عصابة بيع أطفال بطلها طبيب وممرض … !
خاص – “الدنيا نيوز”
بقلم : العميد أنور يحيى*
بعد حادثة خطف الطفلة أنجي (11 شهرا)، لمدة 11 يوما ، بتاريخ 28 -12-2007 في الميناء طرابلس وأستعادتها من قبل مديرية المخابرات في الجيش اللبناني ، وخطف طفلة أخرى في البداوي ، طرابلس والكشف عن تورط أحد الأطباء في بيروت بعملية بيع الأطفال الى عائلات تتبنى أطفالا ،لقاء مبالغ عالية.. علما أن الطفلة ضحى ، 3 سنوات،أختفت في بلدة كفرشلان ، الضنية،عام 2007 ولم يعثرعليها لاحقا، تناقلات الناس أشاعات حول تكاثر عمليات بيع الأطفال حديثي الولادة ,والأتجار بهم لقاء مبالغ مالية .
أصدرنا توجيهات في قيادة الشرطة القضائية للتشدد بمراقبة عصابات بيع الأطفال والتصدي لهذه الظاهرة المقلقة ، بظل الحاجة المادية وتراجع هيبة الدولة.
ترتبط جميلة ،29 سنة ، من بلدة عرسال بعلاقة حميمة مع قريبها جميل،33 سنة ، والذي يعمل مزارعا في حقول الأهالي وبدخل مادي وضيع لا يمكنه من استئجار منزل وأقامة أسرة. رفض ذوو درة الموافقة على تزويجها من جميل لضيق اليد.. عرض على جميلةأن يجامعها لتحمل منه وبذا يلزم أهلها بالموافقة على مشروع الزواج. وافقت وهي التي عانت بالعيش مع أهلها وعذاب الحقل، فحملت منه وبدأ بطنها بالأنتفاخ وعندما فاتحتها أمها بأسباب ذلك ، أخبرتها بان كيسا من المياه ينتفخ في أسفل بطنها وستعالجه قريبا في مستشفى الهرمل الحكومي.
سرت أشاعات في البلدة بأن بعض النسوة يبعن أطفالهن الى عصابات تدفع لهن بعض الأموال دون أن ينكشف أمرهن.
زارجميل وجميلة عيادة الدكتور جورج في مستشفى الهرمل الحكومي ،والمتخصص بالتوليد، وحدد لها الأول من حزيران 2009موعدا للولادة. أخبره جميل بان هذا الجنين هو نتيجة علاقة غير شرعية مع قريبته لان أهلها رفضوا الموافقةعلى الزواج لعدة أسباب،. فعرض عليه الطبيب أن يأخذ الطفل مقابل الولادة المجانية في مستشفى حكومي ويقدم للأم خمسماية دولارأ لبنانية كأعانة.
أحد المخبرين الصادقين من عرسال أفاد أحد رجال التحري في مكتب مكافحة السرقات الدولية بهذه المعلومات ، يوم الولادة وأن الطفل سينقل الى الأشرفية –بيروت لتتسلمه أحدى الراهبات فيدير مقابل تقديم مبالغ مالية لقاء استلام الطفل وحدد الأنتقال بسيارتي مرسيدس برفقة الطبيب والممرض سعيد العامل في مستشفى الهرمل والذي أنتخب رئيسا لبلدية في قرى قضاء بعلبك.
على الفور طلبنا من مفرزة بعلبك القضائية أستثمار هذه الأستخبارات الدقيقة بالتنسيق مع النيابة العامة في البقاع والقيام بالتحقيقات والأجراءات اللأزمة.
ظهر يوم 3-6-2009 تمكنت دوريات من الشرطة القضائية من ضبط الطفل ضمن لفافة تحمله تفاحة ،زوجة سعيد ،الذي يقود سيارته المرسيدس ، متوجها الى بيروت الأشرفية لتسليم الطفل الى دير الراهبات، وأوقفت سيارة مرسيدس تسير خلفهم وفيها الطبيب :جورج والممرضة جانيت،حيث أقتيد الجميع الى دائرة تحري بعلبك للقيام بالتحقيقات العدلية اللأزمة.
بالتحقيق أعترف سعيد ، بأنه أتفق مع الطبيب النسائي، جورج،الذي أشرف على ولادة درة في مستشفى الهرمل الحكومي والذي تسلم الطفل الذي ولدته جميلة ، منذ يومين وأتفق مع الراهبة جنفياف في الاشرفية، والتي سبق أن سلمها ثلاثة أطفال على دفعات، مقابل خمسة ملايين ليرة لبنانية ،بحجة تسليمها الى والدة المولود ،لتدبر أمرها، لكنه كان يسلمها خمسماية ل.ل. ويتقاسم الباقي مع الطبيب جورج.وأفاد بأن الراهبة كانت تتصل به من حين لأخر تسأله عن أمكانية تزويدها بأطفال جدد ،لأن هناك الكثير من العائلات يطلبون أطفالا للتبني بعد عجزهم عن أنجاب الأولاد!.
أودع الطفل مدير مستشفى الهرمل الحكومي لرعايته والمحافظة عليه ريثما تقرر النيابة العامة مصيره. أعترف الطبيب ، جورج، بأقدامه على تسهيل الولادة للسيدات دون التطرق الى شرعية العلاقة أو عدمها،وأنه لم يتقاض من الممرض ،سعيد، أي مبلغ رغم أصرار هذا ألاخير على مقاسمة المبالغ التي يقبضها من الراهبة في الأشرفية ،مقابل تسليم الطفل، مع الطبيب جورج وهي المرة الخامسة التي يجري فيها الطبيب عمليات ولادة مماثلة نتيجة علاقات غير شرعية بين شاب وفتاة في مجتمعات يغلب عليها الطابع الزراعي والقروي وقلة الوعي الأسري والرعاية الصحية.
