مسكنات دولية لأزمة وجودية تبقي لبنان لأجل مسمى
بقلم: نمر ابي ديب*
بالرغم من إستثنائية المرحلة ومؤثراتها الوجودية، سقط التكليف النيابي في فراغ التأليف السياسي، ضمن ترجمة أولية لمفاعيل الإجتماع الثلاثي الذي جمع سفراء الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في لبنان دوروثي شيا، وآن غريو مع سفير المملكة العربية السعودية في لبنان أيضاً وليد البخاري وأفضى إلى توافف ثلاثي الأبعاد أميركي فرنسي سعودي أولى نتائجه المباشرة إستقالة الرئيس المُكلف سعد الحريري في لحظة سياسية حرجة من مسار الأزمة الوجودية التي يعيشها لبنان على كافة المستويات السياسية الصحية الإجتماعية والإقتصادية، ما أَكَّد على جُملَة عناوين أساسية أهمُها:
– مركزية الخلافات السياسية الموجود اليوم على الساحة الداخلية في هندسة تحالفات الغد الإنتخابية النيابية منها وحتى الرئاسية ما يطرح على المستوى الداخلي أكثر من علامة إستفهام سياسية وتساؤل، حول النتيجة البرلمانية والمرحلة المقبلة من ضمنها هل سيكون لبنان في المراحل المقبلة أمام واقع إنتخابي إنقاذي بمستوى الأزمة؟ أم محطة دستورية يدخل من خلالها الجميع مرحلة جديدة من الإنقسام العامودي بتشكيلات مختلفة وموازين تُجَسِّد في حدها الأدنى صورة مُصَغَّرة للواقع الإنحلالي الذي يعيشه لبنان اليوم، والمساحات الداخلية الفاصلة بين مكونات الوطن الواحد سياسياً مناطقياً وحتى إجتماعياً؟
– التباين في أولويات القوى الأساسية المعنية في الملف اللبناني سواء كانت إقليمية وأقصد إيران، مصر، سورية والمملكة العربية السعودية، أم دولية وباتت تتمثل اليوم في ثلاثية الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، وروسيا الإتحادية.
إنطلاقاً من ما تقدَّم قد يكون التوصل إلى تشكيل حكومة مهمة مُرفقة بعناوين إنقاذية كبيرة، ومواصفات أصلاحية بعيدة عن فئوية المصالح السياسية والحسابات الظرفية، أولوية وطنية في إمتياز تحاكي في واقعيتها السياسية الحجة الدولية المُعلَنة لمساعدة لبنان ودعمه إقتصادياً وهذا لا يعني مطلقاً تلازم في المسارين اللبناني الوطني من جهة والإقليمي الدولي الذي سعى ويسعى مع بعض الداخل إلى أحداث مُتَتغَيِّرات جوهرية في بُنيَة الأكثرية الحاكمة من جهة ثانية، إنطلاقاً من فوارق سياسية وعناوين أساسية أبرزها: الدافع المنبثق سياسياً من غايات وأهداف ظرفية وحتى إستراتيجية للدول المعنية في الملف البناني.
التباين في نظام الأولويات مع دول إقليمية وأخرى غربية مُستثمرة إستراتيجياً في أستحقاقات لبنان الأساسية، الإنتخابات النيابية المقبلة وحتى الرئاسية ضمن أولويات عديدة أهمُها:
– تثبيت الوزن التمثيلي داخل البرلمان لقوى أساسية معنية بشكل مباشر في الملف الرئاسي، وهذا يُمَثِّل على الساحة اللبنانية تعويم إنتخابي لطبقة سياسية لم تتأخر في تقديم أوراق إعتماد دولية في مرحلة حرجة دقيقة وحساسة من تاريخ لبنان وأزمته الوجودية.
– العمل بمفاعيل الثلث المزدوج، الضامن والمعطل في حكومة قد تكون إستثنائية بتوقيت جداً إستثنائي قادر على منحها مجتمعةً فرصة أستلام صلاحيات رئاسة الجمهورية إذا تعذر إجراء الإنتخابات النيابية ومن بعدها الرئاسية في موعدها، وهنا يجدر التساؤل عن مُسببات العرقلة الحكومية داخلياً وحتى خارجياً؟ عن شخصية الرئيس المقبل، وقدرة الأسماء المطروحة للتكليف على إعتلاء الموجة الثلاثية الأميركية الفرنسية السعودية بدوافعها الخارجية وأهدافها الداخلية، مع ما تتطلبه سياسياً عملية تمرير الهجمة الخارجية السياسية حتى اللحظة على حزب الله.
أستكمالاً لما تقدَّم يعيش لبنان اليوم مرحلة متقدمة من صراع الأولويات الناظمة بشكل كامل للحيات السياسية اللبنانية على ثلاث محاور.
– “داخلي” محكوم ضُمناً بسقف الإنتخابات الرئاسية؟ والتسويات الداخلية بِبُعدَيها الرئاسي والإنتخابي إنعكاس واضح لحجم التأثير ومستوى فاعلية الهندسة السياسة في بنية النظام الداخلي اللبناني.
– “خارجي” على مسارين لبناني/إقليمي من جهة ولبناني دولي محكوم في هذه المرحلة بسقف الأنعاش الإقتصادي المشروط بتغيير الأكثرية النيابية داخل البرلمان وإجراء الأصلاحات السياسية.
– “اقليمي” منبثق بالدرجة الأولى من صراع المحاور الكبرى، على المستوى الإقليمي إيران المملكة العربية السعودية، سورية، مصر، وتركيا،
على المستوى الدولي الولايات المتحدة الأميركية/روسيا الإتحادية/فرنسا، وهنا تجدر الإشارة إلى موقع لبنان الجديد على الخارطة الشرق أوسطية مع ما يُمَثِّل من ثقل إستراتيجي لكلا المحورين، ومساحة أساسية تضاهي في أولويتها العسكرية أكثر النقاط الإستراتيجية حضوراً في المنطقة وذالك بعد التهديد الذي شكله تفجير مرفأ بيروت لدول المتوسط.
السؤال الآن هل تخوض المنظومة الدولية اليوم معركة إخراج لبنان من أزماته الحالية وفق الحاجة اللبنانية، وتَدَرُّج الأولويات الوطنية؟ أم ما يجري تطور إستثنائي في معركة تثبيت النتائج الإستراتيجية التي فرضتها “حرب الدولار” على الساحة اللبنانية؟
أمام هذا الواقع يقف لبنان اليوم وحيداً عاجزاً بين فشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون الدولة وتمرير المرحلة في أقل خسائر ممكنة، وبين القدرة على فرض الشروط الوطنية في مراحل الصياغة الدولية للواقع اللبناني الجديد، وفي هذا أزمة حكم مستقبلية قد تتظهر مفاعيلها السياسية لاحقاً عند أول منعطف سياسي أو مفصل إستراتيجي تعبر به السياستين الإقليمية والدولية.
في الخلاصة لبنان في نفق أزمة مستمرة، حيث لا يلوح في أفق المعادلة الدولية حتى اللحظة بوادر حلحلة حقيقية لأزمته الوجودية، وما يمكن أن نشهده جميعاً على المستوى الحكومي أو غيره، لن يتعدى في إطاره العام حدود المُسكنات الدولية، في مرحلة باتت تتطلب على المستوى الدولي إبقاء لبنان على ما هو عليه إلى “أجل مسمى” إلى حسم موقع لبنان العسكري والسياسي على خارطة النفوذ الدولي الروسي الأميركي في المنطقة وحتى ذلك الحين حمى الله الجميع
—————
كاتب وناشط سياسي