النزوح الديني …
بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي *
تاركين وراءهم وطنآ و عائلات تسكن عقولهم و القلوب كما الذكريات و يوميات حياة ، مشاةً حفاةً ينزحون على ظهورهم اطفالهم و في ايديهم ما خف حمله و غلا ثمنه مع زاد و ماء ، ينتقلون و الخطوات ثقيلة موجعة بين الصحاري و الغابات تائهين بَحثآ أو قاصدين سَبقآ ملاذآ آمنآ لأسباب تكالبت عليهم سيان منها الحُروب أٓ كانت دينية ام بربرية توسعية ، يأسٍ و معاناةٌ في شظف العيش أو انتشار Spreaded مجاعة و إنتثار Scattered وباء ، خوف من جور و ظلم و بعد عن اضطهاد سياسي و فكري ، تمييز على انتقام و قتل أكان عنصريآ او ايديولوجيآ Racial and ideological discrimination كما في العرق و الدين عَلى اختلاف المذاهب او المعتقدات Dogmas ..! كثيرون لطالما خاضوا عباب البحار توقآ لرسو عَلى ارضٍ مجهولة او معلومة لا فرق منهم مِن افلح و نجا فوصل و بنى و منهم مِن اسلم روحه غرقآ في لجج المياه الباردة غذاء لمفترسات الاعماق المالحة ..!
مِما لا شك فيه ان اللجوء و النزوح وجهان لعملة واحدة كلاهما قسريتين في تمييزهما اكاديميآ و بالمختصر ان اللجوء يتم مِن دولة لاخرى عَبرَ الحدود اما النزوح فهو داخل الدولة الواحدة مِن منطقة لأخرى ..في هذا التمييز الاكاديمي وِفقآ للقانون الدولي ومعاهدة الامم المتحدة للاجئين عام 1951 صفعة لمسؤولين لدينا ارتكبوا هَنَةً غير هَينَة في رفضهم اطلاق صفة اللاجئين عَلى المواطنين السوريين الذين فروا مِن حرب عصفت بوطنهم بل اصروا عَلى وصفهم بالنازحين مرتكبين قصدآ او عفوآ خطأ اعتبار اللجوء دائم و النزوح مؤقت و هذا جسيم فالصفة مرتبطة هنا بالمكان لا بالزمان …
تاليآ ؛ بصرف النظر عن عرض مراجعة تاريخية لحركات الهجرة و النزوح عَلى مر قرون مِن الزمن فان حركات النزوح السكاني عَلى خلفية الانتماء الطائفي شملت معظم بلدان العالم و بشكل خاص منطقة الشرق الاوسط كونها مهد الديانات السماوية الثلاث؛ فقد ارغم مئات الالاف مِن اتباع مذاهب و ديانات عَلى الفرار بدافع الخوف مِن اعتداءات و مذابح وصلت الى حد افراغ مناطق و مدن بكاملها ؛ و رغم انعدام الاحصائيات الدقيقة مِن مراجع صالحة مختصة فإن النزوح المسيحي عَلى صعيد الاقليم هو الاغلب ألأعم نتيجة التواجد الطبيعي في محيط اسلامي كبير تسللت اليه و هيمنت عليه تنظيمات ارهابية اصولية و كُثُر من رجال علم و دين انحرفوا عن طريق الهداية و الحق مأجورين لأجهزة استخباراتية يبثون افكارا متطرفة تخدم اهداف مشغليهم ، و هو الاخطر “النزوح المسيحي” دون مجاملة او “تربيح منية” كونه يمزق النسيج الاجتماعي المميز و الفريد في هذه الاوطان كما يقضي عَلى ذلك الاحتكاك الحضاري جاعلآ مِن الاغلبية الدينية الصرفة في حالة انعزال اجتماعي مرضي Pathological Social Isolation و رؤيوية محدودة في الفكر و الانتماء ..!
استطرادآ ؛ عَلى مَدى عدة عُقود اصابت الحروب التي شنت بين و عَلى دول الاقليم مِن المجتمعات المتعددة الانتماءات الدينية مقتلآ ، فقد نزح مئات الالاف و لجأ و هاجر اضعافهم بدءا مِن النكبة الفلسطينية و الحرب الاهلية في لُبنان ايضا الغزو الاميركي للعراق و الحرب السورية و ما نتج عن كل منها مِن مآسٍ و الالام ..
اما التنظيمات الارهابية (داعِش و اخواتها) فكانت تؤدي وظائفها في ارتكاب المجازر و المذابح تنفيذآ لمخططات التطهير العرقي و الديني و المذهبي تبث الرعب و الخوف في مِن تمسك بارضه او تردد في الفرار عبر بث متواصل لمشاهد دموية بربرية مستخدمة دون هوادة وسائل الاعلام المرئية و التواصل الاجتماعي ..! تقارير تحمل قدرآ مِن المصداقية اوضحت على سبيل المثال لا الحصر أنه “في محافظة حمص السورية تراجع عدد المسيحيين من حوالي 160 ألفآ قبل النزاع المسلح الى بضعة ألالاف “.. و في العراق شن مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي هجومات متفرقة سيطروا خلالها على مناطق واسعة من اهمها مدينة الموصل مرغمين ألالاف مِن المسيحيين و اقليات اخرى كالازيديين و الصابئة على الفرار نزوحآ و تهجيرآ ، كما ان تجاوزات اجتماعية و تمييز بسبب الانتماء الديني و المذهبي و ممارسة الشعائر او اختلاف المعتقدات وقعت في هذا البلد نتيجة عدم تقبل الآخر مما اسس لبيئة عدائية تحمل عنفية و قسوة في الممارسات اليومية و حتى تمييزآ في الوظائف الحكومية ..!
