الكورونا” وحرب “النفط” توأمة مؤثرة في بُنية النظام العالمي الجديد
بقلم : نمر ابي ديب*
بالرغم من قساوة المرحلة وأبعادها الكارثية على كافة المستويات السياسية، الإقتصادية، الصحية وما يمكن أن يترتب عليها من تبعات وأعباء نتيجة التمدد الهائل في مساحات الإنتشار الوبائي الكورونا ووقوف العالم بجميع مقوماته الطبية ومكوناته العلمية عاجزاً أمام أمر واقع إستثنائي رأى فيه الجميع تحدي وجودي ” هو الأخطر على الساحة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم كما جاء على لسان المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل” في حين سقطت الدول الكبرى تباعاً بمقدراتها التكنولوجي وأنظمتها الوقائية المتطورة في أول أختبار جدي وحقيقي تخوضه هذه الدول مجتمعة على مسار الحروب ” الحديثة ” التي يشكل فيها الإقتصاد العالمي بثلاثية النفط مع بعض التحفظ على مستقبله في مرحلة ما بعد الكورونا الطاقة النووية والسيولة النقدية المتمثلة اليوم بالدولار الأميركي عصب المرحلة المقبلة والمادة الأساس في معيار التوازن العالمي الجديد والمستقبلي.
يشهد العالم اليوم ومن ضمنه لبنان توأمة وجودية غير مُعلنة بين مسارين “الكورونا” وما يُمَثِّل هذا الفيروس من إنعكاسات سلبية وتأثير مباشر على النظام العالمي برمته أنطلاقاً من صحة الإنسان بالدرجة الأولى مروراً بإقتصاد الدول الموبوئة بالدرجة الثانية وأخص بالذكر “الصين” لما تمثل على المستوى العالمي من رافعة إقتصادية ومحطة مركزية شَكَلَت على مستوى الحاجة الإقتصادية لكثير من الدول خياراً آخر وبديلاً فاعلاً عن الولايات المتحدة الأميركية في السوق العالمية.
“حرب النفط” أو ما بات يعرف حالياً بسياسة لي الأذرع التي مارستها القوى العالمية في مراحل سابقة وما زالت على الدول المُصَدِرة للنفط أو حتى المُستَثمِرة تاريخياً في هذا المجال، وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى عاملين.
– حرب الأسعار: بالرغم من الإنهيار التدريجي في أسعار النفط والتراجع الإنتاجي الذي سجله هذا القطاع في شهر ” آذار 2020 ” بحسب ” جريدة The Financial Time البريطانية رصدت القوى العالمية المُتابِعَة لهذا الملف حرب أسعار غير مُعلَنَة بين “المملكة العربية السعودية وروسيا” في إشارة واضحة إلى رهان الدولتين على مرحلة ما بعد كورونا والعمل وفق أجندات نفطية ذات أبعاد سياسية هادفة إلى أحداث تغيير جدي وحقيقي في موازين القوى النفطية إنطلاقاً من مفاعيل ومؤثرات الأستحواذ الدولي على مقدرات النفط العربي ونتائجه الإقتصادية المُتَرَتِبَة على مُعظم الدول المُصدرة والمُستثمرة إقليمياً في هذا القطاع.
– ثانياً موقع “لبنان الجديد” وتَأَثُرِهِ المباشر في نتائج هذا الصراع بأعتبار لبنان أولوية مُستجدة للدول المُستثمرة إقليمياً وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة الأميركية وهنا لا بد من التساؤل هل تسمح توازنات المنطقة بأعتبار لبنان دولة نفطية أي لاعب أساس في سباق القمة المنتظر بين الدول المعنية في هذا الملف؟ أم يرى البعض بالوجود اللبناني مسرحاً للحروب النفطية إنطلاقاً من عدة عوامل أبرزها حكم الطوائف وتنوع الخيارات السياسية للطبقة الحاكمة ما يُسَهِّل على الدول المعنية بالملف النفطي حسم خياراتها السياسية وأعتبار لبنان لاعب وسط ضامن من خلال صيغته التوافقية الجامعة حقوق الأفرقاء كافة على الساحة النفطية الإقليميين والدوليين في كلا المحورين.
إنطلاقاً من ما تقدم بات واضحاً حجم الأزدواجية التي تركها فايروس كورونا على الصحة العالمية والإقتصاد فقد أكدت جميع المؤشرات الدولية على حتمية تبدل الأولويات الناظمة للعلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الكورونا ودخول العالم مرحلة تقصي الخسائر وإحتواء النتائج المترتبة سياسياً وإقتصادياً على دول العالم بشكل عام والدول النفطية بشكل خاص، والتي بدأت بدورها مع بدايات الحجر الصحي تقليص إنتاجها النفطي نظراً لصعوبة التصدير وإستحالة التصريف ما سوف يؤدي حتماً إلى فائض في المخزون لدى الدول المُنتِجة للنفط.
– تخفيض مُستمر لأسعار النفط الأسلوب الذي تعتمده اليوم المملكة العربية السعودية في حرب الأسعار الغير معلنة مع روسيا.
– إنهيار مؤقت في صناعة النفط الصخري الأمريكي وأيضاً في خزينة المملكة، فهل تُغَيِّر الحرب السعودية الروسية خريطة الطاقة العالمية؟
أكدت تداعيات ونتائج الحرب الصحية التي تخوضها اليوم الدول العالمية مجتمعة على حقيقة ميدانية واحدة تتلخص “بعدم جهوزية العالم للحروب الحديثة المُتمثِلة بحرب الفيروسات والإعتداءآت البيولوجية والبيوكيميائية
ما يجري اليوم يُعَبِّرْ عن نقلة نوعية من الطبيعي أن تخطوها البشرية على مسار الحروب المدمرة التي سينتقل معها العالم من حرب الصواريخ والأنظمة الذرية إلى حرب النجوم في مداها البيولوجي والبيوكيميائي القادر على إدخال العالم بما يمثل ويحتوي في أي لحظة نفق المجهول الوجودي.
أمام هذا الواقع طرحت التحولات الدولية تساؤلات جَدِّيَة لمرحلة ما بعد ” الكورونا ” تناولت بشكل كامل مؤثرات النظام العالمي الجديد وتداعياته الإقتصادية على مُجْمَل الدول النفطية المصدرة والمستثمرة تاريخياً في هذا المجال، وهنا يجدر التساؤل هل يَتَسَبب تبدل الأولويات الدولية في إنفتاح عالمي جديد كامل وشامل على قطاع الطاقة النووية ويكتب الزمن بحبر التحول الدولي نهاية غير متوقعة لعصر النفط؟
*كاتب سياسي