديدة إنهاء احتلالها للمغرب. الأمر الذي دعا الخطابي إلى مواصلة شن الهجمات على المحتلين، فهاجم مدينة تطوان عام 1924 وكادت قواته تسيطر عليها. وباتت القوات الإسبانية في مأزق حقيقي، ما دعا الحكومة الإسبانية للبحث عن حليف يساعدها على مواجهة الخطابي والقضاء عليه.
سياسة فرنسا مع الخطابي:
فوجئ الفرنسيون بانتصار الخطابي على الإسبان، ورأوا فيه خطراً حقيقياً على نفوذهم. فقد خشيت فرنسا أن يكون نجاح الخطابي عاملاً مشجعا للثورة ضدها في كل من الجزائر وتونس، وأن يدفع قيام جمهورية قوية في الريف المغاربة إلى الثورة على الحماية الفرنسية. لذا قرروا التدخل في القتال مع الإسبان ضد الخطابي.
بدأت فرنسا تبحث عن مبرر للتدخل في منطقة الريف. فحاولت إثارة الأمير الخطابي أكثر من مرة بالتدخل في منطقته، وكان الخطابي يلتزم الصمت أمام هذه الاستفزازات تجنباً للقتال في جبهتين، مكتفياً بالتحذير والاستنكار. ثم علمت فرنسا على تحريض حفائها للتحرّش بالريف، فلما تصدّى لهم الخطابي، أعلنت فرنسا الحرب عليه بحجة حماية أنصارها، واندلع القتال في نيسان/ابريل عام 1925 وفوجئ الفرنسيون بالتنظيم الجيد لقوات الخطابي، وببسالتهم في القتال، فاضطروا إلى التزام موقف الدفاع طيلة أربعة أشهر، وأصيبوا بخسائر فادحة، فقررت فرنسا توحيد جهودها مع إسبانيا لهزيمة الخطابي.
استسلام الأمير الخطابي:
وهكذا باتت دولة الريف بقيادة الخطابي تواجه حرباً ضارية على امتداد جبهتين. وقد دعم الإسبان والفرنسيون قواتهم بإمدادات ضخمة، واستخدمت الغازات السامة بحق المدنيين.
قرر الخطابي تسليم نفسه للقوات الفرنسية كأسير حرب حقناً لدماء مواطنيه، ولانعدام إمكانية مواصلة القتال، فقامت فرنسا بنفيه إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي عام 1926.
الإقامة بالقاهرة:
عام 1947، قررت فرنسا إعادة الخطابي بحراً إلى المغرب لاستخدامه كوسيلة ضغط بوجه سلطان المغرب محمّد الخامس. وخلال رسو السفينة في مصر، تمكن الخطابي من مغادرة السفينة، وطلب اللجوء السياسي من الحكومة المصرية.
في القاهرة بدأ “الخطابي” عهدًا جديدًا من النضال من أجل تحرير بلدان المغرب العربي. فأسس لجنة تحرير المغرب العربي”، وتولى هو رئاستها، وضمت مجموعة من المغاربة المقيمين في مصر.
وفاته:
ظل الأمير “محمد الخطابي” مقيمًا في القاهرة، يتابع نشاط المجاهدين من أبناء المغرب العربي المقيمين في القاهرة، ويمدهم بنصائحه وإرشاداته، وقد شهد تحرره من سيطرة الاستعمار .
توفي الأمير الثائر محمد الخطابي في السادس من شباط/ فبراير عام 1963.
لفترة طويلة غُيبت شخصية الخطابي وتجربته الرائدة سياسياً وعسكرياً، قبل أن يعاد الاعتبار إليها تدريجياً، فباتت شخصيته وحركته نموذجاً مضيئاً في حركات التحرر في العالمين العربي والإسلامي.

—————————————

* رئيسة القسم الثقافي في موقع “الدنيا نيوز”