الدنيا نيوز – دانيا يوسف
كثير من البديهيات في لعبة كرة القدم تغيب عن بالك وأنت تناقش بتفاصيل الفوز والخسارة لهذا الفريق أو ذاك. بديهيات غابت في وسط تفاصيل اللعبة، والتي بمجرد أن نوضحها لك ستستغرب كيف لم تسأل عنها من قبل.
1- لماذا يصطحب اللاعبون أطفالاً عند دخول الملعب؟
لم يكن ذلك المشهد معتادًا حتى بطولة كأس العالم 2002 بكوريا الجنوبية واليابان، عندما قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم الاشتراك مع اليونيسيف في حملة للتوعية بحقوق الأطفال، تحت شعار Say Yes For Children، وتم الترويج للحملة بالسماح للأطفال بمرافقة اللاعبين أثناء دخول المباريات مرتدين قمصانًا عليها شعار الحملة.
لكن هذا لم يكن السبب الوحيد، فهنالك آخر يبدو أكثر أهمية. هؤلاء الأطفال الذين سعى الفيفا للتوعية بحقوقهم، كان يتم استخدامهم لحماية اللاعبين بشكل غير مباشر، حيث لجأت بعض الدول التي كانت تعاني من الشغب الجماهيري إلى دعوة الأطفال لمرافقة اللاعبين، كي يتراجع المتعصبون عن قذف اللاعبين أثناء دخولهم أرض الملعب.
وبما أننا نعيش عالمًا يحكمه المال، اقتحم البيزنس المشهد. وكانت البداية مع سلسلة مطاعم ماكدونالدز، والتي قامت باختيار جميع الأطفال المرافقين للاعبين في كأس العالم 2014، وبالطبع كان جميعهم يرتدي قمصانًا عليها شعار المطعم.
ثم أخذ الأمر منحى أسوأ عندما قررت بعض أندية البريميرليج التربح من ذلك الإجراء، بتحديد مبلغ مالي مقابل مرافقة طفلك للاعبي الفريق. وكان من بين هذه الأندية توتنهام، ليستر سيتي، ستوك سيتي، وغيرهم. لكن بالطبع يوجد أندية أخرى كمانشستر سيتي ومانشستر يونايتد ما زالت تستعين بلاعبي الأكاديمية أو لا تحدد مقابلاً ماليًا كالأندية السالف ذكرها.
2- لماذا يبصق اللاعبون المشروبات أثناء المباريات؟
دائمًا ما نرى لاعبي كرة القدم يشربون كمية صغيرة من المياه أو مشروبات أخرى ثم يبصقونها مرة أخرى، لينتج لنا منظرًا مقززًا لا يحب أحد رؤيته. بل وتسأل نفسك لمَ لا يشرب بدلاً من المضمضة؟ إلى أن قررت صحيفة The New York Times البحث عن السبب. فوجدت اللاعبين يمارسون ما يسمى بـ Carb rinsing، والذي يعني حرفيا شطف الكربوهيدرات، ويتم ذلك عن طريق المضمضة لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 ثوانٍ بمشروب كربوهيدراتي carbohydrate solution ثم بصقه، وقد أثبتت بعض الدراسات التي نشرها المركز الوطني الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية NCBI أن ذلك يحسن الأداء في الأنشطة الرياضية التي لا تزيد مدتها عن الساعة.
ووفقًا للدكتور سوراف بودار، المتخصص بالطب الرياضي، فإن نسبة تحسن الأداء تتراوح بين 2-3 % لكن آلية التحسن ما زالت قيد الدراسة. لكن الآلية المطروحة حاليًا تشير إلى إرسال المستقبلات بالفم إشارة إلى الدماغ، وتحديدًا إلى المناطق المسؤولة عن السعادة والتحفيز، وكأنها تخبره باقتراب موعد حصوله على الطاقة، وعليه فإن هذه الخدعة تجعل العضلات تتجاهل التعب مؤقتًا. وقد أكدت جامعة برمينجهام على تلك النتائج فيما يخص سباق الدراجات، إذ ساهم الأمر بتحسين الزمن اللازم لمسافة 25 ميلاً – دقيقة واحدة. لكن كما ذكرنا من قبل، فإن مفعول المضمضة يكون مؤثرًا إذا لم تتجاوز مدة النشاط المبذول – الساعة، لذلك يرى آخرون أن تـاثير ذلك على لاعبي كرة القدم هو تأثير نفسي.
