ما هي وُجهات نظر كَمَالا هَرِيس حول الشرق الأوسط؟
بقلم : حسين إبيش*
نادراً ما يؤثّر اختيارُ مُرشّحٍ لمنصب نائب الرئيس في أميركا في نتيجة الإنتخابات الرئاسية، لأن الأميركيين يصوّتون عادةً لصالح أو ضد المرشح لمنصب الرئيس. لكن اختيار السناتورة كَمَالا هَرِيش، كنائبة للمرشح الرئاسي الديموقراطي المُفترَض، جو بايدن، هو بالتأكيد أكثر أهمية من المُعتاد.
يبدو أن بايدن في الوقت الحالي في وضع جيّد للفوز، مع تقدّم وطني كبير على ترامب، حسب كل الإستطلاعات. لقد استمر ذلك لأسابيع من دون المدّ والجزر المَألوف. لا يبدو أن ترامب يتكيَّف مع سياقٍ مُتغَيّر بعمق. الأسلوب الذي كان يعمل بشكل جيد بالنسبة إليه منذ أربع سنوات يبدو الآن مُتَوَقَّعاً وتافهاً وبعيداً من الواقع والناس – باستثناء مؤيديه الأكثر حماساً.
المُنفّر بشكل خاص هو ادعاءاتٌ سخيفة من قبل ترامب وبعض حلفائه بأن هَرِيس، بصفتها إبنة مُهاجِرَين من جامايكا والهند والتي وُلدت في كاليفورنيا، غير مُؤهّلة إلى حد ما لتولّي منصب نائب الرئيس أو الرئيس. إنه تذكيرٌ مؤلمٌ بالإدعاءات المُنافية للعقل، التي دافع عنها ترامب، بأن سلفه في البيت الأبيض، باراك أوباما، لم يكن مؤهلاً بالمثل ليكون رئيساً. كلا الإدعاءَين تفوح منهما رائحة قرار 1857 السيىء السمعة لمحكمة دريد سكوت العليا بأن السود ليسوا مواطنين أميركيين.
هناك شعورٌ واضحٌ بالندم للتصويت لترامب في 2016 بين المستقلين والجمهوريين المعتدلين، وبخاصة نساء الضواحي.
إن البيئة السياسية الأميركية الشديدة الإستقطاب تجعل التقلّبات الدراماتيكية في الآراء أقل احتمالية بكثير مما كانت عليه في الماضي. ستكون هذه إنتخابات تتمحوَر حول الرعاية الصحية والوظائف. مع استمرار انتشار وباء كورونا بشكل كبير في الولايات المتحدة، بينما يُعاد فتح معظم الغرب، وغرق الإقتصاد إلى مستويات الكساد والركود، من الصعب أن نرى كيف يُمكن أن يُغيّر ترامب الأمور في الأسابيع القليلة المتبقيّة قبل 3 تشرين الثاني (نوفمبر).
تخضع هَرِيس لتدقيق خاص، لأن بايدن، في سن ال78، سيكون أكبر رئيس أميركي مُقبل، والدور الرئيس لنائب(ة) الرئيس هو العمل كبديل في الإنتظار. في الواقع، هذا هو أحد الأسباب الذي جعل بايدن يختارها. كانت واحدة من أكثر النساء إنجازات في قائمته المُختَصَرة وهي مؤهلة بشكل واضح لتكون رئيسة.
لذلك، لن تكون فقط الخليفة الأكثر وضوحاً لبايدن، بل ربما تصل إلى المنصب في وقت أقرب من ذلك.
لذا، تبدو وجهات نظرها حول شؤون الشرق الأوسط أكثر أهمية بكثير من، على سبيل المثال، آراء نائب رئيس ترامب، مايك بنس.
هَرِيس ليست مُتخصّصة في السياسة الخارجية، ولكن بصفتها عضواً في مجلس الشيوخ، فقد واجهت عدداً من قضايا الشرق الأوسط. وبينما يرسمها ترامب وحلفاؤه هي وبايدن المعتدل على أنهما مُتَطرّفَين يساريين خطرين، فإن توجّهها في السياسة الخارجية أقرب إلى التيار الديموقراطي السائد من اليسار المتطرف الذي يُمثّله السناتور بيرني ساندرز.
في تقاليد الحزب، هي من أشد المؤيدين لإسرائيل، وربما ساعدت هوية زوجها اليهودية في تشكيل مثل هذه الآراء والمواقف. وقد سعت هَرِيس إلى عرقلة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي أُقرّ، في نهاية رئاسة أوباما، حيث لم تستخدم ضده الولايات المتحدة حق النقض بشكل مثير للجدل. ومن الواضح أن القرار وصف النشاط الإستيطاني الإسرائيلي بأنه غير قانوني.