صباح الرابع من حزيران 2009 ، توجه قائد الشرطة القضائية الى مفرزة بعلبك القضائية وحيث أوقف الطبيب والممرض وتُركت السيدتان بسندي أقامة وفقا لأشارة النائب العام الأستئنافي في البقاع، وأستمع الى افادة الراهبة جنفياف ،التي أكدت أستلامها لعدة مرات سابقة أطفالا من سعيد ، ولم تتوسع بالأستعلام عن مصدر وظروف الولادة والنسب لهؤلاء الأطفال وكانت في كل مرةتدفع له خمسة ملاين ليرة لبنانية ،كأكرامية ومساعدة.
أعلمنا وزير الصحة ونقابة الأطباء حيث حضر أحد اعضائها للأطلاع على ما أقدم عليه أحد أعضائها ،ليس بدافع أنساني ،ووفقا لقسم أبقراط الذي تعهد العمل به بكل الظروف، وأنما بهدف الكسب المالي.
وفقا لأشارة النيابة العامة أحضرنا والدة الطفل وأهلها ،أضافة الى جميل وأهله الى مبنى المفرزة في بعلبك وأقترحنا على النيابة العامة مباركة السعي لعقد زواج جميل وجميلة في المفرزة من قبل شيخ تحدده المحكمة الشرعية في بعلبك بعد أجراء فحوص الحامض النووي DNA للطفل، والتي جاءت مطابقة لخصائص جميلة وجميل ،فوافقت وقد بارك أهل الأم والأب هذا العقد وقد كان شهوده رجلين من التحري واللذين كانا من المحققين بالقضية ووزعت الحلوى أحتفالا بعقد الزواج الذي جعل من علاقة غير شرعية أنتجت طفلا ليس للبيع ،أنما ليربى في كنف أهله وليس بطريق التبني. ، وقد ساهمت قيادة الشرطة القضائية بمبلغ معين لتكوين الأسرة وقد تسلمت الأم طفلها من مستشفى الهرمل الحكومي، وحرصنا على عدم انتقام أهل جميلة من جميل ،بسبب ما أقدم عليه، وأتفق الجميع على دعم الأسرة الجديدة.
تركت الراهبة بسند أقامة، بأعتبار أن سعيد ،الذي درج على تسليمها أطفالا حديثي الولادة،يستحضرهم من أماكن متعددة حيث يعمل في المستشفى الحكومي،وأن المبالغ التي كانت تعطى له ، تشجيعا له لأنقاذ الأطفال من مكب النفايات أو الموت المحتم، علما أن كثيرين يطلبون منها أطفالا للتبني وفقا للشريعة المسيحية.
أن توقيف الطبيب والممرض اللذين تعاونا على تسلم أطفالا حديثي الولادة وأغراء أمهات ببعض الأموال ،لقاء بيعهم الى دير الراهبات وحيث يزداد طلب بعض الأزواج الذين لم يرزقهم الله أولادا، لقاء قبض أموالا بصورة غير مشروعة، ترك أرتياحا في المجتمع البقاعي وثبت لديهم قدرة التحري بتعقب الجريمة مهما كانت مستترة وخفية بكفاءة وجدارة.
أن دور الشرطة القضائية لا ينحصر فقط بملاحقة المجرمين ومكافحة الجرائم والتفتيش عن الأدلة في مسرح الجريمة، بل يتعدى ذلك لتطبيق مبادىء الشرطة المجتمعيةcommunity policing وأقامة أفضل العلاقات مع أفراد المجتمع ،بذا تقل جرائم الثأر،وتنخفض معدلات جرائم القتل والتعدي لاسيما في المناطق البعيدة عن العاصمة ،وحيث يظهر رجال الأمن ،ممثلي الدولة في تلك الدساكر،أنهم بخدمة المجتمع والمحافظين على السلامة العامةوحماية الضعيف قبل القوي وتنفيذ القانون.
أن ضعف المحاسبة وأنعدام الرقابة على الموظفين ،أطباء كانوا أم أمنين،قد يدفع بهم نحو الأنحراف والفساد وتخطي أحكام القانون ، هذه القضية لم تكن الأولى حيث ينخرط الطبيب والممرض بأستغلال أصحاب الحاجة،بحجة أنقاذهم من الفضيحة والمشاكل، فيبيعون أطفالهم لقاء أستفادة مالية غير مشروعة.ويشكل ذلك جريمة الأتجار بالبشر.القائمة على أستغلال ضعف الغير من قبل عصابات مجرمة،تنتهك شرعة حقوق الأنسان.
أن التعاون بين المخبرين ،الذين كانوا يثقون بالشرطة القضائية، ورجال التحري، ومتابعة القيادة لتطور معدلات الجرائم في لبنان وتنوعها، يجعل أمكانية التصدي لها من الشرطة والقوى الأمنية أكثر فعالية،فتنخفض معدلاتها،وتظهر هيبة الدولة، راعية الجميع دون تفريق ، فتنتشر السكينة وحينها نؤكد بأن المجتمع هو الشرطة ،والشرطة هي المجتمع .
——————————-
* قائد سابق للشرطة القضائية