3- لماذا 11 لاعبًا؟
كان منطقيًا أن تشهد بداية ظهور كرة القدم قدرًا لا بأس به من العشوائية، كحال أي اختراع جديد يحاول أفراد المجتمع فهمه. وبالتبعية لم تكن هنالك قوانين محددة تحكم عدد اللاعبين ومساحة الملعب وبالطبع قوانين المخالفات والتسلل.
بالنسبة لعدد اللاعبين، فقد كان متوقفًا على عدد المشاركين، تمامًا كما كنا نفعل في الشارع. إذا كان العدد 10، فسيلعب كل فريق من 5 لاعبين، وهكذا. أما إذا كان أحد الفريقين يمتلك فائضًا في اللاعبين، فسيتركه على دكة البدلاء. وقبل عام 1871 تحديدًا، كان عدد لاعبي الفريق يتأرجح بين 15-21.
ونظرًا لضعف مصادر توثيق تلك الفترة، تناثرت الروايات دون اتفاق مطلق. وفقًا لكتاب «11 ضد 11» للكاتب الأرجنتيني «لوثيانو بيرنيكي»، والذي ترجمه للعربية المترجم «محمد الفولي»، فإن بداية ممارسة اللعبة في إنجلترا كانت على يد طلاب المرحلة الثانوية بمدارس «إيتون» و«هارو شاترهاوس» . حيث تكون كل فريق من مجموع الطلاب القاطنين بنفس السكن، وبالصدفة كان عددهم 10. ومع عدم وجود طرق لعب واضحة كان الجميع يهاجم فقط، وشعر اللاعبون بسهولة اللعبة لدرجة الملل. فقرروا إضافة لاعب آخر يقوم بدور حارس المرمى. وحسب الرواية، كان هذا الدور من نصيب المعلمين، لأن ذلك المركز لم يكن مفضلاً لدى الصغار. في النهاية تشكل الفريقين من 11 ضد 11، لكن ظل هذا الرقم معرضًا للزيادة؛ وفقًا لعدد الطلاب في السكن.
هنالك رواية أخرى تفيد بأن الرقم 11 كان مقترحًا من قبل فريق «شيفيلد إف سي» تمامًا كعدد لاعبي الكريكيت، اللعبة الأشهر حينها في إنجلترا، في محاولة منهم لرفع شعبية كرة القدم. وبالفعل سار الأمر جيدًا، وفي الفترة بين عامي 1869 و1891، تم اعتماد عدد لاعبي الفريق 11، وضربة المرمى، الركنيات، استخدام الحكم للصافرة، النسخة الأولى من قانون التسلل(المعلَن عام 1869، وكان يشترط تغطية المهاجم بثلاث لاعبين)، وأخيرًا ضربة الجزاء.
4- لماذا يحصل الفائز على 3 نقاط؟
بداية موسم 1925/1926 ومع انتشار اللعبة واستقرار قوانينها باعتماد قانون التسلل الجديد(يكفي لاعبين لتغطية المهاجم) والمستمر معنا إلى الآن، كانت الأمور لاتزال تسير ببطء في إنجلترا تحديدًا. كانت اللعبة تتطور على مستوى التكتيك وطرق اللعب، لكن الجماهير الإنجليزية لم تكن تشعر بنفس الحماس تجاه اللعبة.
بين عامي 1950 و 1980، انخفض معدل حضور الجماهير في الملاعب من 40 مليون مشجع في الموسم الواحد إلى 20 مليون فقط. فقدت الجماهير شغفها تدريجيًا، وكان ذلك الموقف بمثابة عنق الزجاجة لهذه اللعبة.
إلى أن أتى اقتراح استبشر به الإنجليز لقلب الأمور، حين قدم الرئيس السابق لنادي كوفنتري سيتي، والمقدم السابق للبرنامج الشهير «Match of the Day»، «جيمي هيل» اقتراحًا لرابطة الدوري عام 1981 بمنح الفريق الفائز 3 نقاط وليس نقطتين، كما كان معهودًا في ذلك الوقت.