امثلة كثيرة عن هذا التمييز و الاضطهاد الديني و ما ادى اليه مِن موجات نزوح اكثر مِن ان تعد فالاقباط في مصر ليسوا افضل حالا و في بورما المسلمون يعانون مِن مجازر و ارتكابات دموية ناهيك باعمال العنف و القتل بحق الهندوس في الهند و آسيا الوسطى كما ان المواجهات المسلحة بين الروهينغا المسلمين والبوذيين من عرقية الراخين” تسببت بنزوح اكثر مِن مئة الف مِن المسلمين يعيشون في ظروف مأساوية بعيدة عن ادنى الشروط الانسانية ..!
في سياق مُتَصل ؛ يُقال “ان الوجود المسيحي في هذا الشرق لَم يعد سِوى ظل ما كان عليه” ..!
اما في لُبنان و هنا بيت القصيد فرغم موجات الهجرة خلال الحرب الاهلية عام 1975 عَلى خلفية اللجوء الفلسطيني و السلاح المتفلت كما التسلط الطائفي مِن فئة عَلى اخرى مع ولاءات خارجية ممجوجة و مرذولة فقد بَقي مواطني البلد الصغير متمسكين بعيشهم المشترك تجمعهم اخوة الدين لا الجغرافيا و الانتماء مع التاريخ ؛ كما لَم تفلح اصوات التطرف و تهديدات الارهاب و الاغتيالات في اسكات صوت الاعتدال و الوحدة بين شرائح الوطن الواحد . ان اقدام بعض السياسيين اللبنانيين عَلى ممارسات تزعم الحفاظ عَلى حقوق هذه الطائفة او تلك عَلى خلفية شعبوية يُعرف عنها بعملية “شد العصب” فعار ما بعده عار باتَت (غير مقبوضة) مِن اللبنانيين لا سيَما بعد ثورة 17 تشرين 2019 اضافة الى وعي و التزام بالعيش الواحد . بِالمقابل و رغم الانهيار الاقتصادي و النقدي و الفساد السياسي و الهتك البيئي و التهتك الاخلاقي و ما يتعرض له اللبنانيين من كسر لنمط حياتهم و اسلوب معيشتهم المقبول بالحد الادنى بغالبيته الطبقة الوسطى و بالتوازي مع افقار ممنهج لمناطق ذات اغلبية طائفية او مذهبية معينة كمدينة طرابلس و البقاع الشمالي فإن المعاناة تدين قادتها و سياسييها ابناء المذهب الواحد لا مِن طوائف أُخرى ..!
لا خوف عَلى المسيحيين في لُبنان و لا هُم بخائفين ، حتى الربيع في الغربة لا رائحة له ، هجرة الابناء طلبا للعلم او الرزق الحلال تشمل كل الطوائف و المذاهب ليست حكرا عليهم .. الغزاة مروا من هنا و رحلوا ، ما تعرض له الوطن منذ تاسيسه حتى اليوم لَيسَ بسهل فلا محتل بَقي و لا محنة استمرت. من يتجول في مناطق التواجد السكاني المسيحي ساحلآ ام جبلا سواء أكان صرفآ ام مختلطآ مِن كسروان الى الكورة ، عكار و جزين
و مرجعيون و دير القمر ، زحلة و المتن الخ .. يعلم يقينآ ان ان المسيحيين متجذرين هم لَيسوا ظلآ بل أساس في وجود الكَيان غير قابل للصرف اي “الهجرة” الا بالعملة الوطنية .. لَم ينزح المسيحيين مِن اقضية الاطراف كونهم في بعضها اقليات بَل سكنوا بيروت الكبرى و كسروان و المتن بسبب مركزية ادارات الدولة و مؤسساتها و اكبر دليل عَلى ذلك انهم لا يتركون فرصة او عطلة الا و تكون وجهة بوصلتهم قراهم و هذا امر مشترك ايضآ بين كل المذاهب و ابناء المناطق ؛ و مهما حصل او قد يحصل مِن حراك طائفي مدسوس شكلا و جوهرا فراحة البال ليست في المصارف انها عبارة فعل ايمان توضع بعهدة الجيش اللبناني الذي يشكل اليوم الضمانة الرئيسية لقمع اي انفلات و ردع الجماعات الارهابية المتطرفة مِن التسلل الى الاستقرار الامني و تخريبه ..!
في السياسة لَطالَما رميت المباديء عَلى الاغلب او حيدت عَلى الاقل للوصول الى الاهداف المطلوبة و هي
اذ استمرت عَلى هذا النهج من القباحة حتى هذا الحاضر بدت عارآ عَلى الانسانية حيث التقدم التكنولوجي و العلمي كما القدرات و الطاقات كفيلة بصنع رفاهية الانسان القصوى فإذا الواقع سوداوي يَعم الكوكب غابت عنه روح التضامن و التعاون و الارتقاء الاجتماعي و لنا في نكبة وطننا خير مثال ..
خِتامَآ ؛ ليس كل ما تقدم و العنوان لزوم حياكة مقال او جذبآ لقاريء أو شرطآ لكتابة موضوع ، هي المشاعر Émotions و الاحاسيس Feelings لا يمكن كبحها نِتاج جزئي مِن كينونة الانسان استجابة مِن الداخل لما يتعرض له سلبآ او إيجابآ .. عشق الوطن هو الينبوع في التحامه بروح الارض حفاظآ عليه و هو الموضوع لهذه ألأوليغارشية السياسية الحاكمة المزمنة مثل روسي : “رجل بدون وطن عندليب بدون اغنية”..!
بيروت في 31.10.2020