يا ذاتي…
بقلم : فاطمة صالح*
بغيابكَ، تصحّر قلبي،
ولم أعد قادرةً على لملمة شَتاتَ روحي،
طارت عصافيرٌها المغرّدة،
كل عصفورةٍ باتجاه
لم تعُد تعرف كُنهَ ذاتها.
سناجبُ أشجارها، تتقافز، باحثةٌ عنها،
تلهث،
تتوه،
جداولها تراجعتْ قليلاٌ،
ثم ضَلّتِ الطريق،
فراحت تتفرّع في اتجاهاتٍ عشوائية،
تبحث عن مَنبعها،
عن مَصَبّها،
عن غدرانها،
وعن أغنيات البلابل.
بغيابكَ، الذي لم أفهم له سبباً وجيهاً،
لم أعُد ذاتي،
ككلّ كائناتيَ التائهة، تهتُ،
تشقق إهابي،
غارت عيناي،
تحوّل كستناءُ شعري، إلى بقايا رماد،
وزيتونُ عينيّ، إلى لبلابٍ،
يتسلّق الأماكنَ،
عَله يراكَ من عَلٍ، لكن…!
مياهُ روحي تناثرت ذرّةً، ذرّة،
كلها تحتجّ على هذا الغياب الكافر،
كلّ ذرّةٍ تحطّ، بجناحيها النديّين،
على غصنِ زهرة،
أو شفةِ أقحوانة، أو جبينِ زيتونة،
مقتنعةً أنّ غيابَكَ مَرحَليّ، أسبابه غامضة،
لكنها ستجدكَ حيث تحطّ، باحثةً، لاهثة،
متأكدةً أنكَ ستعود،
بكاملِ بهائكَ، وجلالِكَ، ومكانتك عندي.
لن أتزيّن، بانتظارِ لقائكَ،
فقط، أحلمُ باتحادنا،
كاتحادِ الغيمِ بالمطر،
كالروحِ بخالقها،
لاتنفصل، حتى الأزل.
عُد، أيها الروحُ العذبة،
عُد إلى ذاتي، ياذاتي.
بيديكَ مفاتيحُ الغيم، والآفاق،
والأبوابُ مُوارِبة.
كم خفتُ أن تصدأ المفاتيح..!
ونزفتْ عينايَ، حتى كادَ الجفافُ يطمسها،
لم أستعِد بعضاً من رحيق،
إلاّ عندما تأتيني علامةٌ،
تؤكّد حضوركَ،
لكن.. متى ؟
ها إني ألمَحُ طرَفَ خيطِ ثوبكَ الأخضر،
يلوحُ خلف الضباب،
خلف الغيوم الداكنة،
التي تحجبكَ عني.
لاتطِلِ الغياب،
فأنا، بدونِ أوراقكَ، جرداء،
فرَطّبْ شفاهَ الروح، بندى حضوركَ الباذخ،
لأستعيدَ ذاتي،
ياذاتيَ الراقية.
————————————-
* كاتبة وشاعرة سورية