بقلم ألعَميد منذر ألأيوبي*
هي ساحة باب ألرمل … ومنها نبدأ ؛ ألمنطقة ألملقبة قديمآ (جبل ألنار) لإنتماء شبابها وأهلها إلى عروبة ناصرية صافية (نسبة إلى الزعيم ألعربي جمال عبد ألناصر) وإلى وطنية لبنانية كرامية ألهوى والانتماء، متوارثة من عبد ألحميد بطل الاستقلال إلى الشهيد الرشيد .. في وسطها مقهى موسى حيث يتجمع نبلاء الحي الفقراء و متوسطي الحال ألأوادم الساعين وراء رزقهم إناء الليل وأطراف ألنهار يتربعون على كراسي ألخيزران يتناولون (ألعصرونية) من الكعك المشبك مع ألجبنة ألبيضاء ألمسخن على منقل ألفحم مع فنجان ألشاي ألأسود، قهوة ألمصبات (ألأبريق ألنحاسي الاصفر في قاعدته فتحة فحم ألسنديان) ترافقها (ألأركيلة) بنكهة التنباك العجمي أو الأصفهاني ؛ ألطاولات رخامية بيضاء مكسرة ألحواف بعضها والأرجل حديد مصفى إلتصقت بأرصفة ألساحة ؛ طاولة ألزهر “ألنرد” والداما والدومينو لذة الجالسين و الكلمات بين السياسة وأخبار أهل البلد ، أما الليرة فهي في الجيوب بركة عرق التعب و”ألنكل” ألعملة ألمعدنية إكرامية ألشباب ألأركلجية وألقهوجية ..!
منها إلى ساحة ألدفتر دار حيثُ شبيهتها مع نكهة تمرد لشبابها على ألدَولة ألمهملة رغم ألإحترام ، أما شرطة ألبلدية فتزورها تكرارآ والمخالفة ألعظمى الطاولات على الرصيف وكذلك (سحاحير) صندوقة خشبية فيها ألخضار ألعكارية نسبة لعكار وألفاكهة ألضناوية نسبة لقضاء ألضنية ، ألأسعار (عالشيلة) أي بقدر ما يدفع ألزبون إذ البركة والرزقة على ألله ؛ أما ما يتبقى مساء فلا يبيت ويوزع على مستوري ألحال ..!
في ساحة ألتل رمزها برج ألساعة ألأثرية ألعتيد ، وسط المدينة تسكنها السراي ألتركية ألقديمة حيث مركز ألشُرطَة يشرف ألمفوض (قائد ألشرطة) مَن على شرفتها على أهل ألبلد، مواقف التاكسي مرصوفة في زواياها مخصصة لمناطقها والاحياء : أبي سمراء – الزاهرية – الميناء إلخ .. أما الباصات فمركونة على الزيح أمام كاراجي ألأحدب وحمزة للذاهبين إلى ألعاصمة .. محاضر ألشرطة للزمور على ألأغلب وما ندر وقوف ممنوع ، ألمسامير ألنحاسية أللامعة ترسم ممرات ألمشاة و (للبويجية) ماسحي ألأحذية زاويتهم ألنظيفة ..!
متشابهة أحياؤها يسكن فيها ألتاريخ والأثر الشريف ؛ جبل محسن – باب ألتبانة – سوق ألخضار – سوق ألقمح – بسطات (ألبالة) ألملابس ألمستعملة – حارة ألبرانية – طلعة ألقبة – ألمشروع (نهر أبو علي) – ألمنكوبين نسبة لفيضان ألنهر – نزلة ألقلعة صفحة تاريخها – ألميناء و ألسنسول ألقديم ، ساحة ألترب ، ألسينمات – ألزاهرية بمعالمها مدرسة ألراهبات و ألطليان ، ألمكتبات ، أسواق ألبازركان و ألنحاسين – ألمساجد ألجامع ألمنصوري و ألكنائس مار مارون تتلاقى أجراسها مع ألآذان في سيمفونية إيمانية تحسد عليها ألمدينة وغيرها كثير ..!
هكذا كانت ؛ هي ألمتألقة بحب أهلها و عشق حياتها و أليوميات ، هي مدينتي ألفيحاء ما خمد ليمونها ورائحة زهره أريج عطرها ، أم ألمدن و عروسة ألساحل ألشرقي للمتوسط عن حق وحَقيقَة ، في حلوياتها بركة من نعيم يستساغ طعمها ..! اليوم ، و مَا أسوأه و ألغد و ما أقساه ، فتيان ألمدينة في عطالة دائمة و شبابها في هجرة على جمر إنتظار فيزا ، كفرت ألناس بدولتها ووزرائها ونوابها فالكل بات مرفوضآ ، ورغيف ألخبز هدف مغمسآ بألدم معجونآ بألكرامة مخبوزآ على نار تَحتَ ألرماد ..!
على ما نسمع ويروى لا ترف إنتظار ..! ألطرابلسيين أهل ألبلد لا يصدقون أن هنالك ربما فرصة إنقاذ و هي إن توفرت فستكون على حسابهم ، يعلمون أن ألتحالفات ألسياسية وألمواقف كاذبة ، شاردين هم ألقصة في وجدانهم عوز وفي مرضهم عجز ..!
نامَت نواطيرُ مِصرَ عن ثعالِبها *** فقد بشِمنَ وما تُفنى العناقيدُ .. يقولون إن بقيت ألأحوال على ما هي عليه فَما لَنا والله إلا الثورة ، وسَتَكون حقيقة مرة بمرارة عيش الثائرين ، ألغضب سيبلغ أوجه بحجم ظلم ألحاكمين ، ألضنى عزيز والفقر صنو الجوع ، بطون جاعت ، الناس ستخرج من الأزقة شاهرة سيوفها والصرخات .. هذا ما تلمسناه وسمعناه و ما يتردد صداه ..!
المدينة باتت خاوية هجرها النظام وسادة رأس المال ، تعشعش فيها أجهزة مخابرات من كل حدب وصوب ، أطفأوا إنتفاضتها أو كادوا ، فرغت ساحاتها ، تركت لأقدارها .. أم ألفقير طرابلس أهلها يعيشون حزنآ عميمآ فالذل لا مكان له ، وقهرآ كبيرآ لا طاقة لجبال على تحمله بعد صبر طويل إن الله مع ألصابرين .. حذار من جوع ومن غَضَب إن ثورة ألأحرار تولد من رحم ألأحزان ..!
—————
17.02.2020
