بين 17 ت١ و 3 ت2 ..
بِقَلَم ألعَميد مُنذِر ألأيوبي*
كان ألمشهد يوم أمس ألأحد سورياليآ Surrealism بإمتياز تظاهرات شعبية واحدة مؤيدة لرئيس ألبلاد دعمآ وولاءً ووفاءً وأخريات موزعة ومنتشرة على ألمناطق وألمحافظات ألمركزية منها في ساحة ألشهداء ومحيطها وسط العاصمة أما ألأجمل وألأنقى بينها فَ إعتصامات طرابلس ومن إفترشوا ساحة نورها رافعين مِشعل ألأمل بألتغيير ..!
حركة شعبية إنطلقت يوم 17 تشرين وعبرت إلى ألتشرين ألثاني و ما بين ألتشرينين أكثر من حراكٍ وأعظم من ثورة، هي نبض حياة و تعبير عن عقل باطن حالم تجاوز ألواقع و ألنظام ألمُسَوَس ألمنخور حتى ألعظمِ فسادآ و إهمالآ ..! نبضٌ لم يتوقعه أحد بسبب منطق سياسي إستعلائي متحجر سَادَ و مادَ على إمتداد وَطن مُتبخترآ تارةً ومُضطربآ تارَةً أخرى في آلية تلقائية نفسيةٍ مريضةٍ خالصة يعوزها ألنظام و ألعدالة ..!
حركة شعب إنتفض بعفوية شبابية نابعة من حقيقة بعيدة عن كل تدخل خارجي و إن إشتبه بتسلل جزئي غير ذو قيمة بقي قاصرآ عن إخفاء أو تشويه بيئتها ألناصعة ، في قواعدها ألإملائية مفاعيل رفض لفقر و نهب و فساد و هَواّن ، حركة وطنية لا تدليس فيها و لا تمليس فوق جميع ألحركات ألثورية قديمآ و حديثآ .. نموذج شعبي فريد لافت ألأداء تمازجت فيه جدية مطالب ألعامة مع عادات لبنانية تحمل من علامات ألفرح ألكثير رقصآ وغناء وحداء، ليست دليل ضحالة فكرية أو إنشغال أخلاقي بل تحرر و إحتفال بهذه ألشعلة ألتي أضيئت بعد طول إنتظار و لهفةً عليها ناجمة عن غياب أي أمل بِإندلاع جذوتها لأسباب جَمَّة طائفية و إقطاعية و إنتهازية فرضتها منذ بدايات ألكَيان ألأوليغارشية ألحاكمة و تجددت تواقيع ألعقد بين أطرافها إثر ألحرب ألأهلية و إقرار إتفاق ألطائف فَ كانت كفيلة كل مرة بإجهاض أي حراك إلى أنَ سقطت أليوم فيما حاكت ..!
إعتمد ألمنتفضون ألثوريون أو ألحركيون أو مهما كانت ألتسميات فَهُم مواطنون على واقعية أنَ ألآلام و ألدموع سلاح ، أنَ عشق ألوطن إيمان و إحتساب ، أنَ أحلامهم ألمستدامة بألعيش و عائلاتهم بكرامة عزيزة و معيشة رغيدة ترتقي إلى ما فوق ألواقع ألحالي ألمُزري حَقٌ و واجٍب ..!
في واقع حراكهم ألجماعي ألمنتفض برزت جماليات ضاهت كل ألمناسبات على مدى ألكَوكَب فألهتافات عزف منفرد على إيقاع ألعدالة ألإجتماعية و ألرايات في قبضة ألريح ترنيمة ولاء ..! فلاشات ألهواتف ألخليوية بين ألأكف مشاعل حداثة خلاقة ، أما شعلة ألقداحات لمن لا هاتف لديهم فغمرتها أيدي بعض فتيان طرابلس خشية ترمد شارة قداسة و فقر بكرامة ..! أضواء ألمنصات رَسمت لوحات مركبة بأشكال و ألوان شتى ، فنون ضوئية ضاهت ألطبيعية و ما فوق ألواقع ألمرئي …!
لطالما إزدهرت و زهت و توحدت ساحة ألشهداء و رياض ألصلح بجماهيرها و أعلامها في كل حدث
أو ذكرى ، لكنها هذه ألمرة بثت ألعدوى لغيرها من الساحات فتميزت لا شعوريآ بقيادة ألثورة ألتي رفعت مجسم قبضتها وسطها . ثمانية عشر يومآ قد مضت ترجمتها ألجماهير قدرةً هائلة على مرونة
في ألتحرك ، إستيعاب ألخروقات و ألإنصياع لطلبات وحدات الجيش و قوى مكافحة ألشغب و إن تمادت ألأخيرة في قمعها أحيانآ ..! كان صمودهم في ألساحات و ألشوارع بنهارات ألوطن و لياليه تعبيرآ نفسيآ لا شعوريآ عن حسهم ألوطني و عظمة معاناتهم أليومية شكلآ و مضمونآ في سعيهم ألدؤوب لتأمين رزقهم أو بناء مستقبلهم و أنقاذ أولادهم ..!
