محكمة العدل الدولية ترفع البطاقة الحمراء..!
بقلم العميد مُنذِر الايوبي*
تعليق الاعمال القتالية؛ منع الإبادة الجماعية الامتناع عن القتل أو الإصابات أو تدمير الحياة ومنع الولادات؛ منع التهجير والحرمان؛ الامتناع عن التحريض ومعاقبة الأفعال التي تشجّع على الإبادة الجماعيّة وتدعو إليها؛ مع ضمان الحفاظ على الأدلة؛ تقديم تقارير مستمرة إلى المحكمة حول الاجراءات المتخذة والامتناع عن كل ما يفاقم الوضع.. ما ورد اعلاه تضمنته الدعوى التي قدمتها دولة جنوب افريقيا على اسرائيل مدعمة بالوثائق امام محكمة العدل الدولية في (لاهاي-هولندا) تحت عنوان منع جريمة الإبادة الجماعيّة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والمعاقبة عليها. استنادآ لاتفاقية عام 1948 الموقعة من 152 دولة بينها اسرائيل، أخذةً بعين الاعتبار أن عملية طوفان الاقصى لا يمكن أن تبرِّر ما يرتكبه الجيش الاسرائيلي من مجازر في قطاع غزة..
انطلاقآ من خلفية تاريخية قائمة على معاناة لا تمحى وميراث عظيم متراكم في رفض ومقاومة التمييز العنصري، كما تعكس جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبت بحق شعبها، اقدمت دولة جنوب افريقيا على ما لم تقدم عليه الدول العربية كما الاسلامية المعنية اولآ واخيرآ بالقضية الفلسطينية. وبصرف النظر عن مسار الاجراءات القانونية والقضائية المستندة على ميثاق الامم المتحدة وقواعد الاختصاص، فإن القرار الصادر عن المحكمة “بعد جلستي الاستماع للفريقين القانونيين لكل من دولة جنوب افريقيا واسرائيل” شكل انتصارآ معنويآ وانسانيآ للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، كما اظهر جدية في تطبيق العدالة الدولية برزت بعض سماتها من خلال سرعة اصدار القرار دون تأخير او مماطلة، وبلورت في آن رضى غير معيوب مبني على قناعة لدى القضاة، سويةً غير قابلة للنقاش او الطعن، مثيتة بما ورد او عرض من ادلة “تم جمعها خلال 13 اسبوعآ” كافية لتثبت وتؤكد نمطآ من الافعال والنوايا والتحريض يبرر الادعاء المعقول على ارتكاب جرائم الابادة الجماعية من قبل جيش العدو الاسرائيلي..!
في السياق، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل السماح بإدخال المساعدات الانسانية الى قطاع غزة، إذ ورد في متن التقرير “على إسرائيل اتخاذ إجراءات فورية وفعالة للسماح بتوفير خدمات أساسية ومساعدة إنسانية يحتاج اليها الفلسطينيون في شكل ملح لمواجهة ظروف العيش غير الملائمة”..
تاليآ، لم ولن يكون القرار صرخة في واد اذ أثار اهنمامآ لا لبس فيه فرض اجتماع مجلس الامن الدولي يوم الاربعاء القادم 31 من الشهر الحالي للنظر في قرار محكمة العدل الدولية الذي دعا إسرائيل الى منع أي عمل «إبادة جماعية» محتمل في قطاع غزة، وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية، علمآ ان الاجتماع حدد بطلب من حكومة الجزائر حيث أفادت وزارة الخارجية أن الرئيس عبد المجيد تبون وجّه بعثة بلاده الدائمة لدى الأمم المتحدة بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي من أجل إعطاء «قوة إلزامية» للحكم الصادر … مع الاشارة الى ان قرارات محكمة العدل الدولية التي تبت في النزاعات بين الدول، مبرمة وملزمة قانونآ، لكنها لا تملك أي وسيلة مباشرة لتنفيذ أحكامها فيكون الامر والأمل معقودآ على مجلس الامن الدولي حيث ترفع تقاريرها اليه ..!
توازيآ، وصفت وزارة الخارجية في جنوب أفريقيا القرار بعد صدوره بـ”الانتصار الحاسم” للقانون الدولي و”خطوة على طريق الألف ميل في البحث عن العدالة للفلسطينيين”. بالمقابل لا رهان على التزام العدو الاسرائيلي بمقررات المحكمة اضافة الى ما سيصدر عن مجلس الامن الدولي من قرارات طالما انها لا تتضمن اللجوء الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة “المواد من 39 الى 51” الواردة تحت عنوان (فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان)..!
في الترددات؛ ستواجه الدول الداعمة للكيان الغاصب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية سواء سياسيا ام عسكريآ أرغامآ شبه اكراه مشوب بإحراج للتخلي ووقف المدد التسليحي اللوجستي والمالي لحكومة العدو..
من جهة اخرى؛ لا يمكن تجاهل خطوات بنيامين نتنياهو المعتادة في كنس خطاياه وجرائمه تحت السجادة بمعنى الهروب الى الامام، هو على يقين انه احرق كل بطاقات الجزاء والكارت الاحمر الذي رفعته محكمة العدل الدولية يعني عقوبة دون استئناف، اذ ان لجنة التحقيق التي ستشكل بعد حرب غزة تنتظره وقادة جيشه ليوم حساب عسير..
في خضم الحرب القائمة على الشعب الفلسطيني وما يطرح من مقترحات من قبل الثلاثي الاستخباراتي وليام بيرنز CIA ديفيد برنياع MUSAD اللواء عباس كامل المخابرات المصرية بالمشاركة القطرية الشيخ محمد عبد الرحمن رئيس الوزراء هدف انضاج صفقة تبادل الاسرى تفتح ثغرة في الجدار المسدود لتعنت نتنياهو ، سٌجِلت تحركات لوجستية ضخمة باتجاه الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، اذ حشدت قيادة اركان الجيش الاسرائيلي ثلاث فرق عسكرية مدرعة 319 والفرقة 36 التي تضم لواء غولاني وفرقة الجليل 91 اي ما يعادل 100.000 جندي على طول الجبهة مع لبنان، ذلك بالتزامن مع توقيع اللواء ايال هاريل رئيس قسم التخطيط في جيش العدو على صفقة تسلح استثنائية سواء في الحجم او النوعية سيتم تنفيذها على الفور وتسليم جزئها الاهم: سرب من طائرات F35 (خمسة وعشرون طائرة) وسرب F15 AI (خمس وعشرون طائرة). ما يطرح جديآ وبنسبة مرتفعة اطلاق الحرب المفتوحة على حزب الله ولبنان.
ختامآ؛ اذا استثنينا لعنة العقد الثامن والنبوءات بزوال إسرائيل فإن هوس الخوف لدى شعبها ومستوطنيها سيبقى ماثلآ لاجيال وسيدفعون ثمن جنون نتنياهو وغيلان اركانه..! اما دولة جنوب افريقيا فستبقى قبلة الاحرار..بعد اطلاق سراحه من السجن ليصبح رئيس الدولة يقول نيلسون مانديلا «نعلم جيدًا أن حرّيتنا غير مُكتملة دون حريّة الفلسطينيين… مثلما هو الحال مع نضالنا، هم يدافعون عن حق تقرير المصير».. لا عقاب اقسى من الزمن لكن التردد والمماطلة في انزاله ايضآ يضاعف حجم الجريمة ويشجع الاشرار على التمادي في التوحش؛ ما يفرض على مجلس الامن الدولي الاخذ بقرار المحكمة الدولية ووقف الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني سريعآ..!.
طرابلس في 29.91.2024
عميد متقاعد، مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية