الكوكب على ناصية لاعقلانية .. فهل تدفع فوالق “الحزام الزلزالي الالبي” نحو التفاوض ؟
بقلم العميد منذر الايوبي*
في شباط الماضي علق الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب على سياسة واداء الادارة الاميركية الحالية فيما يتعلق بالملف الروسي-الاوكراني قائلآ:
“أن تصرفات بايدن، وسياسته تجاه أوكرانيا، تدفع الإنسانية نحو حرب عالمية ثالثة”• على الرغم من جموحه وعنصريته وتطرفه احيانا في الكلام والسلوكيات الا ان الرجل في موقع المسؤولية وخلال فترة رئاسته اثبت براغماتية لافتة حد ضبط ايقاع مؤسسات صنع القرار لا بل التمايز عنها..!
تاليآ، اثر الزيارة المفاجأة التي قام بها الرئيس بايدن الى كييف الاسبوع الماضي لتأكيد دعم بلاده وحلف شمال الاطلسي للرئيس فلوديمير زيلينسكي والقوات الاوكرانية، لم يتردد ترامب على خلفية جيناته “الكاوبوية” Cowboy من الاعلان امام تجمع من مؤيديه في فلوريدا “انه في حال إعادة انتخابه مرة ثانية رئيسآ للولايات المتحدة سيتصل على الفور بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني، ويرتب اجتماع قمة لحل الوضع حول أوكرانيا فى أسرع وقت ممكن”..!
استطرادآ؛ وفي تناغم جمهوري واضح، لم تثنِ الزيارة حاكم ولاية فلوريدا Ron DeSantis مع معظم المسؤولين الجمهوريين المنتخبين من مواصلة انتقاداته داعيآ الى مساءلة بايدن عن طريقة وحدود الهبات المالية الضخمة التي تضغط على معيشة دافعي الضرائب الاميركيين، في ظل غلاء الأسعار وموجات التضخم التي قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة..!
في سياق متصل؛ يعتبر الرئيس ترامب وكتلة من اعضاء الكونغرس ان ارسال المزيد من الأسلحة الاميركية المتطورة إلى كييف، بما فيها صواريخ ودبابات قتالية حديثة، كما التحضير لفرض حزمة عقوبات جديدة لم يُثنِ الاتحاد الروسي متابعة عمليته.. ومن منطلق انتخابي بديهي متوافق مع رؤية استراتيجية متماهية مع بعض قيادات البنتاغون يرى “ان بايدن وضع بلاده على طريق التدمير ويجب الا ينجح في ولاية ثانية”..
ميدانيآ؛ مع دخول العملية العسكرية للجيش الروسي عامها الثاني، فالمعطيات تؤكد اطالة امد الصراع سواء لجهة تحرك القوى وتموضعها على الجبهات ام على ضوء ما تحقق وينجز من الاهداف الاستراتيجية الموضوعة، لا سيما في ظل الدعم الغربي العسكري الغير مسبوق للجيش الاوكراني المتواصل بشكل ممنهج وبوتيرة مرتفعة كمآ ونوعآ..
توازيآ، تتابع القوات الروسية تحضيراتها للحظة الحاسمة (هجوم الربيع) المنتظر بهدف تحقيق خطوات نوعية لتثبيت خطوطها ومتابعة التقدم مع محاولة الامساك بالمحاور والنقاط الهامة كذلك استعادة العديد من المناطق شرقاً. مما يعني بقاء الافق مسدودآ امام الحلول والمساعي الديبلوماسية الحميدة؛ وهذا ما عكسته زيارة الرئيس بايدن الى كييف..