من جهة أخرى ؛ في مراجعة سريعة لعلوم ألإقتصاد و ألمال و ألأعمال و ألإدارة من ألمسلم به أن هنالك ثلاثة أنواع من ألإفلاس Bankriptcy : ألإفلاس ألحقيقي -ألإفلاس ألتقصيري -ألإفلاس ألإحتيالي و لكل أسبابه و تبعاته و معجزة الدولة أللُبنانيَة تاليآ و فخرها ففي إرتقاءها و إصابتها بألثلاث سويآ ..!
أما ألفَساد Corruption فَ أوجهه كثيرة متعددة : ألرشوة ،ألإبتزاز ،ألإختلاس ،غسيل ألأموال إلخ .. جميعها أفعال جرمية جسيمة و في أنواعه ألفساد ألحكومي، ألإداري، ألجمركي ،ألسياسي، ألقضائي
ما يخص مؤسسات ألأمن و إنفاذ القانون ..إلخ .. و ألدَولَة بمجملها ليست من أيٍ منها براء ..!
في سياق مُتَصل تبدو ألمشهدية بعد تقديم ألرئيس سعد ألحريري إستقالة ألحكومة أننا ربما بِتنا على
ما يَتداول ألعامَة أمام محورين سياسيين 17 و 3 بدلآ من 14 و 8 مع بعض ألتعديلات في تركيب بازل Puzzle ألتحالفات ، فألجمهورية أصابتها لوثة ألشارع في ظل لا مبالاة ألسلطة أو إهتمامها و لو شكليآ سواءً بإعلان نوايا صادقة للإصلاح و ألشروع في تنفيذها تباعآ ضمن مهل زمنية قصيرة تلبي و لو جزئيآ مطالب 17 Oct و أيضآ دون أية خطوات جدية سريعة لتشكيل حكومة إنتقالية تنكَب على معالجة ألمُشكلات و ألهموم ألمعيشية و ألهواجس ألمالية للمواطنين مع ما يشكل هذا ألإنكفاء في ألمعالجات من تعميق لهوة ألإنهيار بما لا يسمح للتفليسة بتصفية أملاكها و جدولة ديونها و إلتزاماتها ..!
توازيآ لم تؤد إستقالة ألرئيس ألحريري ألغاية ألمنشودة في تنفيس إحتقان ألشارع و تخدير جماهير ألحراك فهم يعتبرونها خطوة من مسار ألف ميل ، كما يسجل لهم حَتمَآ و بإيجابية إستمرارية نضالهم
و عدم وقوعهم تحت تأثير نشوة إنتصار مرحلي مُتمثل بإسقاط ألحكومة ..!
إستطرادآ يمكن ألقول أن أبناء ألإنتفاضة لا يزالون على خشبة “مسرح ألقسوة” Theatre of Cruelty حيث ألتعبير عن ألمطالب و ألمشاعر و الإنفعالات لا يتم من خلال أللغة و ألخطابات فقط و إنما ماديآ في أداء واقعي صادق .. إذ يُعرب ألشاعر و ألمسرحي “أنتونين أرتو” Antonin Artaud عن إعتقاده أن ألخطاب ألعقلاني يتألف من “ألباطل و ألوهم” و هو ألخطاب ألذي لطالما إستساغه ألعقل ألباطني للسلطة و مارسته ضمن طقس شعائري مبتذل في وجه ألشَعب عمومآ و ألمتظاهرين و ألمحتجين أليوم بصورة خاصة ..!
خِتامَآ ؛ نعم يقول متبحرون في عوالم السياسة اللبنانية و أفلاكها أن هذه ألمرة ليست ككل مرة .!
إننا أمام حائط مسدود حيث تتمسك ألسلطة ألحاكمة بألحقيقة ألبصرية ألظاهرة و تتجاهل رؤية ما يرشح منه كما تتغاضى عن سماع صوت ألسيل ألهادرٍ من خلفه ؛ جدار سيسقط و ينهار إن لم تتمكن
من فتح كوة فيه ؛ إذ لطالما كانت ألبصيرة أصدق و ألبصر خادع في كثير من ألأحيان .. حمى الله لبنان ..
بيروت في 04.11.2019