وافقت رابطة الدوري الإنجليزي على المقترح، آملة في زيادة حدة المنافسة مع زيادة مكافأة الفائز، وبالتبعية زيادة عدد الأهداف. فظهر التأثير جليًا على أسلوب اللعب، حيث أصبحت الفرق الصغيرة أكثر دفاعية، أما إذا تواجه فريقين من نفس المستوى، فعلى أحدهما أن يكون أكثر شراسة. وبالفعل، قلت التعادلات، أما عدد الأهداف فلم يتأثر بنفس الشكل.
تتابعت الأحداث بعد ذلك وبعد أكثر من 10 سنوات، خرج القانون من بلاد الضباب إلى ما حولها مع تطبيقه في كأس العالم وتصفيات أمم أروربا في عام 1994، ثم إسبانيا ودوري أبطال أوروبا في عام 1995. واستمر القانون حتى يومنا هذا، وساهم بتغيير مسار العديد من البطولات، كان آخرها لقب البريميرليج لموسم 2018/2019 الذي كان سيذهب لصالح ليفربول بدلاً من مانشستر سيتي.
5- هل اللاعب الأعسر أكثر مهارة؟
وبعد أن انتهينا من التفاصيل المرتبطة بتاريخ اللعبة، بإمكاننا الآن العودة لمتابعة التفاصيل الأكثر عمقًا. وهذه المرة سنذهب للمفاضلة بين اللاعب الأيمن وزميله الأعسر. حيث يشاع بين الجماهير أن أصحاب القدم اليسرى يمتلكون موهبة أو لمسة استثنائية، فهل هذا صحيح؟
تشير الأرقام إلى ندرة من يستخدمون اليد أو القدم اليسرى، حيث تتراوح نسبتهم بين 10% – 20%. وهذه النسبة هي نفسها نسبة تواجد أصحاب القدم اليسرى في كرة القدم. ومن هنا يأتي أول تفسير لأفضلية اللاعب الأعسر. فإذا كانت قائمة فريقك تحتوي على 5 منهم، مقابل 20 من أصحاب القدم اليمنى. يكفي فقط تفوق 2 من 5 لترك انطباعا جيدًا لديك، أما ال 20 الباقين فبحاجة لعدد أكبر للإقناع.
لكن إذا كنت مصرًا على تفرد اللاعب الأعسر، فقد يلائمك التفسير العلمي القادم. فقد أخبرت الدكتورة «باربرا ساتلر» – المتخصصة في دراسة أصحاب اليد والقدم اليسرى «left-sided people» – قناة «دويتش فيله DW» بأن أصحاب القدم اليسرى يمتلكون قدرة أعلى على إدراك المساحات في الملعب. والسبب في ذلك يعود إلى أن نصف الدماغ الأيمن هو المتحكم في النصف الأيسر من الجسد، بجانب أنه المسئول عن عمليات الحدس، والعاطفة، والإبداع.
أصبح الأمر أكثر منطقية الآن، لكنه سيصبح غير منطقي سريعًا، عندما تدرك أن نفس اللاعب الأعسر فائق الموهبة هو نفس اللاعب الذي يظن الكثير أنه سيء بتسديد ضربات الجزاء. وفي هذا الشأن، قام «بين ليتلون» مؤلف كتاب «Twelve Yards» بدراسة ما يقارب 8 آلاف ضربة جزاء على مدار 20 عامًا ليجد أن قدم المسدد لا تؤثر كما يتخيل البعض.
هنالك عوامل أكثر أهمية كالوقت المتبقي من المباراة، أهمية ضربة الجزاء، ومن ثم تكنيك وهدوء اللاعب المسدد. ورغم ذلك يقول «بين» أن بعض الأندية كانت تخبره بعدم رغبتهم في جعل لاعب أعسر يسدد ضربات الجزاء. وكأن الأمر قد علق في أذهان الجميع، خاصة مع رؤيتهم للخارق ليونيل ميسي وهو يهدرها كأي لاعب عادي.