قائد الجيش .. طرابلس معك وليست عليك…
بِقَلَم العميد مُنذِر الايوبي*
زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون مدينة طرابلس الاسبوع الماضي ولقائه الضباط قادة القطع والافواج في توجيهاته علامة فارقة تعكس ارادة وتحسسآ بالمسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية. تاليآ ان هذه المسؤولية تفرض عدم السماح بجر المدينة الى الفتنة المعتادة المعتمدة منذ عقود على توقيت المنعطفات السياسية الداخلية حينآ والتشابك الاقليمي حينآ آخر؛ في نفس الوقت تلافي استدراج القوى العسكرية الى عمليات كر وفر في الشوارع وازقة المدينة القديمة مع مجموعات الشبان، أكانوا مأجورين خيانةً ام غاضبين حفآ لما آلت اليه الاوضاع المعيشية والحياتية..
مما لا شك فيه ان هذا النوع من المهام يتطلب الكثير من الحكمة والمرونة، اضافة الى القرار الحاسم في آن.
اذ ان البيئة موالية وفق امر العمليات، اما المواجهة العسكرية فستكون مع الخلايا التخريبية، اضافة الى المحرضين على اعمال العنف ومرتكبي الاعتداء على الاملاك العامة والخاصة، هم كُثُر فائض سوء في الفيحاء الشامخة؛ وهنا الهدف الاساسي منع اعادتها (صندوقة بريد) عضوا ملتهبا في جسم الوطن؛ مما يستوجب من الخطوة الاولى كبح الرغبة واقتلاع النية او القرار باشعال الفتيل من اية جهة اتى معلنآ ام مضمرآ او على تواطؤ، هذا ما تبدى من خلال صاحب الزيارة التفقدية وتبلور في تظهير الارادة والقدرة المتوفرتان للمنع والحسم.
استطرادآ، يشاهد اهل المدينة بعد مآس تكررت خيالات شبحية لكثر من السياسيين وقيادات المدينة على زجاج نوافذ الابنية المهترئة وواجهاتها، كما يقرأون تورط هؤلاء في دمغات اموال على السلاح الموزع مجددآ والذخيرة الوفيرة..! اضافة الى علمهم ان اصابع اجهزة المخابرات الخارجية لها في فائض النفوذ حيزآ من ادوات تحقيقه اغراءات الدعم السياسي او المالي على خلفية طموح مبتذل سطحي او عوز جسيم. اما الايديولوجيا المرتبطة بعناوين حزبية واهية كما الانتماء الديني فكلاهما من المحفزات التلقائية ما عادت قابلة للصرف عفوآ..!
من جهة اخرى؛ رغم بعض الهنات الهينات ضمن هامش طبيعي في ممارسة القيادة، وهي في مفهومها والمبادىء فن وعلم وموهبة في آن. اثبت القائد رغم فتوته انه يعمل بعقله ويناور بفكر مستنير وفق الظروف ودقة الاحداث ونوعية المرتقبات. بالتوازي فإن استخدام زنوده ك آخر الخطوات، وهي في البنية الجسدية كالمقلاع اساسآ، وفي بنية الجيش عديدآ وعتادآ درع غير قابل للاختراق.
في سياق متصل، رغم حملات اعلامية تحريضية ضد، او انتقادية بناءة مع، تستهدف الشخص من نافذة الطموحات، بالتالي المؤسسة من باب نمو القدرات تسليحآ وتدريبآ. فمن الثابت حتى الآن “على امل الاستمرارية” ان الطموح للفوز بكرسي الرئاسة قاتل يدركه، وان زياراته الخارجية ومقابلته رؤساء بنوعية الفرنسي ماكرون ليست اكثر من دعم آني تقليدي للمؤسسة وبالتالي قائدها الحالي بحكم خطورة المرحلة وحجم التحديات التي تمر بها البلاد والاقليم .
اذ ان اللقاءات البروتوكولية او تلك التي تغطي الدعم المالي والتسليحي ليست هي نفسها المسلك المؤدي الى تبوأ الرقم الاول في السلطات الدستورية.
في حال اللبنان، يعيش الوطن ازمات سياسية لها انعكاسات مصيرية على الكيان ووحدته لم يسبق ان مر بها في تاريخه، كما يعاني من انهيار غير مسبوق للبنى الاجتماعية والادارية مع تلاشٍ للسلطات والامكانات في كافة المجالات. ان الحالة الراهنة هي من فصول ارتكاب جريمة متمادية في الزمان وثبوت المسرح في المكان. انها نحر شعب بخنجر طائفي واسالة دمه على ارصفة الدول في سطو منظم على مدخراته واذلال متعمد في لقمة عيشه ودوائه وتحصيل علم ابنائه.
في اللحظات المصيرية ؛ ما زالت الفرصة النادرة السانحة للانقلاب على النظام الفاسد والامساك بمقدرات البلاد ضمن منهجية تعليق الدستور بالقوة واعلان حالة الطواريء، ثم تأمين اجراء انتخابات نيابية نزيهة خلال شهر واحد بحضور مراقبين من الامم المتحدة وبالتالي تسليم السلطة لما تفرزه النتائج وفق السياق الدستوري- “لعمري” على قول الشهيد الرشيد- امر ذو صفتان: متاح – مباح. في الاولى “محاذرة” من منطلق انضباطية القائد والتزامه امرة السلطة السياسية لا خشية انقسام الجيش كما يروج وهو امر عفا عليه الزمن. اذ ان الضباط والعناصر تجاوزوا عن عقيدة وطنية ثابتة راسخة ومؤكدة الفرز الطائفي او المذهبي و فرضية الانتماء لهذا الزعيم او الحزب او …! وان لم يكن قلة من بعضهم عن قناعة والتزام بالقسم فمن باب وحدة الالم والمعاناة وبؤس عيش عائلاتهم ذويهم.
اما صفة المباح “الثانية” فتأتي واضحة كنور الشمس و”التلافي” قرار قائد لا خشية احتراق من وهج. اذ ان اهل البلد على تنوع شرائحهم الاجتماعية حتى اولئك ذوو الولاءات الحزبية لا يخشون انقلابآ من هذا النوع لا بل انه مطلب. فتولي الجيش السلطة مرحليآ تأسيسآ للجمهورية الثالثة العادلة النزيهة الطموحة يحقق حلم الكهول قبل مغادرتهم الى دنيا الحق راقدين مطمئنين، ويسعى اليها ارباب العائلات رغبة عيش كريم رغيد، كما ينظر اليها الابناء والاحفاد ضوء على مستقبل بعد نفق مظلم..!
خِتامَآ؛ طرابلس في عين العاصفة لكن الضغط المرتفع يحجبها وهو صنيعة واداء القوى العسكرية المنتشرة واجهزة الاستعلام الوطنية الناشطة. الامن القومي للوطن مرتبط بهذه المدينة، وهو خط احمر لا يمكن السماح بتجاوزه. طرابلس مدينة من عبق التاريخ وعمق الجغرافيا في معاناتها نموذج مصغر عن بؤس وطن نال من اهلها بأيادي سبأ سيجرف السيل العرم ساستهم بعد ان لدغهم ضمور فكرهم واسقطهم انحلال مبادئهم..!
سيعود الربيع قريبآ على الربى الثلاث “TRIPOLIS” ويتناغم صوت ألأذان من مساجد المنصوري والعطار والبرطاسي وألأويسي مع وقع اجراس كنائس مار نقولا ومار جاورجيوس ومار ميخائيل ومار مارون.. طرابلس امانة “مون جنرال” انها معك لا عليك وللجيش واجب الحمى..!
طرابلس في 05.07.2021