إنها تُعارض حركة “المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات”، لكنها، مُشيرةً إلى أهمية حرية التعبير، صوّتت على منع إجراءات الدولة لمعاقبة مناصرة حركة المقاطعة. وبينما تدّعي أن إسرائيل “بشكل عام” تُلبّي المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإنها لا تزال مؤيدة قوية لحل الدولتين، وتُعارض الإستيطان والضمّ، بما في ذلك خطة ترامب، وتدعم إعادة المساعدات الأميركية للفلسطينيين.
تتوافق هذه المواقف مع مواقف بايدن والقادة الديموقراطيين الرئيسيين. وهذه تقترح أن إدارة بايدن-هَرِيس ستكون داعمة للغاية للمبادرة الأخيرة لإقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. هَرِيس هي بالتحديد من نوع القادة الديموقراطيين الذين قد تعزَّزَت وجهات نظرهم تجاه الإمارات بشكل كبير.
مع تطور النهج التقليدي للحزبين تجاه السياسة الخارجية، تؤكد مواقف الكونغرس تجاه المنطقة على أهمية ذلك.
أثارت الحرب في اليمن رفضاً قوياً من الكونغرس. وقد أدانت هَرِيس الصراع باعتباره سبباً لدرجة غير مقبولة لمعاناة المدنيين.
صوّتت لصالح قرارات إنهاء الدعم الأميركي للتدخل العربي في اليمن. إستخدم ترامب حق النقض ضد هذا القرار وغيره، لكنها أظهرت أن هناك بعض الخلاف بين الحزبين حول الصراع. ومع ذلك، فإن جميع هذه القرارات استثنت الحرب ضد تنظيم “القاعدة” في جنوب البلاد، والتي تُعدُّ من أولويات دولة الإمارات في اليمن، وأيّدت مشاركة الولايات المتحدة في تلك الحملة.
تقر هَرِيس بالشراكة الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وأهميتها المستمرة، لكنها دعت إلى مزيدٍ من الضغط لتعزيز “القيم الأميركية” في الخليج. مثل بايدن، تُشير مواقفها إلى استمرارٍ مُحتَمَل للعلاقات القوية للولايات المتحدة مع دول الخليج العربية، على الرغم من أجندة أوسع من اهتمام ترامب الحصري بالعلاقات العسكرية والتجارية.
مثل كل الديموقراطيين تقريباً، إنتقدت انسحاب ترامب من الإتفاق النووي مع إيران. وبعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي أكدت أنه “عدو للولايات المتحدة”، إنضمت إلى الجهود المبذولة لمنع تمويل عمليات عسكرية إضافية ضد إيران.
مثل بايدن، فهي تؤيد إحياء سياسة خارجية حازمة ودولية ومُتعدّدة الأطراف للولايات المتحدة. والنتائج الأكثر ترجيحاً لذلك هي الدعم المستمر لدول الخليج العربية، لكن مع مزيدٍ من الضغط على عدد من القضايا، وإعادة تأكيد الديبلوماسية من موقع القوة مع إيران، والدعم القوي المستمر لكلٍّ من إسرائيل وحلّ الدولتين.
هذا لا يعني بالضرورة عودة سريعة إلى الإتفاق النووي الإيراني، أو إزالة السفارة الأميركية من القدس. لكن هذا يعني أنه في حين أن إدارة بايدن-هَرِيس قد تُركّز بشكلٍ أكبر على الديبلوماسية بدلاً من الإكراه والتجارة، فإن المخاوف من أنها ستكون من الحمائم أو انهزامية أو غير مهتمة في الشرق الأوسط ربما تكون في غير محلّها.
تم اختيار الكثير من فريق السياسة الخارجية الأساسي لبايدن من مسؤولي إدارة أوباما السابقين، لكنهم يزعمون أنهم تعلّموا دروسهم من أخطاء الماضي. إذا كانوا فعلوا ذلك، فمن المحتمل أن يجدوا في هَرِيس زعيمة صلبة وعالمية ذات تفكير مماثل، ولكن مع التزامٍ بالقيم ونظامٍ قائمٍ على أسس وقواعد، إذا كان لا يزال من الممكن إستعادته.
———————–
* باحث في معهد دول الخليج العربي في واشنطن.