الوحوش الجدد …
كتب الصحافي المخضرم الزميل جهاد الزين في صحيفة النهار اليوم مقالاً بعنوان “الوحوش الجدد” قال فيه: ليس لدينا آل روتشيلد بين أصحاب المصارف اللبنانيين. أفترض لو كانت هناك عائلة أو تكتل مالي مسيطر ويكون معنياً بمستقبل دولة لبنان، وليس أسيراً لمصالح ضيقة على طريقة” أضرب واهرب” كما هي حال أصحاب المصارف اللبنانية حاليا، لو كان لدينا آل روتشيلد لما كانوا سمحوا بأن تستمر اللعبة الفضائحية الحالية الجارية بين أغلبية الشعب اللبناني المنهوبة ثرواته وبين هذه الحفنة غير العريقة التي ترقص لتدويخ اللبنانيين العاديين الذين يريدون إنقاذ مدخراتهم.
أسمح لنفسي بأن أضيف عامل غياب العراقة في التركيبة الراهنة للرأسمالية اللبنانية، وتكتل المصارف أقواها على الأرض اللبنانية، كعامل اقتصادي في المعالجة الراهنة لأزمة تهريب أموال اللبنانيين إلى الخارج لصالح حفنة معدودة من السياسيين والمصرفيين. أضيف هذا العامل، غياب العراقة عن البيوت المالية اللبنانية الحالية، حتى لو أثرتُ غضب أصدقائي من المحللين الاقتصاديين.
كان التحليل القديم لليسار اللبناني أن البورجوازيةاللبنانية هي بورجوازية غير وطنية لأنها بورجوازية خدمات للخارج. هذا كلام مضى عليه الزمن. اليوم البورجوازية اللبنانية هي بورجوازية لا تحمل أي مشروع بعكس ما حمل أمثال ميشال شيحا وإميل إدّه وهنري فرعون وإميل البستاني وغيرهم مشروع الكيان اللبناني واقتصاده الليبرالي.
من هم هؤلاء الطفيليون الذين سيطروا على القطاع المصرفي في غفلة من الحرب الأهلية وأنشأوا ما سيتبين أنها دكاكين لا مصارف.
كان آل روتشيلد في أوروبا عنوان النفوذ العابر للدول – الأمم الناشئة. لكنهم وهم يدعمون القوى الحاكمة الجديدة، لاسيما بعد إطلاق شرعة مساواة اليهود بالمواطنين الآخرين إثر الثورة الفرنسية، كانوا يساهمون في زيادة الثروة الوطنية في الدول التي يعملون فيها. إلى حد أنهم اتُهِموا بتمويل بعض حروب التوسع الإمبريالي خارج حدود الدول العظمى التي قامت بهذا التوسع. وإذا كانت لا تجوز المقارنة بسبب الفارق الضخم للأحجام، يمكننا في هذا السياق استذكار – لا مقارنة – الرواد اللبنانيين من المستثمرين الذين فتحوا أسواق الخليج وإفريقيا في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم.
لا يمكن فصل انحطاط النشاط المصرفي عن انحطاط السياسيين. المصرفي الكبير (غير الموجود الآن) يعمل لمواجهة رجل السياسة حين يتجاوز حدوده ويصبح مسيئا للمصلحة العامة. في لبنان يلجأ المصرفيون للاختباء وراء حماية السياسيين لهم. فتحت غطاء القانون، ومسرحية التدويخ الدائرة، تجري حماية أكبر عملية نهب، على الأقل في تاريخ الشرق الأوسط ضحاياها في الواقع ليس فقط اللبنانيين من أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة (بتنا نحتاج إلى إعادة تعريف حجم الوديعة الصغيرة) بل أيضا هم سوريون وعرب.
كل ما يحدث حالياً من بهلوانيات، وآخرها “الخلاف” على مصير الودائع قبل أن تتضح الخطة الرسمية وقبل ذلك فرز “صغار المودعين” وتوليد فئة تحت الثلاثة آلاف دولار هم عموما الذين وطّنوا رواتبهم ولم يودعوا مدخرات، هدفه تغطية الهروب الشهير لأموال السياسيين والمصرفيين إلى الخارج ولاسيما في أيلول المنصرم. المدهش أن شعباً بكامله لم يستطع الوصول إلى لائحة المهربين لأموالهم- أموالنا لأن أحداً من كبار المسؤولين لا يريد كشفها. يريدون إقناعنا أن حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف يستطيعان عدم كشف لائحة المهربين لأموالهم لو أراد السياسيون إرغامهم على الكشف.
خسر اللبنانيون الوسطُ ودون الوسطِ ودائعَهم في لحظة اكتمال تشكّل فيروس مصرفي قاتل. اليوم من يعينهم على استرداد حقوقهم، وكل ما يدور يرمي إلى استنباط تغطيات مالية للنهب؟
المفارقة الكبيرة أن تفشي فيروس كوفيد 19 قد خلق نوعاً من الانضباط في البلد يشارك فيه الضحايا واللصوص معاً. توقفت الثورة. وجدت المصارف حجتها لشبه الإقفال العام. حجة “التباعد الاجتماعي” الصحيحة صحيّاً، لكي تخفف أو تلغي الضغط الشعبي عليها. خلق كورونا قضية عامة ملحة لبلد ضعيف منهوب.