الحرب البحرية وأبعادها الجيو اقتصادية والسياسية.
بقلم : د. غسان الخالد
شهدت قناة السويس حدثا مشبوها شكلا ومضمونها، لأنه أدى إلى تعطل حركة المرور ولمدة أسبوع تقريبا، ولهذا التعطيل إثر اقتصادي كبير على التجارة الدولية قد تستمر تداعياته لأشهر قادمة، على الرغم من السيطرة على الحادث وإعادة السفينة الجانحة إلى وضعها الطبيعي.
من الملاحظات الهامة، ما كتبه الدكتور عابد الزريعي، ولخصه في سبع ملاحظات هي بمثابة تساؤلات مشروعة، تحمل في مضامينها تساؤلات أخرى، تجعلنا نفكر مليا في ما حصل، وفي أهداف ما حصل، وفي الأبعاد. وجميعها لا تستبعد إلغاء وظيفة قناة السويس، او على الاقل افقادها لجزء مهم من وظيفتها، مع ما يعنيه ذلك في التأثير السلبي على الاقتصاد المصري الذي يعاني اصلا من وضع قد لا يحسد عليه. من هذه الملاحظات :
١_مرجعية السفينة القانونية وثانيها خصائصها ومميزاتها والتي تجعل من مسألة الجنوح أمرا مشبوها، وثالثها فئتها المرتبطة بخصائصها ورابعها الصور الموزعة والتي تفيد في عدم تطابق ما حصل مع توصيف الجنوح، وخامسها ما بثته وكالة نوفوستي عن المسار الغريب للسفينة. وهذا كله يطرح سادسا فرضية الحدث المتعمد، والذي يخفي وبعيدا عن نظرية المؤامرة، مسألة الممرات المائية البديلة.
أن الحديث عن الممرات المائية البديلة يقودنا في نفق واحد لكنه ليس بالنفق المظلم، فهو واضح تماما وضوح الشمس،انه يصب في السيطرة على التجارة الدولية، والسيطرة على الممرات من خلال إيجاد بديل، بات جاهزا وربما قد بدأ الشروع به من خلال مراحل عديدة. انه قناة بن غوريون الذي وقعت اتفاقية العمل به وربما قريبا سوف نشهد مباشرة العمل به.
القناة المزمع إنشاؤها لها مميزات أفضل من قناة السويس، لأنها ستربط المتوسط والأحمر، اي أنها ليست قناة واحدة بل قناتين، وهو ما يسمح بحركة عبور يومية بعكس قناة السويس التي تعتمد نظامين يشبهان بالشكل نظام المفرد والمزدوج. ومع أن مصر قد وضعت في صورة ما يفكر الكيان به، الا انها استبعدت ذلك ربما لأنها طبعت كنظام منذ عقود معه، وتناست مشاريع السدود التي نفذت في إثيوبيا وما حملته من آثار سلبية وتوتر في العلاقات بين الدولتين. وربما تناسى القادة المصريون منذ السادات واتفاقية كامب ديفيد، وما قبلها مطالبة الكيان بمد قناة مياه من النيل، اي بحصة من النيل الذي كنا نقول عن مصر انه هبة النيل،وان السدود أنشأت بعد الرفض المصري رغم التطبيع. وهو ما يذكرنا بما قدمته تركيا في ثمانينات القرن الماضي في ما سمي مشروع أنابيب السلام الكبرى، من خلال مد انبوبين عبر سوريا أحدهما يذهب للكيان والآخر للخليج. وقد رفضت سوريا كما السعودية في ذلك الوقت لما قد يترتب على ذلك من دور وتأثير على القرار العربي..
تبدلت الصورة الان واستطاعت السعودية ومن خلال دعمها السيسي من جعل مصر تتخلى عن جزيرتين، وللأسف لم تدرك مصر أهمية هاتين الجزيرتين سابقا وكان الهم الأوحد تثبيت حكم السيسي، اما الان فقد توضحت الصورة، ذلك أن القناتين المقرر إنشاؤهما يمران في هاتين الجزيرتين. وهنا يطرح التساؤل المشروع عن ما حدث في مرفأ بيروت وفقدانه لدوره أيضا. وهنا أيضاً يطرح التساؤل المشروع أيضا في تحول الانفتاح الخليجي على الكيان الصهيوني كبديل عن مرفأ بيروت وربما لاحقا عن قناة السويس كممر. وتساؤل مشروع آخر يتلخص في مدى ارتباط ما يحصل بصفقة القرن من خلال ما نسميه اصطلاحا الجغرافية التواصلية. وكذلك علاقة كل ما يحصل مع هدف الكيان محاصرة إيران كما دول الخليج أيضا بعد تبدل القيم السياسية وتحول إيران إلى العدو الأهم بالنسبة للخليج والكيان.
وأيضاً … وأيضاً تساؤل آخر حول علاقة الغرب بما يحصل بعد تأكدهم من العمل الجاري على قدم وساق في سبيل إعادة إحياء أو إعادة الحياة إلى خط الحرير القديم.
وفي هذا الصدد نقلت وسائل إعلام كثيرة عن خبراء اقتصاديين أوروبيين، أن أكثر من نصف المشاريع التي وردت في الاتفاق الصيني الإيراني كانت من حصة أوروبا، وضمن سلة تفاهمات بين الاتحاد الأوروبي وإيران، لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضت على إيران، والانضباط الأوروبي في الامتثال لهذه العقوبات والناتج ربما عن المنة الأميركية في مشروع مارشال بعيد الحرب الكونية والذي لا تزال أوروبا اسيرته قد افقد الاقتصاد الأوروبي بعضاً من المشاريع التي كانت ستنعش اقتصاد الاتحاد. ويبقى أن نستنتج أن كل ما حصل وما يحصل وما قد يحصل،إن هو إلا حرب جيو اقتصادية وجيو سياسية تعبر عن إعادة التموضع للدول، والرابح هو من يفكر استراتيجيا وبشمولية وليس لحظويا ووفقا للمواقف المنفصلة ومعالجة كل مشكلة على حدى.انه الاقتصاد المؤثر والمرتبط بالسياسة بشكل يصعب معه التفريق والتمايز.