الاستقلاليون الجدد … ثوارٌ يكتبون مستقبل لبنان
بقلم : عباس صالح*
لم تكن نخوة اللبنانيين الأحرار يوماً محط سؤال، أو مثار جدل.دائما ما كان أبناء هذا الشعب العظيم على قدر الرهان، ومحط الآمال منذ تأسيس الكيان وما قبله، حين هبُّوا هبَّة رجل واحد، للتحرر من الاحتلالات والانتدابات على أنواعها وتبايناتها، بدءاً من المحتل العثماني ووصولاً إلى الاحتلال الصهيوني.والمفارقة اللافتة هي ان ابناء وأحفاد رجالات الاستقلال ما زالوا ينعمون حتى الساعة بالمناصب والمكاسب السياسية وما زالت النظرات إليهم هي نظرات تبجيل واحترام وتقدير كبير لمواقف آبائهم وأجدادهم، واجداد الاجداد الذين تمردوا على الاحتلالات وقاوموها مقاومة الشجعان والابطال، وما زالت الاكاليل توزع على صرائحهم في ذكري الاستقلال اللبناني كل صبيحة ٢٢ تشرين الثاني.ما أشبه اليوم بالبارحة، فهذا النظام الطائفي التحاصصي الخبيث، هو أشبه ما يكون باحتلال جاثم فوق صدور اللبنانيين منذ عقود، بل هو نسخة منقحة عن الاحتلالات الخارجية، يتيح للطاقم الحاكم ان يسرق وينهب خيرات اللبنانيين واتعاب أبنائهم، لا سيما المنتشرين منهم في أصقاع الدنيا ويتقاسمون المنهوب والمسروق، ليضيفونه الى حساباتهم في الخارج ويتضرفون بفوائده والفتات في الصرف على المحاسيب والازلام وتمويل المشاريع السياسية التي تستقطب أصواتاً إنتخابية عند اللزوم، في أسوأ عملية تبادلية هي أقرب الى الإكراه والاجبار منها الى القناعات الذاتية.وككل طاغية، أمعن هذا النظام التحاصصي الخبيث في إذلال شعبه ومحاسيبه، الى حد بات معه أركانه والمسؤولين فيه يسرقون علانية ويتقاسمون جهراً ويتحاصصون على رؤوس الاشهاد، ويرتشون عنوة ويفرضون الخوات، ويتقاذفون بأبشع انواع الارتكابات والاقترافات، من دون ان يقيموا أدنى اعتبار لكرامات المواطنين، وأمعنوا في تلك الاعمال البشعة الى حد تقاسم خزينة الدولة عبر الاعلام وتوزيع الضرائب التي تكوي المواطنين كرشاوى فيما بينهم وعطاءات ومنح لجمعيات وهمية تعود لهم ولزوجاتهم، وشراء ابنية وعقارات من بعضهم البعض بأسعار تفوق حتى الخيال العلمي، وممارسة كل انواع السرقات العلنية بتخاريخ وطرق وآليات مختلفة لكنها مفضوحة أمام الملأ، وفي كل مرة تفرغ فيها خزائن الدولة الغنية بموارها الطبيعية، وبإنسانها وبمغتربيها يلجأ أركان النظام الخبيث الى فرض المزيد مما يسمونه ضرائب على اللبنانيين، مع فارق بعيد بين المفهوم والتسمية، إذ ان الضريبة في كل اصقاع الدنيا تؤخذ من المواطن في شبابه لتعطى له في شيبه، ولتحفظ كهولته من الذل والتسكع، إلا في لبنان حيث تؤخذ الضرائب المهولة من الناس، وتتم فوقها الاستدانة بالمليارات من الخارج ليتم تقاسم المبالغ الضخمة بين اركان النظام اللصوصي، بطرق ومخرجات شتى.اللبنانيون ضاقوا ذرعاً، منذ زمن بعيد، بالممارسات اللصوصية والتقاسم والتحاصص ومنع التوظيف وتجميد الدورة الاقتصادية والممارسات غير الانسانية لأركان هذا الحكم الذي جار أكثر من سواه، وباتوا ملزمين بتنسيق انتفاضة تطيح بمنظومة العسس التي تمسك بمفاصل الدولة وتسرق خيراتها.وما حصل منذ مساء أمس في شوارع لبنان كله ليس سوى البداية. ولن يتوقف قبل الاطاحة بالمنظومة التحاصصية وتحطيمها بالكامل.فالشبان المنتفضون في كل لبنان يسطرون اليوم بنضالهم أروع وأنقى ما يمكن ان يُكتب للبنان المستقبل، ويبنون وطناً يليق بأولادهم والاحفاد.حياكم الله ايها الثوار الاحرار. أكملوا سطوركم الزاهية، فمن قبضاتكم وحناجركم سيبزغ فجر لبنان الجديد!حياكم الله أيها الاستقلاليون الجدد.
—————
* كاتب وصحافي