بعد اللقاح الروسي الذي بات جاهزاً، ثمة لقاحان قيد التطوير ضد «كوفيد ـــــ 19»، أحدهما بريطاني والآخر صيني، أظهرا استجابة مناعية جيدة وأثبتا أنهما آمنان للمرضى، بحسب نتائج تجربتين سريريتين منفصلتين نُشرتا، أمس، في مجلة «ذا لانسيت» الطبية البريطانية.
اللافت في الأمر أنّ اللقاحين صُنعا بالطريقة نفسها، أي أن الباحثين قاموا بتعديلٍ جينيٍ على فيروس «Adenovirus»، وهو مرض يسبّب عوارض شبيهة بالزكام عند حيوان الشيمبانزي، بينما تمّت إعادة كتابة البرمجة الخاصة به، حتى يعتقد جهاز المناعة البشري أنه فيروس «سارس ـــــ كوف ــــــ 2». تحديداً، قام العلماء بجعل فيروس «Adenovirus» يُنتج تيجاناً مشابهة لتيجان فيروس «كورونا»، التي ترتبط بخلايا الإنسان، ولكن من دون أن تكون فعّالة أو مضرّة. بمعنى آخر، أعيدت كتابة تشكيل الفيروس الأساسي، وتعديله بإتقان، ليصبح مشابهاً من ناحية الشكل لفيروس «سارس ـــــ كوف ـــــ 2»، ولكن من دون أي عوارض تضرّ بالإنسان، إن كان نتيجة الـ«Adenovirus» أو «كورونا».
من الناحية العملية، يعمل اللقاحان وفق آليتين: الأولى، تأمين الأجسام المضادة (Antibodies) والتي تلتصق على سطح فيروس «كورونا» (وهي طريقة عملها ضدّ الجراثيم كافّة)، بغية تعطيل الفيروس والقضاء عليه. أمّا الآلية الثانية، فتقضي بأن يؤمّن اللقاح استجابة فعّالة من قبل الخلايا التائية (T-cells)، وهي نوع من خلايا كريات الدم البيضاء، تساعد في توجيه الجهاز المناعي، كما أنّها قادرة على تحديد أماكن وجود الخلايا البشرية المصابة بالفيروس، من أجل القضاء عليها. ولكن، من غير الممكن القول حتى الساعة، إن كان أيٌّ من اللقاحين فعّالاً بنسبة 100 في المئة. ذلك أنه لا يزال من غير الواضح بالنسبة إلى العلماء، مستوى الاستجابة المناعية التي يحتاج إليها جسم المصاب بفيروس «كورونا»، حتى يتمكّن من القضاء عليه بشكل كلّي، وما إذا كان قد يحتاج إلى جرعات عدّة من اللقاح، أو جرعة واحدة. هذا ما سيتم اكتشافه في المرحلة الأخيرة من الأبحاث لكلا اللقاحين.بالتالي، يبقى من غير الممكن معرفة مدى قدرة هذين اللقاحين على حماية الشخص الملقَّح. والمشكلة التي تبرز هنا «أخلاقية»، إذ في مرحلة التجارب الأخيرة، يجب على العلماء حقن عدد كبير من الأفراد المشاركين، ولكن من دون تعريضهم للفيروس بشكل مباشر، الأمر الذي يحتّم عليهم انتظار إصابة أيٍّ من الأفراد الملقَّحين بفيروس «كورونا»، بعد مزاولته حياته بشكل طبيعي. نعم، قد يستغرق الأمر أشهراً، أو حتى سنوات، لتتم دراسة كيفية عمل اللقاح بعد التجارب السريرية الأخيرة. ولكن بالنسبة إلى اللقاح البريطاني ــــــ وبحسب مراسل قسم الصحة والعلوم في قناة «بي بي سي»، جايمس غلاغر ــــــ من المحتمل استخدامه في ما يعرف بـ«تجربة التحدّي»، التي تطوّع فيها أكثر من 32 ألف شخص (بحسب موقع 1daysooner.org)، من 140 دولة حول العالم، من أجل حقنهم باللقاح، ومن ثم إصابتهم بفيروس «كورونا»، طواعيةً، بعد أن يكوّنوا استجابة مناعية. إذا ما حصل ذلك، يمكن عندها القول إن مسألة القضاء على فيروس «كورونا» باتت على بعد أشهر، وليس سنوات.
عموماً، من المحتمل تأكيد فعالية اللقاح البريطاني، بحلول نهاية العام الحالي، بحسب تقرير الـ«بي بي سي». إلّا أنّ ذلك لا ينفي أنّ عملية صنع لقاحٍ للبشرية كلّها ستستغرق وقتاً، ومن المحتمل أن تجرى على مراحل وليس دفعةً واحدة. يأتي ذلك بينما لا تزال هناك مخاوف من التكنولوجيا الجديدة التي يجري استخدامها في صنع اللقاح، على اعتبار أنها لم تجرّب من قبل. أما بالنسبة إلى اللقاح الصيني، فقد حصلت شركة «كانسينو بيولوجيكس» على الضوء الأخضر لاستخدامه داخل الجيش الصيني، بحسب وكالة «رويترز».