في التراجيديا الاوكرانية؛ اتت زيارة الرئيس الاميركي من حيث الشكل دراما مسرحية بامتياز، وبصرف النظر عن اعلام القيادة الروسية بها من باب التنسيق الوقائي، فان احاطتها بالسرية والتكتم بشكل غير مسبوق فبل 48 من اقلاع الطائرة الرئاسية Air Force one من قاعدة اندروز الجوية نحو العاصمة البولندية وارسو، من ثم التوجه بالقطار الى كييف، اضافة الى اعتماد لعبة التمويه كاصدار جدول اعمال البيت الابيض دون لحظ الزيارة، وخروج الرئيس لتناول العشاء مع زوجته في احد مطاعم واشنطن قبل المغادرة، لم يكن ليحفظ هيبة اميركا العظمى ولا قائد العالم الحر وفق المحللين رغم التبرير المعلن تحت غطاء (اسباب امنية)..! كما بدا السياق الاستخباراتي سطحيآ غير ذي جدوى، عندما كشفت وكالة “رويترز” أن صفارات الإنذار انطلقت في أنحاء كييف، مع زيارة بايدن، مشيرة إلى عدم وجود أنباء عن هجوم صاروخي في هذا الوقت.
من جهة اخرى، في استدراك للدعم الشعبي ألآخذ بالتآكل استنادآ لاستطلاعات الرأي، ما يضع الرئيس بايدن على المحك في وضع حرج امام ناخبيه ومؤسسات الدولة العميقة وهو الذي جازف بقدر هائل من رصيده السياسي في دعم اوكرانيا- بلغت قيمة المساعدات على تنوعها “مئة مليار دولار” حتى الآن- فإن توقيت الزيارة قبل ايام من الذكرى الاولى للغزو لها وقعها، دلالة رمزية بات يحتاجها ورسالة حازمة الى الكرملين ارادها في مضمونها العملي اللا دبلوماسي ان دعم الولايات المتحدة وحلفائها لاوكرانيا مستمر في وجه “التوسع الاستبدادي”، لا سيما بعد الاعلان عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة تتضمن: نظام الدفاع الجوي الصاروخي Patriot، الصواريخ المضادة للدبابات طراز Javelin 148، بطاريات المدفعية الدقيقة (القذائف الذكية- ذخائر الهجوم المباشر المشترك JDAM’S) والدبابات الثقيلة M1 Abrams..
بالتزامن مع مواصلة دعم كييف، اعلن وزراء خارجية “مجموعة السبع” G7 إثر اجتماعهم الدوري في مدينة ميونيخ و بِحَثٍ من المستشار الالماني شولتز “وفق ما سرب من كواليس المؤتمر”، الابقاء وتعزيز العقوبات ، فضلا عن “دعوة دول اخرى إلى وقف تقديم المساعدة لروسيا”،
ومن قاعة المؤتمرين وعلى خلفية Trauma “فاجعة” تاريخية من استخدام السلاح النووي اعلنت الخارجية اليابانية: “عدم مقبولية الخطاب النووي غير المسؤول لروسيا الاتحادية، مشيرةً إلى أن استخدامه سيترتب عليه عواقب وخيمة”.
كذلك انطلاقآ من الوضع التراكمي المتوتر في جنوب شرق اسيا وبحر الصين الجنوبي “ما يتعلق بجزيرة تايوان، وتطوير كوريا الشمالية الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، الخ..” اضيف الى البيان الصادر بنهاية الاجتماع اشارة وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن “عارض المجتمعون المحاولات الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال القوة أو الإكراه”..!
مع دخول العملية العسكرية عامها الثاني لا يرى الغرب سوى نجاح رهانه على صمود كييف ولو بمقدار بوجه الجحافل الروسية؛ مما سيدفعه الى مزيد من التحدي وبالتالي تسعير الحريق الاوكراني.. وفي حمأة الصراع المحموم، يقف الكوكب اليوم على ناصية لاعقلانية بين شرق وغرب، ومن منطلق الخشية صنو القلق فنسبة امتداد النيران الى اوروبا الغربية ودول حلف NATO مرتفعة. ربما يكون المحفز للذهاب الى طاولة المفاوضات تحرك “فوالق الحزام الزالزلي الالبي” Alpine seismic belt الممتد من الحافة الجنوبية لاوراسيا حتى شواطيء المحيط الاطلسي غرب القارة الاوروبية؛ اذ مع الاسف لا تتحرك الانسانية وتقفز فوق صراعاتها والحروب سوى بوجه الطبيعة، ولنا في التضامن الاقليمي والعربي اثر زلزال 6 شباط الذي ضرب تركيا وسوريا خير مثال..!
بيروت في 02.03.2023